إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمُجِيبُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَيَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُؤَاخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ فَيُجِيبُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ دُونَ غَيْرِهِ، قَوْلُهُ: وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ حَيْثُ لَمْ يُتَّهَمْ فَإِنْ اُتُّهِمَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ مَنْ يُقْتَلُ بِهِ ثُمَّ إنَّ وَلِيَ الْمَقْتُولِ اسْتَحْيَاهُ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْوَلِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِلْقِصَاصِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ جَهِلَ. قَوْلُهُ: وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ إلَّا أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ قَبُولَ إقْرَارِ الْعَبْدِ فِيهَا بِالْمَالِ فَفِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي عَبْدٍ عَلَى بِرْذَوْنٍ مَشَى عَلَى أُصْبُعٍ صَغِيرٍ فَقَطَعَهَا فَتَعَلَّقَ بِهِ الصَّغِيرُ، وَهِيَ تُدْمِي، وَيَقُولُ: فَعَلَ بِي هَذَا وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَنَّ الْأَرْشَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ.
(ص) وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (ش) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ، وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَيْ لَيْسَ لِخَصْمِهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَإِذَا حَلَفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي يَمِينِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَهَذَا مَا عَدَا اللِّعَانَ وَالْقَسَامَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا لِزِيَادَةِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ بَلْ يَقُولُ فِي اللِّعَانِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي فَقَطْ كَمَا مَرَّ وَيَقُولُ فِي الْقَسَامَةِ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي فَقَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ أَيْ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ الْقَاطِعَةِ لِلنِّزَاعِ بَيْنَ الْخُصُومِ بِاَللَّهِ إلَخْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالِاسْمِ وَالْوَصْفِ، وَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ كَافِيًا فِي كَوْنِهِ يَمِينًا تُكَفَّرُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا زِيَادَةُ التَّخْوِيفِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ الْوَاوَ مِثْلُ الْبَاءِ قَالَ ح: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَانْظُرْ الْهَاءَ الْمُبْدَلَةَ مِنْ الْهَمْزَةِ.
(ص) وَلَوْ كِتَابِيًّا وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ: بِاَللَّهِ فَقَطْ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَقُولُ فِي يَمِينِهِ هَذَا اللَّفْظَ كَالْمُسْلِمِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إيمَانًا مِنْهُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَلَا عَلَى النَّصْرَانِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَتَأَوَّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ فِي حَلِفِهِ فِي اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَمَامُ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَمَامَهُ وَأَمَّا الْيَهُودِيُّ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي حَلِفِهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّوْحِيدِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِزِيَادَةٍ أَيْضًا وَعَلَى إسْقَاطِهَا لَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ تَأْوِيلٌ، وَإِنْ كَانُوا يُطْلِقُونَ التَّأْوِيلَ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا حَيْثُ صَحِبَهُ تَأْوِيلٌ آخَرُ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ تَأْوِيلًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَقَطْ.
