كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَانْبَغَى أَنْ تَجُوزَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا كُلِّهِ قُوَّةُ التُّهْمَةِ؛ وَلِذَا قَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ الْجَوَازَ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِكَوْنِ الْعَطْفِ بِأَوْ.
(ص) ، وَلَا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ (ش) الْمُرَادُ بِهَا الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا الدِّينِيَّةُ لِجَوَازِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ يَعْنِي أَنَّ الْعَدَاوَةَ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ فَلَا يُقْبَلُ عَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَا عَلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَا بَأْسَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ فِي حِجْرِ عَدُوِّهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الْقَبُولَ تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ إلَيْهِ بِسِرَايَةٍ مُنَبِّهًا عَلَى مَنْعِهَا مُشِيرًا لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) أَيْ ابْنِ الْعَدُوِّ وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ أَحَدِ شُيُوخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأَشَارَ بِالْمُبَالَغَةِ لِرَدِّ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْجَوَازِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَلْحَقْ الْأَبَ مَعَرَّةٌ، وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُهُ: (أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ أَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ قَادِحَةٌ فِي الشَّهَادَةِ وَلَوْ طَرَأَتْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ حِينَئِذٍ، وَعَدَاوَةُ الدِّينِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَامَّةٌ غَيْرُ خَاصَّةٍ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَدَاوَةُ الْخَاصَّةُ.
(ص) وَلْيُخْبِرْ بِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ لِلشَّاهِدِ الْعَدْلِ: أَدِّ الشَّهَادَةَ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّاهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ الْقَاضِيَ بِالْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّدْلِيسِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ قَادِحَةٍ، أَوْ يَكُونَ الْقَاضِي مِمَّنْ يَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ قَادِحَةً وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ مِنْ أَنَّ الْإِخْبَارَ بَعْدَ الْأَدَاءِ هُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَوَّاقِ خِلَافًا لِحَلِّ تت وَمِثْلُ الْعَدَاوَةِ الْقَرَابَةُ.
(ص) كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجْنُونِ مُخَاصِمًا لَا شَاكِيًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ: تُشَبِّهُنِي بِالْمَجَانِينِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ، وَتُرَدُّ بِذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاصَمَةِ بِأَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ مُفِيدًا لِكَوْنِ شَهَادَتِهِ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ مَا قِيلَ لَهُ لَا عَلَى وَجْهِ الشِّكَايَةِ لِلنَّاسِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: اُنْظُرُوا مَا فَعَلَ مَعِي، وَمَا قَالَ فِي حَقِّي أَوْ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنْ يَفْعَلَ مَعِي ذَلِكَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ إلَخْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِقَوْلِهِ، وَلَا عَدُوٍّ، وَيَكُونُ مِنْهُ بِالْأَخَفِّ لِيَعْلَمَ مِنْهُ الْأَجْلَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا عَلَّلَ فِي النَّصِّ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَعَلَّلَهُ بِكَوْنِ الشَّاهِدِ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَلَا عَدُوٍّ أَيْ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَاوَتُهُ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَاهُ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَاوَتُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهًا بِالْعَدَاوَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا عَدُوٍّ وَيَكُونُ تَشْبِيهًا مَصْدَرِيًّا، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ مَانِعَةٌ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
إذَا كَانَتْ حَيَّةً، وَفِيهَا خِلَافٌ فَمَنَعَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهَا أَصْبَغُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ مُنْكِرَةً وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةَ بِشَهَادَةِ وَلَدَيْهِ وَالْأُمُّ فِي عِصْمَتِهِ فَأَجَازَهَا أَصْبَغُ وَمَنَعَهَا سَحْنُونَ بَعْدَ أَنْ قَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَانَتْ الْأُمُّ فِي عِصْمَتِهِ أَمْ لَا حَيَّةً أَوْ لَا أَنْكَرَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوْ لَا لِجَرْيِ الْعَادَةِ بِالْبُغْضِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّبِيبِ (قَوْلُهُ: وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: لَهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ مَيْلٍ وَذَلِكَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِأَحَدِ الْوَلَدَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمَتْنِ لَفْظَةُ لَهُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهَا كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسْخَةٍ مُصَلَّحَةٍ.
(قَوْلُهُ: بِسِرَايَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ عَدَاوَةَ الْأَبِ تَسْرِي لِلِابْنِ (قَوْلُهُ: الْمَعَافِرِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ: أَحَدُ شُيُوخِ إلَخْ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ
(قَوْلُهُ وَلْيُخْبِرْ بِهَا إلَخْ) هَذَا سَمَاعُ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ عَالِمًا بِالْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَازِمًا بِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ تَرَتَّبَ إبْطَالُ الْحَقِّ، وَإِلَّا فَلَا يُخْبِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَسَمِعَ سَحْنُونَ: لَا يُخْبِرُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ بِهِ حَقًّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ فَانْظُرْ لِمَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ الْأَصَحَّ بَلْ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ؟ وَتَأَمَّلْ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلْيُخْبِرْ بِهَا) أَيْ وَمِثْلُهَا الْقَرَابَةُ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إذَا أَدَّاهَا) أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا، وَلَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى تَحَمُّلِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخْبِرُ الْحَاكِمَ بِعَدَاوَتِهِ (قَوْلُهُ: وَلِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ قَادِحَةٍ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِسَبَبِهَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا قَالَ: سَبَبُ عَدَاوَتِي أَنَّهُ تَارِكٌ الصَّلَاةَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُ أَيْ بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الْمَذَاهِبِ يَرَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ غَيْرُ قَادِحَةٍ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَخْ) أَفَادَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِي الْخِصَامَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَتُشَبِّهُنِي، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَتَتَّهِمُنِي فَلَا دَخْلَ لَهُ فَلَوْ حَذَفَهُ مَا ضَرَّهُ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِقَوْلِهِ) أَيْ وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَذِي (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِّلَ فِي النَّصِّ) الْأَنْسَبُ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لِتَعْلِيلِهِ فِي النَّصِّ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا أَيْ وَإِنَّمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِقَوْلِهِ، وَلَا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ لِتَعْلِيلِهِ فِي النَّصِّ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَعَلَّلَهُ وَالْمُرَادُ نَصُّ الْمَازِرِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ نَقَلَ عَنْ أَصْبَغَ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَعَلَّلَهُ بِكَوْنِ الشَّاهِدِ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْعَدَاوَةِ بَلْ أَقَرَّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَاوَةِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهًا بِالْعَدَاوَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهًا بِالْعَدَاوَةِ بَلْ تَشْبِيهٌ بِالْمَنْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَالتَّقْدِيرُ وَالْعَدَاوَةُ مَانِعَةٌ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ مَنْعًا كَمَنْعِ قَوْلِهِ بَعْدَهَا مِنْ الْقَبُولِ تَتَّهِمُنِي إلَخْ، وَقَوْلُهُ: مَصْدَرِيًّا يَقْتَضِي أَنَّ التَّشْبِيهَ يَنْقَسِمُ إلَى مَصْدَرِيٍّ وَغَيْرِ مَصْدَرِيٍّ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى تِلْكَ الْعِبَارَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ مُرَادُهُ يَكُونُ التَّشْبِيهُ مَصْدَرِيًّا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مَصْدَرٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ لَصَحَّ لَكِنَّ ظَاهِرَ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ دَاخِلَةً عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكَافِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute