للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِتَصَنُّعَاتِ النَّاسِ فَقَوْلُهُ: لَا يُخْدَعُ أَيْ فِي عَقْلِهِ، وَلَا يُسْتَزَلُّ فِي رَأْيِهِ، تَفْسِيرٌ وَإِيضَاحٌ لِفَطِنٍ فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى عَارِفٍ لَكَانَ أَظْهَرَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَيْضًا أَنْ يَعْتَمِدَ فِي تَزْكِيَتِهِ لِلشَّاهِدِ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ لَهُ فِي الْحَضَرِ وَفِي السَّفَرِ، وَيَرْجِعُ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا لِلْعُرْفِ وَأَشْعَرَ إتْيَانُهُ بِالْأَوْصَافِ مُذَكَّرَةً بِأَنَّ النِّسَاءَ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُنَّ لَا لِرِجَالٍ، وَلَا لِنِسَاءٍ لَا فِيمَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا يُجْزِئُ الِاعْتِمَادُ فِي التَّزْكِيَةِ عَلَى السَّمَاعِ كَ سَمِعْنَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَنَّ فُلَانًا عَدْلٌ رِضًا، وَأَمَّا مِنْ سَمَاعٍ فَشَا كَمَا إذَا قَالَا: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا فَيُقْبَلُ كَمَا يَأْتِي فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ. (ص) مِنْ سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ إلَّا لِتَعَذُّرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَنْ يَكُونَ مِنْ سُوقِ الْمُزَكَّى بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ مِنْ مَحَلَّتِهِ، وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رِيبَةٌ فَلَيْسَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِسَمَاعٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ تَزْكِيَةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَتَزْكِيَةٍ حَاصِلَةٍ مِنْ مَعْرُوفٍ حَاصِلَةٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا لِتَعَذُّرٍ مِنْ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(ص) وَوَجَبَتْ إنْ تَعَيَّنَ (ش) أَيْ وَوَجَبَتْ الشَّهَادَةُ بِالتَّزْكِيَةِ إنْ تَعَيَّنَ التَّعْدِيلُ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعَدِّلْهُ غَيْرُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَجْرِيدِ الْفِعْلِ مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ أَيْ وَوَجَبَ التَّعْدِيلُ إنْ تَعَيَّنَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْدِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ انْفَرَدَ بِهِ وَهَذَا إذَا طُلِبَتْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِفِعْلِهَا قَبْلَ طَلَبِهَا إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ.

(ص) كَجُرْحٍ إنْ بَطَلَ حَقٌّ (ش) التَّشْبِيهُ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ جُرْحَةَ شَاهِدٍ، وَإِنْ لَمْ يُجَرِّحْهُ بَطَلَ الْحَقُّ بِسَبَبِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَرِّحَهُ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْحَقُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَالشَّرْطُ قَيْدٌ فِي هَذِهِ، وَفِيمَا قَبْلَهَا أَيْضًا عَلَى خِلَافِ قَاعِدَتِهِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ يَرْجِعُ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ لَا لِمَا قَبْلَهَا فَمَعْنَى إنْ بَطَلَ حَقٌّ أَيْ بِتَرْكِ التَّعْدِيلِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ إنْ بَطَلَ حَقٌّ بِتَرْكِ التَّجْرِيحِ.

(ص) وَنُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا (ش) الضَّمِيرُ فِي مَعَهَا يَرْجِعُ لِتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُضِيفَ إلَى تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ تَزْكِيَةَ السِّرِّ وَيَكْفِي فِيهَا وَاحِدٌ وَيُنْدَبُ التَّعَدُّدُ.

(ص) مِنْ مُتَعَدِّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ بِخِلَافِ الْجَرْحِ (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّزْكِيَةَ مُطْلَقًا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ فَيَتَوَقَّفُ حُصُولُ النَّدْبِ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى التَّعَدُّدِ كَمَا أَنَّ حُصُولَ وُجُوبِ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَدِّلَ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ عَدَالَتِهِ

ــ

[حاشية العدوي]

بِبَاطِنِ الْمُزَكَّى كَظَاهِرِهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِتَصَنُّعَاتِ النَّاسِ (قَوْلُهُ: كَسَمِعْنَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي السَّمَاعُ مِنْ مُعَيَّنٍ كَسَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ يَقُولَانِ: زَيْدٌ عَدْلٌ أَوْ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ فَاشِيًا، وَقَدْ قَطَعَ بِالشَّهَادَةِ، وَأَمَّا إنْ أَسْنَدَ شَهَادَتَهُ لِلسَّمَاعِ، وَلَمْ يَقْطَعْ بِهَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ السَّمَاعُ مِنْ جَمَاعَةٍ بِحَيْثُ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْقَطْعَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ بِالتَّزْكِيَةِ سَوَاءٌ قَطَعَ بِهَا أَوْ أَسْنَدَهَا لِلسَّمَاعِ فَأَقْسَامُ السَّمَاعِ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ لَا تَحْصُلُ بِهِ التَّزْكِيَةُ سَوَاءٌ أَسْنَدَ الشَّهَادَةَ بِهَا لِلسَّمَاعِ أَوْ قَطَعَ بِهَا، وَقِسْمٌ يُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُسْنِدَ الشَّهَادَةَ بِهَا لِلسَّمَاعِ فَيَعْمَلَ بِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ بِهَا فَلَا يَعْمَلَ بِهَا، وَقِسْمٌ يَعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ بِهَا سَوَاءٌ قَطَعَ بِهَا أَوْ أَسْنَدَهَا لِلسَّمَاعِ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَأَمَّا مِنْ سَمَاعٍ فَشَا لَا يُؤْخَذُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يُفَصَّلُ فِيهِ إنْ لَمْ يَفْسُدْ الْقَطْعُ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا فَيَبْطُلَ أَوْ لَا فَيَصِحَّ، وَإِنْ أَفَادَ الْقَطْعَ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا قَطَعُوا أَوْ أَسْنَدُوا لِلسَّمَاعِ هَذَا مَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِهِ.

(قَوْلُهُ: الشَّهَادَةُ بِالتَّزْكِيَةِ) أَيْ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّزْكِيَةِ لِلتَّصْوِيرِ، وَقَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ التَّعْدِيلُ، لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْدِيلَ هُوَ عَيْنُ الشَّهَادَةِ بِالتَّزْكِيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي تَعَيَّنَ عَائِدٌ عَلَى الْمُزَكَّى أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ، وَالْمُرَادُ: وَوَجَبَتْ عَيْنًا إنْ تَعَيَّنَ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ وَجَدَ مَنْ يُعَدِّلُ إلَّا أَنَّهُ قَامَ بِهِ مَانِعٌ كَخَوْفٍ مِنْ الْمُجَرِّحِ.

(قَوْلُهُ: كَجَرْحٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ) أَيْ فِي الشَّارِحِ هُنَا، وَقَوْلُهُ: إنْ بَطَلَ حَقٌّ أَيْ أَوْ حَقٌّ بَاطِلٌ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِرُجُوعِ الشَّرْطِ إلَى مَا قَبْلَ الْكَافِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ تَعَيَّنَ يُغْنِي عَنْ رُجُوعِ الشَّرْطِ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ بِحَقٍّ، وَلَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ الْمُزَكِّي وَمِنْ لَازِمِ تَرْكِ التَّزْكِيَةِ بُطْلَانُ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ " أَوْ حَقٌّ بَاطِلٌ "؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ بَطَلَ حَتَّى يُفِيدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ إثْبَاتَ الشَّيْءِ وَنَفْيَهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْوَاقِعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إثْبَاتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ فِي الْوَاقِعِ فِيهِ تَحْقِيقُ بَاطِلٍ، وَإِبْطَالُ حَقٍّ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ بِنَفْيِ مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي الْوَاقِعِ (تَنْبِيهٌ) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ بَطَلَ حَقٌّ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُجَرَّحِ إذَا كَانَتْ حَقًّا فَلَيْسَ لِمَنْ عَلِمَ بِجُرْحَتِهِ تَجْرِيحُهُ عَلَى الرَّاجِحِ أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت عَلِمَ الْمُجَرِّحُ بِالْكَسْرِ بِأَنَّ الْمُجَرَّحَ شَهِدَ بِحَقٍّ يَقْتَضِي عِلْمَهُ بِالْحَقِّ فَلِمَ لَمْ يُجَرِّحْهُ وَشَهِدَ هُوَ بِهِ قُلْت عِلْمُ الْمُجَرِّحِ بِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الْمُجَرَّحُ بِالْفَتْحِ حَقٌّ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ شَهَادَةِ الْمُجَرِّحِ بِالْكَسْرِ إمَّا لِتَأَكُّدِ الْقَرَابَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَإِمَّا لِنِسْيَانِهِ قَدْرَ الْحَقِّ.

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَلَانِيَةَ قَدْ تُشَابُ بِالْمُدَاهَنَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى السِّرِّ أَجْزَأَتْ اتِّفَاقًا كَالْعَلَانِيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَكِنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ إذَا انْفَرَدَتْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ وَالتَّعَدُّدُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ) ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ إنَّمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْمُسَمَّى (قَوْلُهُ: فَيَتَوَقَّفُ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ النَّدْبِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّعَدُّدِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ، وَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالتَّعَدُّدُ مَنْدُوبٌ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>