جَهَلَةِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُعْذَرُوا بِهِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَ، وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إذَا اتَّهَمَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ.
(ص) أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ (ش) هَذَا هُوَ الْحِرْصُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا رَفَعَ شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ، وَفِي الْحَدِيثِ «شَرُّ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِهَا، ثُمَّ إنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ رَفَعَ إلَى آخِرِهِ مِثَالٌ ثَالِثٌ لِلْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ أَيْ أَوْ شَهَادَةُ شَاهِدٍ رَفَعَ شَهَادَتَهُ وَأَدَّاهَا قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْأَدَاءِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْأَدَاءِ كَأَنْ رَفَعَ إلَخْ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ: إنَّ الرَّفْعَ بِمَعْنَى التَّأْدِيَةِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ يَحْصُلُ بَعْدَ أَدَائِهَا فَكَيْفَ يَلْتَبِسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ عِنْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى مِنْ النَّوْعَيْنِ، وَالْمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ الْأَدَاءِ بَعْدَ لَفْظِ الْقَبُولِ لِيَصِيرَ هَذَا مِثَالًا لَهُ، وَيَصِيرُ اللَّفْظُ هَكَذَا، وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ الْأَدَاءِ، فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: كَمُخَاصَمَةٍ إلَى قَوْلِهِ: وَحَلَفَ مِثَالَيْنِ لِلْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ مِثَالًا لِلْحِرْصِ عَلَى الْأَدَاءِ الْمُقَدَّرِ.
(ص) وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِمْكَانِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ إذَا تَمَحَّضَ لِلَّهِ - تَعَالَى، وَكَانَ مِمَّا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ الْمُبَادَرَةُ بِالشَّهَادَةِ إلَى الْحَاكِمِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَنْ عَلِمَ بِعِتْقِ عَبْدٍ، وَسَيِّدُهُ يَسْتَخْدِمُهُ وَيَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ أَوْ عَلِمَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ وَمُطَلِّقُهَا يُعَاشِرُهَا فِي الْحَرَامِ أَوْ عَلِمَ بِوَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَمَنْ حَبَسَهُ أَوْ غَيْرُهُ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيْهِ يَسْتَغِلُّهُ، وَيَصْرِفُ رِيعَهُ فِي غَيْرِ مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ اُنْظُرْ وَجْهَهُ فِي الْكَبِيرِ أَوْ عَلِمَ بِرَضَاعِ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ بِرَفْعِ شَهَادَتِهِ كَانَ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي حَقِّهِ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ ثُمَّ الْمُرَادُ بِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ، وَإِلَّا فَكُلُّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ، وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَالْمُرَادُ بِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ مَا لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ إسْقَاطُهُ، وَهَذَا قَدْ يُوجَدُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ كَبَعْضِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ الْمُعْتَقَ لَهُ حَقٌّ فِي الْعِتْقِ بِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمَشْهُودُ بِطَلَاقِهَا لَهَا حَقٌّ فِي تَخْلِيصِ عِصْمَتِهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَفِي الْوَقْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَهُوَ طَلَبُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَهُ فِيهِ، وَقَدْ تَتَمَحَّضُ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا إذَا رَضِيَ الْمُعْتَقُ بِذَلِكَ أَيْ بِاسْتِخْدَامِ الْمُعْتِقِ لَهُ كَاسْتِخْدَامِ الرَّقِيقِ أَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِبَقَائِهَا تَحْتَهُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الْوَقْفِ وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَظَاهِرٌ قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ.
(ص) وَإِلَّا خُيِّرَ كَالزِّنَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ بِأَنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ تَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْهَا مِثْلَ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الشَّاهِدَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَفَعَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ) أَيْ دُونَ الْخَصْمِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ كَمَا لِمَيَّارَةَ عَلَى الزَّقَّاقِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْحَدِيثِ «شَرُّ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» إلَخْ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَالثَّانِي، وَهُوَ خَيْرُ الشُّهُودِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِهَا) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُ صَاحِبِ الْحَقِّ بِهَا إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ فَلَوْ تَرَكَ إعْلَامَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ) أَيْ تَأَمُّلٍ صَحِيحٍ صَادِقٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تَأَمُّلٌ، أَوْ تَأَمُّلٌ فَاسِدٌ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ) إشَارَةٌ لِلْجَوَابِ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا الْتِبَاسَ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْمُغَايَرَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّفْعَ التَّأْدِيَةُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ بِخِلَافِ الْحِرْصِ، وَحَيْثُ لَا خَفَاءَ، وَلَا الْتِبَاسَ فَلَا يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ مِثَالٌ لِلْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَالْمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فَتَدَبَّرْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَقُولَ قَوْلَهُ فَكَيْفَ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ: مَا يَكُونُ مِثَالًا لِهَذَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَخْلَصَ أَنْ يُجْعَلَ مِثَالًا لِمَحْذُوفٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَبَسَهُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ لَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ وَكَانَ بَاقِيًا تَحْتَ يَدِ مَنْ حَبَسَهُ فَلَا يُقْضَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ إلَخْ) وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَحْمِلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَهُ إسْقَاطُهُ حَتَّى بَعْدَ قَبُولِهِ وَلِأَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ كَمَا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ هُوَ مِنْ الْمُسْتَدَامِ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ - تَعَالَى - فِي الْوَقْفِ أَنْ لَا يُغَيَّرَ عَنْ سُنَّتِهِ بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ خُصُوصًا بَعْدَ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ إلَخْ) قَالَ الْبَدْرُ اُنْظُرْ فِي مَسْأَلَةٍ إذَا رَأَى أَحَدٌ الْهِلَالَ لَيْلًا فَتَرَكَ إلَى النَّهَارِ الْإِخْبَارَ بِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ جُرْحَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَظَاهِرٌ) أَيْ ظَاهِرٌ أَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَطْ (أَقُولُ:) لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالرَّضَاعِ فَاَلَّذِي يُقَالُ فِي الطَّلَاقِ يُقَالُ فِي الرَّضَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا خُيِّرَ كَالزِّنَا) مَحَلُّهُ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ وَأَطْلَقَهَا وَأَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا وَأَبْقَاهَا فَهِيَ حُرْمَةٌ دَائِمَةٌ فَيَجِبُ الرَّفْعُ