؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَنْ يُجَرِّحُ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ الْجَرْحِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَرُبَّمَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مَا لَا يَقْتَضِيهِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِ أَنَّهُ جَرَّحَ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَسُئِلَ عَنْ سَبَبِهِ فَقَالَ رَأَيْته يَبِيعُ وَلَا يُرَجِّحُ الْمِيزَانَ فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِتَجْرِيحِ شَخْصٍ وَشَهِدَ اثْنَانِ بِتَعْدِيلِهِ فَإِنَّ شَاهِدَيْ الْجَرْحِ مُقَدَّمَانِ عَلَى شَاهِدَيْ التَّعْدِيلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ مُقَدَّمٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ إنَّمَا يَحْكِي عَنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَالْمُجَرِّحُ إنَّمَا يَحْكِي عَنْ بَاطِنِ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ الْمُسْتَتِرَةِ فَقُدِّمَ لِذَلِكَ، وَأَيْضًا الْمُجَرِّحُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ.
(ص) وَإِنْ شَهِدَ ثَانِيًا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى تَرَدُّدٌ (ش) وَفِي نُسْخَةِ حُلُولُو، وَإِنْ شَهِدَتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ فَالضَّمِيرُ عَلَى الْأُولَى يَرْجِعُ لِلْمُزَكَّى بِفَتْحِ الْكَافِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَرْجِعُ لِلْبَيِّنَةِ أَوْ الشُّهُودِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ شَهِدَ شَهَادَةً وَزَكَّى فِيهَا بِشُرُوطِهَا ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةً ثَانِيَةً فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَزْكِيَةٍ ثَانِيَةٍ، وَهُوَ لِسَحْنُونٍ قَائِلًا: لَا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَتِهِ كُلَّمَا شَهِدَ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ وَتَشْتَهِرَ تَزْكِيَتُهُ أَوْ يَكْتَفِيَ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى، وَهُوَ لِأَشْهَبَ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ وَلَوْ شَهِدَ فِي يَوْمِ تَزْكِيَتِهِ اهـ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ، وَعِبَارَةُ الْمَوَّاقِ تَقْتَضِي أَنَّ التَّرَدُّدَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ بَلْ هُمَا قَوْلَانِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا عَدَّلَ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي النَّقْلِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ تَعْدِيلُهُ وَيَشْتَهِرْ، وَأَنَّهُ لَوْ طُلِبَ تَعْدِيلُهُ بِالْقُرْبِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ أَوْ بِالْبُعْدِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعَدِّلُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَلَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ التَّزْكِيَةِ ثَانِيًا إنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ الِاكْتِفَاءُ بِتَزْكِيَتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ مَا لَمْ يُتَّهَمْ بِأَمْرٍ حَدَثَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ تت مَا يُفِيدُ صِحَّةَ التَّعْبِيرِ بِالتَّرَدُّدِ وَأَنَّهُ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ مَرْزُوقٍ.
(ص) وَبِخِلَافِهَا لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ أَبَوَيْهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ (ش) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ أَخٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ شَهَادَةَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِهِ الْآخَرِ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ هَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا شَهِدَ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ أَوْ لِلْبَارِّ عَلَى الْعَاقِّ قَالَ مَالِكٌ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مُنْكِرَةً وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةَ بِذَلِكَ فَمَنَعَهَا أَشْهَبُ وَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ شَهِدَ بِطَلَاقِ غَيْرِ أُمِّهِ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ لَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، وَلَوْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لَانْبَغَى أَنْ لَا تَجُوزَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ) فَيَتَعَذَّرُ إحْصَاؤُهَا وَضَبْطُهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يُرَجَّحُ الْمِيزَانُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْجِيحُ الْمِيزَانِ فَلَوْ لَمْ يُرَجَّحْ بَلْ سَاوَى الْمِيزَانَ فَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ شَاهِدَيْ الْجَرْحِ مُقَدَّمَانِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ لِمَنْ عُدِّلَتْ شُهُودُهُ، وَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ كَمَا نَسَبَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَلَكِنْ قَيَّدَ الْمَازِرِيُّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَكَاذَبَا قَالَ فَلَوْ شَهِدَتْ طَائِفَةٌ بِكَوْنِهِ لَيْلَةَ كَذَا كَانَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ وَأُخْرَى بِعُكُوفِهِ عَلَى الصَّلَاةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَقَطَعَ بِكَذِبِ إحْدَاهُمَا فَيَرْجِعُ لِمَزِيدِ الْعَدَالَةِ، وَالْعَدَدِ إذَا بَلَغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ) الْمُنَاسِبُ عَنْ مَالِكٍ لَا عِنْدَ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْعَمَلُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ التَّزْكِيَةِ كَانَ بِالْقُرْبِ أَوْ الْبُعْدِ حَتَّى يَكْثُرَ تَعْدِيلُهُ وَتَشْتَهِرَ تَزْكِيَتُهُ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا عَدَّلَ مَجْهُولَ الْحَالِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ بَلْ عُرِفَ بِالْخَيْرِ أَوْ كَثُرَ مُعَدِّلُوهُ لَمْ يَحْتَجْ لِتَزْكِيَةٍ أُخْرَى، وَرَأَيْت مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا طُرُوُّ الْفِسْقِ، وَأَمَّا لَوْ طَالَ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِ فِسْقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ بِقَضِيَّةٍ فِي الْمَجْلِسِ وَزَكَّى ثُمَّ شَهِدَ بِقَضِيَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ لِتَزْكِيَةٍ ثَانِيَةٍ قَطْعًا (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْبُعْدِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ) الْمُنَاسِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَيْ وَأَشْهَبَ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى. الثَّانِي لَا يَكْفِي التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدُّدِ كُلَّمَا شَهِدَ حَتَّى يَكْثُرَ تَعْدِيلُهُ، وَتَشْتَهِرَ تَزْكِيَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ. الثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يَكْتَفِي بِالتَّعْدِيلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَطُولَ الزَّمَنُ كَسَنَةٍ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْسَانِ فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ أَوَّلًا: أَوْ لَا بُدَّ، وَالِاسْتِحْسَانُ مَعْنًى يَنْقَدِحُ فِي ذِهْنِ الْمُجْتَهِدِ فَتَقْصُرُ عَنْهُ عِبَارَتُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُسْتَحَبَّ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ذَكَرَ تت) أَيْ فَنَقَلَ عَنْ أَشْهَبَ قَوْلَيْنِ: قَوْلٌ بِأَنَّ تَزْكِيَتَهُ الْأُولَى تَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ، وَلَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ خِلَافُهُ إنْ شَهِدَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا سُئِلَ عَنْهُ الْعَدْلُ، فَإِنْ مَاتَ عُدِّلَ مَرَّةً أُخْرَى، وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ إنْ زَكَّاهُ مَشْهُورُ الْعَدَالَةِ لَمْ يَحْتَجْ لِإِعَادَةِ التَّزْكِيَةِ وَلَهُ فِي نَقْلِ الْبَاجِيِّ عَنْهُ: الْمَشْهُورُ بِالْعَدَالَةِ يَكْفِي فِيهِ التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ حَتَّى يُجَرَّحَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ وَاَلَّذِي لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤْتَنَفُ فِيهِ تَعْدِيلٌ فَاَلَّذِي فِي نَقْلِ غَيْرِ الْبَاجِيِّ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي بِكَسْرِ الْكَافِ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَاَلَّذِي فِي نَقْلِ الْبَاجِيِّ بِفَتْحِهَا اهـ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْمُتَقَدِّمِينَ اثْنَانِ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ.
(قَوْلُهُ: لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِير) وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ لِاتِّهَامِهِ بِحِفْظِ مَالِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مُنْكِرَةً) أَيْ، وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ، وَيُفْرَضُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي غَيْرَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَشَاهِدًا، وَقَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةَ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ تَدَّعِي الطَّلَاقَ، وَالْأَبُ يُنْكِرُ، وَقَوْلُهُ: فَمَنَعَهَا أَشْهَبُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَمِيلُ مَعَ أُمِّهِ، وَقَوْلُهُ: وَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَأَقُولُ: الْأَظْهَرُ قَوْلُ أَشْهَبَ وَيُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً) أَقُولُ: وَسَكَتَ عَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute