للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصْحَفِ كِتَابُ الْحَدِيثِ إذَا أَلْقَاهُ بِقَذَرٍ، أَوْ حَرَقَهُ اسْتِخْفَافًا وَأَمَّا حَرْقُهُ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا، أَوْ مَوْضُوعًا فَلَا وَفِي كَلَامِ ز نَظَرٌ، وَأَمَّا إلْقَاءُ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي الْقَذَرِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ، وَمِثْلُ الْمُصْحَفِ الْآيَةُ، أَوْ الْحَرْفُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْقَذَرِ مَا يُسْتَقْذَرُ، وَلَوْ طَاهِرًا كَالْبُصَاقِ لَا خُصُوصُ الْعَذِرَةِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مُرْتَدًّا إذَا شَدَّ الزُّنَّارَ فِي وَسَطِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ، وَالزُّنَّارُ بِضَمِّ الزَّايِ، وَمِثْلُهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِزِيِّ الْكُفَّارِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْمَشْيُ إلَى الْكَنِيسَةِ وَنَحْوُهُ، وَقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا فَعَلَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ

. (ص) وَسِحْرٌ (ش) هَذَا جَامِعٌ لِلَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ، وَالْفِعْلِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ اسْتَصْوَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامَ أَصْبَغَ وَحَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ، وَاسْتَشْكَلَ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ. اهـ.، وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ السِّحْرَ بِقَوْلِهِ: هُوَ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ هَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ. اهـ.، وَإِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَجَاهَرًا بِهِ فَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَمَالُهُ فَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ كَمَا يَأْتِي

. (ص) وَقَوْلٌ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ أَنَّ الْعَالَمَ وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ قَدِيمٌ فَقَدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ غَيْرُ اللَّهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: بِبَقَائِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِدَمِ الْقِدَمُ الذَّاتِيُّ لَا الزَّمَانِيُّ، وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي الْقِدَمِ، أَوْ الْبَقَاءِ لِلْعَالَمِ فَقَوْلُهُ: (أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى صَرِيحٍ أَيْ: أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ كِتَابُ الْحَدِيثِ إذَا أَلْقَاهُ بِقَذَرٍ) فِي خَطِّ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ إلْقَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ كَأَنْ يَخَافَ مِنْ الْقَطْعِ، أَوْ الْقَتْلِ فَإِذًا لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا حَرْقُهُ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ مَعَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَوْضُوعًا أَيْ: مَكْذُوبًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ ز نَظَرٌ) أَيْ: فَإِنَّهُ نَظَرَ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إلْقَاءُ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي الْقَذَرِ) أَيْ: عَلَى فَرْضِ أَنْ لَوْ خَلَتْ مِنْ اسْمِ اللَّهِ أَوْ اسْمِ نَبِيٍّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِثْلَ الْمُصْحَفِ أَسْمَاءُ اللَّهِ، وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ لِحُرْمَتِهَا وَتَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ كُفْرٌ إنْ قَصَدَ اسْتِهْزَاءً، وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْقَذَرِ مَا يُسْتَقْذَرُ إلَخْ) فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مَا نَصُّهُ: وَيَنْبَغِي لِمُؤَدِّبِ الْأَطْفَالِ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مَسْحِ الْأَلْوَاحِ بِالْبُصَاقِ انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَنْبَغِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْوُجُوبِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا كُفْرَ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَرَحَ الْبُصَاقَ مِنْ فَمِهِ، أَوْ أَخَذَهُ، وَلَطَّخَهُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ أَيْ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَذَرُ طَاهِرًا، أَوْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّلَطُّخَ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ مَا كَانَ تَلْطِيخًا يُشَمُّ مِنْهُ الِاسْتِخْفَافُ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) أَيْ: نَحْوَ الْمَشْيِ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ مُخْتَصٍّ بِهِمْ أَيْ: كَالْمَشْيِ لِزِيَارَةِ الْقِسِّيسِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ. (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا فَعَلَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّ شَدَّهُ فِي بَلَدِ الْكُفْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى وَقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالسُّخْرِيَةِ

. (قَوْلُهُ: هَذَا جَامِعٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَحَقَّقَ بِهِ الْكُفْرُ وَقَالَ هُنَا: أَنَّ السِّحْرَ جَامِعٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ السِّحْرَ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِالْفِعْلِ إلَّا أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعَظَّمُ بِهِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَوْلٌ لَا غَيْرُ وَوَقَعَ لِبَهْرَامَ أَنَّهُ مِنْ الْقَوْلِ، وَوَقَعَ لِلْبِسَاطِيِّ أَنَّهُ فِعْلٌ، ثُمَّ قَالَ الْبِسَاطِيُّ بَعْدُ: أَنَّهُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ انْتَهَى، وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا وَيَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّ السِّحْرَ تَارَةً يَكُونُ قَوْلًا، وَتَارَةً يَكُونُ فِعْلًا، وَيُدْرِكُ ذَلِكَ مَنْ يَتَعَاطَاهُ. (قَوْلُهُ: إنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ) أَقُولُ: هَذَا يَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يُفَسَّرُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ اسْتَصْوَبَ إلَخْ) أَيْ: فَإِنَّهُ قَالَ: يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ يُرِيدُ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ فَلَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَحَقُّقِهِ كَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ، وَيُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُوقِبَ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إشْكَالَ إنْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ إلَخْ فَلَعَلَّ هَذَا الْمُسْتَشْكِلَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ.

(قَوْلُهُ: الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقَادِيرَ كَأَنَّهُ جَمْعُ مُقَدَّرٍ، وَالْكَائِنَاتِ جَمْعُ كَائِنَةٍ أَيْ: ذَاتُ كَائِنَةٍ أَيْ: ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَيُرَادُ بِالذَّاتِ نَفْسُ الشَّيْءِ، وَالْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ: يُنْسَبُ إلَيْهِ التَّأْثِيرُ فِيهَا أَيْ: أَنَّ السِّحْرَ يُؤَثِّرُ فِي وُجُودِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ. (فَائِدَةٌ) مَا يُؤْخَذُ عَلَى حَلِّ الْمَعْقُودِ فَإِنْ كَانَ يَرْقِيهِ بِالرُّقَى الْعَرَبِيَّةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِالرُّقَى الْعَجَمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ النَّفْعُ جَازَ أَيْ: لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَتِهِ

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ غَيْرُ اللَّهِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَالَمَ لَا صَانِعَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ بِبَقَائِهِ) أَيْ: أَنَّهُ لَا يَفْنَى؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] أَوْ الْمُرَادُ قَالَ بِوُجُوبِ الْبَقَاءِ لِذَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْقِدَمِ الْقِدَمُ الذَّاتِيُّ لَا الزَّمَانِيُّ) لَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ مِنْ اصْطِلَاحَاتِ الْفَلَاسِفَةِ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْقِدَمِ الذَّاتِيِّ لِلشَّيْءِ أَنَّهُ غَيْرُ أَثَرٍ لِشَيْءٍ كَاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ أَحَدٌ، وَيُرِيدُونَ بِالْقِدَمِ الزَّمَانِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوَّلٌ، وَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ الْغَيْرُ كَالْأَفْلَاكِ، فَإِنَّهَا قَدِيمَةٌ بِالزَّمَانِ بِمَعْنَى لَا أَوَّلَ لَهَا، وَلَيْسَتْ قَدِيمَةً بِالذَّاتِ لِوُجُودِ تَأْثِيرِ الْغَيْرِ فِيهَا فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ الْقَوْلُ: بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ بِالزَّمَانِ كُفْرٌ أَيْضًا، وَلَا يَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالْقِدَمِ الذَّاتِيِّ، فَالْوَجْهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْقِدَمِ الذَّاتِيِّ عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ، وَأَرَادَ بِالزَّمَانِيِّ طُولَ الزَّمَانِ فِيمَا مَضَى لِلشَّيْءِ مَعَ كَوْنِهِ لَهُ أَوَّلٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي الْقِدَمِ، أَوْ الْبَقَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ.

(قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى صَرِيحٍ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إلْقَاءِ مُصْحَفٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>