ذَلِكَ مِنْ السَّتْرِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ بِالْفِسْقِ الْمُجَاهِرِ بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ السَّتْرَ عَلَيْهِ، وَتُرْفَعُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِمَا اعْتَرَفَ لِيَرْتَدِعَ عَنْ فِسْقِهِ.
(ص) بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي (ش) قَالَ أَشْهَبُ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إنَّ الْحِرْصَ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قِيلَ لِمَالِكٍ فِي رَجُلٍ يُقِرُّ خَالِيًا أَفَيَجُوزُ أَنْ أَقْعُدَ لَهُ مُخْتَفِيًا لِأَشْهَدَ عَلَيْهِ قَالَ: إنْ تُحُقِّقَ الْإِقْرَارُ كَمَا يَجِبُ فَلْيُشْهِدْ.
(ص) ، وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ كَبَدْوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَوْ مَرَّ بِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِبْعَادَ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ كَشَهَادَةِ الْبَدْوِيِّ لِحَضَرِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «: لَا يَشْهَدْ بَدَوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ أَيْ فِيمَا يُسْتَبْعَدُ كَالْأَمْوَالِ، وَأَمَّا الْحِرَابَةُ وَالْقَتْلُ وَالْقَذْفُ وَالْجُرْحُ وَشِبْهُهُ فَلَا اسْتِبْعَادَ، وَالِاسْتِبْعَادُ الِاسْتِغْرَابُ بِأَنْ يَسْتَغْرِبَ الْعَقْلُ شَهَادَةَ هَذَا لِهَذَا، وَهُوَ هُنَا عُدُولُهُ عَنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ، وَيُشْهِدُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ، قَوْلُهُ كَبَدْوِيٍّ أَيْ وَتَحَمَّلَهَا فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّهَامُ ثُمَّ إنَّ الْمُؤَلِّفَ عَبَّرَ بِالْحَضَرِيِّ عَنْ الْقَرَوِيِّ الْوَاقِعِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي أُخْرَى صَاحِبُ قَرْيَةٍ، وَالضَّمِيرُ فِي اُسْتُبْعِدَ لِلِاسْتِشْهَادِ، وَالسِّينُ فِي قَوْلِنَا: لِلِاسْتِشْهَادِ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الشَّهَادَةِ لِلْحَضَرِيِّ مِنْ الْبَدْوِيِّ، فَشَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ لِلْحَضَرِيِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادٍ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْعَادَ فِيهَا حِينَئِذٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ وَكَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَيْ فِي الْأَقْوَالِ أَيْ أَوْ رَآهُ فِي الْأَفْعَالِ أَوْ مَرَّ الْبَدْوِيُّ عَلَيْهِمَا، وَهُمَا يَتَقَارَرَانِ، وَكَذَلِكَ اسْتِشْهَادُهُ لَهُ فِي السَّفَرِ، وَمِثْلُهُ الْأُمُورُ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا الْخِلْوَاتُ وَالْبُعْدُ عَنْ الْعُدُولِ.
(ص) وَلَا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ أَوْ يَسْأَلُ الْأَعْيَانَ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ إلَخْ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَكَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ السَّتْرَ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّتْرَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ بَلْ يَجِبُ الرَّفْعُ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْكَرَاهَةُ فِي كَلَامِ مَالِكٍ لِلتَّحْرِيمِ.
(قَوْلُهُ كَالْمُخْتَفِي) أَيْ الْمُتَوَارِي عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ أَقْعُدَ لَهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ قَعَدَ، وَقَوْلُهُ: مُخْتَفِيًا حَالٌ، وَقَوْلُهُ: لِأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَوْلُهُ: فَلْتَشْهَدْ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ هَكَذَا وَجَدْته ضَبْطًا لِبَعْضِ شُيُوخِنَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ، وَيُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ وَيَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ الْتِفَاتٌ أَيْ فَلْيَشْهَدْ ذَلِكَ الشَّاهِدُ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فَلْيُشْهَدْ ذَلِكَ الشَّاهِدُ وَهُنَاكَ ضَبْطٌ آخَرُ كُنْت قَرَّرْته مَعَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَنْ يُقْرَأَ أُقْعِدَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَقَوْلُهُ: مُخْتَفِيًا مَفْعُولٌ أَيْ شَخْصًا مُخْتَفِيًا، وَقَوْلُهُ: فَلْيَشْهَدْ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ فَلْيَشْهَدْ ذَلِكَ الْمُخْتَفِي، وَقَوْلُهُ: إنْ تُحُقِّقَ الْإِقْرَارُ يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لَقَالَ إنْ تَحَقَّقَتْ الْإِقْرَارَ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ إنْ تَحَقَّقَ الْمُخْتَفِي ذَلِكَ الْإِقْرَارَ، وَقَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ غَيْرَ خَائِفٍ، وَلَا مَخْدُوعٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ خَائِفًا أَوْ مَخْدُوعًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ، وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا ذُكِرَ.
(قَوْلُهُ: لِحَضَرِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ) أَيْ وَكَذَا الْحَضَرِيُّ عَلَى بَدَوِيٍّ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: عَبَّرَ عَنْ الْحَضَرِيِّ) أَيْ الْمَشْهُودِ إلَخْ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ لِحَضَرِيٍّ» أَصْلًا بَلْ مَا فِيهِ إلَّا الْقَرَوِيَّ أَوْ صَاحِبَ قَرْيَةٍ، وَلَا يُنَافِيهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «لَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ لِحَضَرِيٍّ قَالَ اللَّقَانِيِّ: لَوْ قَالَ لِقَرَوِيٍّ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ تَصْوِيرًا وَتَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ انْتَهَى أَيْ أَعَمُّ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَشْهَدُ لِلْقَرَوِيِّ فَأَوْلَى الْحَضَرِيِّ وَقَالَ عج الْحَضَرِيُّ شَامِلٌ لِلْقَرَوِيِّ وَلِلْمِصْرِيِّ بِالْمُطَابَقَةِ، وَدَلَالَةُ الْمُطَابِقَةِ أَوْلَى مِنْ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَاتِ أَرْبَعٌ اثْنَتَانِ فِي الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُمَا لَا يَشْهَدُ الْبَدَوِيُّ لِلْقَرَوِيِّ، وَلَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ لِصَاحِبِ قَرْيَةٍ، وَاثْنَتَانِ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمَهُمَا الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» وَفِي طَرِيقَةٍ أُخْرَى عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ (قَوْلُهُ وَالسِّينُ فِي قَوْلِنَا لِلِاسْتِشْهَادِ لِلطَّلَبِ) وَأَمَّا السِّينُ فِي اُسْتُبْعِدَ فَلِلتَّأْكِيدِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْأَقْوَالِ) أَيْ سَمِعَ الْبَدَوِيُّ الْحَضَرِيَّ يُقِرُّ لِحَضَرِيٍّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رَآهُ فِي الْأَفْعَالِ أَيْ رَآهُ فِي الْأَفْعَالِ يَغْصِبُ مَثَلًا لِحَضَرِيٍّ مَالًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ حَذْفًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَضَرِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَرَّ الْبَدَوِيُّ عَلَيْهِمَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَقَوْلُهُ: الْبَدَوِيُّ عَلَى حَذْفٍ أَيْ مَرَّ هُوَ أَيْ الْبَدَوِيُّ عَلَى الْحَضَرِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَالْفَاعِلُ الْحَضَرِيُّ، وَقَوْلُهُ: وَهُمَا يَتَقَارَرَانِ أَيْ فِي الضَّجَرِ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَيْنُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ فَعَلَى نُسْخَةِ هَذَا الشَّارِحِ لَمْ يَكُنْ لَفْظَةُ بِهِ بَعْدَ مَرَّ، وَفِي شَرْحِ شب وعب زِيَادَةٌ بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَلَفْظُ عب أَوْ مُرَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ مَرَّ حَضَرِيَّانِ فِي سَفَرٍ بِبَدَوِيٍّ فَيَشْهَدُ فِي الْأَمْوَالِ، وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ وَكَذَا فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ (أَقُولُ) وَهَذَا حِلٌّ ظَاهِرٌ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا الْحِلِّ لَا دَاعِي لِلْمُرُورِ، بَلْ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مُرُورٌ بَلْ كَانُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ
(قَوْلُهُ: وَلَا سَائِلَ) هُوَ مُنْخَرِطٌ فِي سِلْكِ الِاسْتِبْعَادِ وَمِنْ أَفْرَادِهِ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ تَجْرِيدُهُ مِنْ لَا إذْ لَا يَقْتَرِنُ بِهَا إلَّا الْمَانِعُ لَا أَفْرَادُهُ كَمَا فَعَلَ فِي سَائِرِ الْمَوَانِعِ وَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَضَرِيٌّ أَوْ سَائِلٌ فِي كَثِيرٍ إلَخْ ثُمَّ يَقُولُ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَوْ مَرَّ بِهِ لِيَعُودَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا هُوَ النَّقْلُ لَكَانَ حَسَنًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ يَسْأَلُ الْأَعْيَانَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَسْأَلْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ يَسْأَلُ الْأَعْيَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَأَوْلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا أَصْلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute