مُنِيبِهِ أَوْ بِعَزْلِهِ كَالْوَكِيلِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ، وَأَمَّا مُقَدَّمُ الْقَاضِي عَلَى يَتِيمٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَلَا بِعَزْلِهِ، وَإِنَّمَا نَصَّ الْمُؤَلِّفُ عَلَى الْمَوْتِ مَعَ أَنَّ الْعَزْلَ كَذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ يَأْتِي بَغْتَةً لَا يَنْعَزِلُ بِهِ وَاعْلَمْ أَنْ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِذَلِكَ وَاسْتَخْلَفَ فَلَا يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ بِمَوْتِهِ وَلَا بِعَزْلِهِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ الْمُسْتَخْلِفِ بِالْكَسْرِ يَقْتَضِي عَزْلَ نَائِبِهِ بِذَلِكَ وَالْعِبْرَةُ بِمَذْهَبِ النَّائِبِ فَالْحَنَفِيُّ إذَا اسْتَنَابَ مَالِكِيًّا بِإِذْنٍ مِمَّنْ وَلَّاهُ أَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِذَلِكَ وَمَاتَ لَمْ يُعْزَلْ الْمَالِكِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ، وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ لِمَصْلَحَةِ الْخَلِيفَةِ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَالْمُرَادُ بِالْأَمِيرِ مَنْ لَهُ إمَارَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ وَلِهَذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ الْخَلِيفَةَ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَمِيرُ الْخَلِيفَةَ وَلَوْ فَسَّرَ الْأَمِيرَ بِمَا دُونَ السُّلْطَانِ لَمْ تَصِحَّ الْمُبَالَغَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا صَادِقًا عَلَيْهَا
(ص) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَهُ أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا شَهِدَ بَعْدَ عَزْلِهِ عَلَى حُكْمٍ كَأَنْ حَكَمَ بِهِ قَبْلُ فَإِنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ يُرِيدُ وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ شَخْصٌ آخَرُ وَعَلَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْبُطْلَانَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي الْبُطْلَانِ إذَا قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ شَهِدَ عِنْدِي شَاهِدَانِ بِكَذَا وَقَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَلِلطَّالِبِ حِينَئِذٍ تَحْلِيفُ الْمَطْلُوبِ أَنَّ الشَّهَادَةَ الَّتِي بِدِيوَانِ الْقَاضِي مَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا أَحَدٌ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ لَهُ الطَّالِبُ وَثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْعَزْلِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَأَمَّا الْإِخْبَارُ فَيُقْبَلُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُحَكَّمِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَضِيَّةِ صَارَ مَعْزُولًا وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ أَوْ يَعْزِلَ وَهُوَ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ.
(ص) وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّ قَاضٍ يَسْتَقِلُّ بِمَمْلَكَةٍ يَحْكُمُ فِيهَا أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ إنْفَاذُ حُكْمِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْمَمْلَكَةِ يَحْكُمُ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ أَوْ يُنَصِّبُ فِي مَمْلَكَتِهِ قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ يَحْكُمُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ كَقَاضِي الْأَنْكِحَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَقَاضِي الشُّرْطَةِ وَقَاضِي الْمِيَاهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَنْعَقِدُ عَامَّةً وَخَاصَّةً خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا عَامَّةً وَإِذَا قِيلَ تَنْعَقِدُ عَامَّةً وَخَاصَّةً يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يَحْكُمَ فِي قَضِيَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ لَا يَحْكُمَ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مُسْتَقِلٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ كُلٍّ مِنْهَا فِيهَا عَلَى رِضَا صَاحِبِهِ لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يَكُونُ الْحَاكِمُ نِصْفَ حَاكِمٍ انْتَهَى ابْنُ عَرَفَةَ مَنْعُ ابْنِ شَعْبَانَ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي نَازِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا أَظُنُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا أَيْ فِي الْجَوَازِ، وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ فِي تَحْكِيمِهِمَا أَبَا مُوسَى وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ انْتَهَى، قَوْلُهُ أَوْ خَاصٍّ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ أَشْعَرَ بِهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ إلَخْ) هَذَا لَا يُخَالِفُ الْمُصَنِّفَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْ وَلَّاهُ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ أَوْ عَدَمِهِ وَلَا جَرَى عُرْفٌ بِذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَوْ جَرَى عُرْفٌ بِذَلِكَ.
(فَائِدَةٌ) لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوصِيَ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمْرًا لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ
. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْعَزْلِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِأَنَّهُ قَضَى بِكَذَا أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا لَا تُقْبَلُ لَا قَبْلَ الْعَزْلِ وَلَا بَعْدَهُ وَأَمَّا إخْبَارُهُ فَيُقْبَلُ قَبْلُ لَا بَعْدُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍ بِحَقٍّ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ مَثَلًا وَأَنَّ قَاضِيَ الشَّامِ مَثَلًا حَكَمَ لَهُ بِهِ فَيَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَذْهَبُ الْمُدَّعِي لِقَاضِي الشَّامِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُكَاتِبَ قَاضِيَ مِصْرَ يُخْبِرَهُ بِمَا حَصَلَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَوْ جَاءَ قَاضِي الشَّامِ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ فَهَذَا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ عَزْلِ قَاضِي الشَّامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا إذَا جَاءَ الْمُدَّعِي لِقَاضِي الشَّامِ ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يَتَدَاعَيَا عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ طَالِبًا مِنْهُ مَكْتُوبًا لِقَاضِي مِصْرَ بِمَا حَكَمَ بِهِ لَهُ عَلَى فُلَانٍ فَهَذَا يُقْبَلُ قَبْلَ عَزْلِ قَاضِي الشَّامِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا.
لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ تَعَدُّدُ إلَخْ) أَشْعَرَ فَرْضُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ تَعَدُّدِ الْقَاضِي بِمَنْعِ تَعَدُّدِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ تَنَاءَتْ الْأَقْطَارُ جِدًّا لِإِمْكَانِ النِّيَابَةِ وَقِيلَ إلَّا أَنْ لَا تُمْكِنَ النِّيَابَةُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَحْوُهُ لِلْأُصُولِيِّينَ. (أَقُولُ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحَلَّ خِلَافٍ. (قَوْلُهُ: كُلُّ قَاضٍ يَسْتَقِلُّ بِمَمْلَكَةٍ) كَأَنْ يَكُونَ قَاضٍ بِمَمْلَكَةِ مِصْرَ وَقَاضٍ بِمَمْلَكَةِ الشَّامِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْمَمْلَكَةِ كَأَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ فِي الْقَاهِرَةِ وَوَاحِدٌ فِي رَشِيدٍ مَثَلًا كَمَا هُوَ الْآنَ فَإِنَّك تَجِدُ فِي مَمْلَكَةِ مِصْرَ قُضَاةً كَثِيرِينَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ أَيْ وَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ يُنَصَّبُ فِي مَمْلَكَةٍ إلَخْ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَقَاضِي الشُّرْطَةِ وَقَاضِي الْمِيَاهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قُضَاةِ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَامَّةٌ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ لَا تَقْضِي فِي الْأَمْوَالِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي نَازِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ لَيْسَتْ مَعَ الْقُضَاةِ بَلْ مَعَ الْحَكَمِينَ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ تَوْضِيحُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute