للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَإِلَّا فَأَصْلُ الْقُرْبَةِ حَاصِلٌ فِي الْوَقْفِ مُطْلَقًا كَيْفَ وَهُوَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْبَابِ كَمَا اقْتَضَاهُ حَلُّ الشَّارِحِ لَا لِلذِّمِّيِّ فَقَطْ أَيْ: بَلْ لِمَا هُوَ أَعَمُّ كَالْوَقْفِ عَلَى أَغْنِيَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ عَلَى أَغْنِيَاءِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ الْأَقَلِّ حَاجَةً مِمَّا عَدَاهَا مَثَلًا.

(ص) أَوْ يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لِيَصْرِفَهَا (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ لَا عَلَى مَدْخُولِ لَمْ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ إذْ لَا يُبَالِغُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَلَوْ قَالَ أَوْ اشْتَرَطَ تَسْلِيمَ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ الَّذِي يَقْبِضُ الْغَلَّةَ وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ الْمُطَابِقَةِ لِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْغَلَّةِ لَا يُبْطِلُ حَوْزَ الْوَقْفِ وَمَفْهُومُ لِيَصْرِفَهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِيَأْكُلَهَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ كَذَا يَنْبَغِي.

(ص) أَوْ كَكِتَابٍ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَحِيزَ الْكِتَابُ عَنْهُ فَقَدْ صَحَّ الْوَقْفُ، فَإِذَا عَادَ ذَلِكَ الْكِتَابُ إلَى يَدِ وَاقِفِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ كَغَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي حَوْزِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ مَا عَادَ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الْحَوْزِ فَالضَّمِيرُ فِي صَرْفِهِ وَمَصْرِفِهِ يَعُودُ عَلَى الْكِتَابِ وَقَدْ نَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ حُكْمُ الْكُتُبِ تُحْبَسُ لِيُقْرَأَ فِيهَا حُكْمَ الْخَيْلِ تُحْبَسُ لِيَغْزُوَ عَلَيْهَا وَالسِّلَاحِ لِيُقَاتِلَ بِهَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ حَبَسَ فِي صِحَّتِهِ مَا لَا غَلَّةَ لَهُ مِثْلَ السِّلَاحِ وَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْفِذْهَا وَلَا أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ فَمَا أُخْرِجَ فَهُوَ نَافِذٌ وَمَا لَمْ يُخْرَجْ فَهُوَ مِيرَاثٌ اهـ.، وَأَمَّا مَا لَهُ غَلَّةٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَنَصُّهَا قَالَ مَالِكٌ مَا حَبَسَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ مِنْ حَائِطٍ أَوْ دَارٍ أَوْ شَيْءٍ لَهُ غَلَّةٌ فَكَانَ يُكْرِيهِ وَيُفَرِّقُ غَلَّتَهُ كُلَّ عَامٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ يُوصِي بِإِنْفَاذِهِ فِي مَرَضِهِ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَيَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ فَقَوْلُهُ أَوَكَكِتَابِ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ بَعْدَ حَذْفِ كَانَ وَاسْمِهَا أَيْ: أَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ كَكِتَابٍ مِمَّا لَا غَلَّةَ لَهُ.

(ص) وَبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ بَاطِلٌ كَمَنْ وَقَفَ عَلَى شَرْبَةِ الْخَمْرِ وَأَكْلَةِ الْحَشِيشِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ الْبَاجِيُّ لَوْ حَبَسَ مُسْلِمٌ عَلَى كَنِيسَةٍ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي رَدُّهُ؛ لِأَنَّهَا

ــ

[حاشية العدوي]

عَلَى هَذَا تَكُونُ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ شَيْئًا وَاحِدًا وَلِشَيْخِ الْإِسْلَامِ تَفْصِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ وَلَا عُرِفَ الْمُمْتَثَلُ لَهُ وَالْعِبَادَةُ مَا تَوَقَّفَ عَلَى نِيَّةٍ وَعُرِفَ الْمَعْبُودُ وَالْقُرْبَةُ مَا عُرِفَ الْمُتَقَرَّبُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ فَتَنْفَرِدُ الطَّاعَةُ فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَنْفَرِدُ الْقُرْبَةُ فِي أَدَاءِ دَيْنٍ وَغُسْلِ نَجَاسَةٍ كَذَا فِي عب لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ كَيْفَ يُطَاعُ أَيْ: يُمْتَثَلُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَنْفِيُّ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي هِيَ الْجَزْمُ بِالْحَقِّ بِالدَّلِيلِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْجَزْمَ بِالْحَقِّ الْخَالِي عَنْ الدَّلِيلِ حَاصِلٌ فَيَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ (قَوْلُهُ كَيْفَ وَهُوَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِمَا قَبْلَهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعَاتِ لَا مِنْ بَابِ الصَّدَقَاتِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَارْتَضَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَبَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ شَاسٍ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا وَالْأَظْهَرُ جَرْيُهَا عَلَى حُكْمِ الْوَصِيَّةِ أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةُ الْوَصِيَّةِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَقَالَ تت وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الصِّلَةِ تَرَحُّمٌ كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَأَرَاهُ حَسَنًا، وَأَمَّا لِغَيْرِ هَذَا فَلَا يَتِمُّ انْتَهَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ وَلَيْسَ هُنَاكَ صِلَةُ رَحِمٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ أَوْ عَلَى رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَجَائِزٌ.

(قَوْلُهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى) أَقُولُ الْمَعْنَى صَحِيحٌ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْفَسَادِ عَدَمَ الْمُنَاسَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَظْهَرَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى يَظْهَرُ (قَوْلُهُ بَعْدَ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِهِ) أَيْ: صَرْفِ جَمِيعِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ وَلَوْ مُفَرَّقًا حَتَّى تَمَّ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي الْجَوَازِ، وَأَمَّا صَرْفُ بَعْضِهِ فِي مَصْرِفِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ الْوَقْفُ وَإِنْ قَلَّ وَمَا لَا يَصْرِفُهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْوَقْفُ إذَا كَانَ النِّصْفَ فَفَوْقَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَبَعًا لِمَا صُرِفَ فِي مَصْرِفِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ الَّذِي صُرِفَ فِي مَصْرِفِهِ لَا عَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَحِيزَ الْكِتَابُ عَنْهُ) الْأَوْلَى وَصُرِفَ فِي مَصْرِفِهِ.

(قَوْلُهُ يَنْتَفِعُ بِهِ كَغَيْرِهِ) قَالَ مُحَشَّيْ تت لَيْسَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ حِيزَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَ بَلْ تَصْوِيرُهَا أَنَّهُ حَبَسَهُ وَأَبْقَاهُ تَحْتَ يَدِهِ وَهُوَ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهِ فَيُخْرِجُهُ فِي مَصْرِفِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ لِحَوْزِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ حَبَسَ فِي صِحَّتِهِ مَا لَا غَلَّةَ لَهُ مِثْلَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْفِذْهَا وَلَا أَخْرَجَهَا حَتَّى مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُ فِي وُجُوهِهِ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَمَا أُخْرِجَ فَهُوَ نَافِذٌ وَمَا لَمْ يُخْرَجْ فَهُوَ مِيرَاثٌ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) فِي الْعِبَارَةِ سَقْطٌ أَسْقَطَهُ الشَّارِحُ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ مَا نَصُّهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ وَصِيَّةٍ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ يُوصِيَ بِهِ بِإِنْفَاذِهِ فِي مَرَضِهِ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَيَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ.

(قَوْلُهُ أَكَلَةِ الْحَشِيشَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) لَا يَخْفَى أَنَّ أَكْلَ الْحَشِيشَةِ يُكْرَهُ لَا يَحْرُمُ فَلَعَلَّ ذَلِكَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَفِي شَرْحِ شب وَمَفْهُومُ عَلَى مَعْصِيَةِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ عَلَى مَكْرُوهٍ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهِ أَيْ: وَعَدَمِ كَرَاهَتِهِ، وَأَمَّا إنْ اُتُّفِقَ عَلَى كَرَاهَتِهِ فَقِيلَ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَقِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>