(ص) وَغُلِّظَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ كَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ وَبِالْقِيَامِ لَا بِالِاسْتِقْبَالِ وَبِمِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ش) يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَلِيلٍ أَوْ حَقِيرٍ لَكِنْ لَا تُغَلَّظُ عَلَى الْحَالِفِ إلَّا فِي الْحَقِّ الَّذِي لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ وَأَقَلُّهُ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ عَرْضٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَغْلِيظَ عَلَيْهِ فِيهِ وَالتَّغْلِيظُ وَاجِبٌ فَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُ عُدَّ نَاكِلًا، وَهُوَ مِنْ حَقِّ الْخَصْمِ وَيَكُونُ التَّغْلِيظُ فِي الْجَامِعِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَيَكُونُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّ الْمِنْبَرَ وَسَطُ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِحْرَابِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُقْتَدَى بِهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ وَفِي الْكَنِيسَةِ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ -
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْوَلِيِّ إلَخْ) أَيْ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ حَيْثُ لَمْ يُتَّهَمْ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُ أَيْ: وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِلْقِصَاصِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ جَهِلَ
(قَوْلُهُ: لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ إلَخْ) أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا إلَّا حَاكِمٌ، وَإِلَّا فَلَوْ أَطَاعَ وَحَلَفَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَصَحَّ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: لِزِيَادَةِ بِاَللَّهِ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فِي قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (قَوْلُهُ: أَيْ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ إلَخْ) أَيْ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِاَللَّهِ إلَخْ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ مُصَوَّرَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: الْهَاءُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ الْهَمْزَةِ) أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُبْدَلَ مِنْ الْهَمْزَةِ أَيْ بِحَيْثُ يَقُولُ هَاللَّهِ بِدُونِ هَمْزَةٍ
(قَوْلُهُ: وَغُلِّظَتْ) أَيْ ثَقُلَتْ (قَوْلُهُ: فِي رُبُعِ دِينَارٍ) وَالْمُرَادُ بِالدِّينَارِ هُنَا دِينَارُ الدَّمِ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُلْحَقَةٌ بِالْحُدُودِ فَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِالسَّرِقَةِ لَا دِينَارُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (قَوْلُهُ: بِجَامِعٍ) الْبَاءُ لِلْآلَةِ لَا لِلظَّرْفِيَّةِ خِلَافًا لِمَا أَفَادَهُ شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: وَيَكُونُ التَّغْلِيظُ فِي الْجَامِعِ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَغْلِيظَ زِيَادَةٍ عَلَى الْكَوْنِ فِي الْجَامِعِ
(قَوْلُهُ: فَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَلَى اثْنَيْنِ مُتَضَامِنَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ لَا لِشَخْصٍ، وَلَوْ مُتَفَاوِضَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَوْ وَجَبَ دَفْعُهُ وَكَانَ تَافِهًا وَادَّعَى بِهِ وَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ فِيهِ بِدُونِ تَغْلِيظٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِحْرَابِ) أَيْ لَا عِنْدَ الْمِنْبَرِ لِأَنَّ الْمِنْبَرَ إذَا كَانَ وَسَطَ الْمَسْجِدِ كَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِيهِ فَيَرْجِعُ لِمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ حُرْمَتَهُ، وَهُوَ الْمِحْرَابُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُقْتَدَى بِهِ) كَذَا فِي عج يُقْتَدَى بِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ أَيْ يُقْتَدَى بِالْحَالِّ فِيهِ، وَهُوَ الْإِمَامُ أَيْ فَصَارَ لَهُ حُرْمَةٌ بِذَلِكَ وَفِي نُسْخَةِ بَعْضِ الشُّيُوخِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَيْ يَعْتَقِدُ أَنَّ حُرْمَتَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ عَامَّةٌ مَعَ أَنَّهُ خَصَّصَ مِنْبَرَ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ: إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ إلَخْ) أَيْ فَقَوْلُهُ: فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَكُونُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ أَيْ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مُطْلَقَ مِنْبَرٍ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَنِيسَةِ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ) أَيْ فَلِلْمُسْلِمِ الذَّهَابُ لِتَحْلِيفِهِمْ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً فِي نَظَرِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ صَرْفُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْبَاطِلِ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى جَوَازُ تَحْلِيفِ الْمُسْلِمِ عَلَى بَرَاءَةٍ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ أَضْرِحَةِ الْمَشَايِخِ أَوْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَنْكَفُّ عَنْ الْبَاطِلِ إلَّا بِذَلِكَ فَإِذَا حَلَفَ خَصْمُهُ بِطَلَاقٍ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى تَحْلِيفِهِ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ فَلَهُ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ لَا بِالْبُعْدِ فَلَوْ حَلَفَ لَهُ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَادِ الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ وَفِي عب أَنَّ الْكَنِيسَةَ لِلْيَهُودِيِّ وَالْبِيعَةَ