الشَّكِّ فِي ذَلِكَ، أَوْ حَصَلَ فِي اعْتِقَادِهِ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِي قِدَمِ الْعَالَمِ، أَوْ بَقَائِهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ: بِصَرِيحٍ، أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ، وَعَلَيْهِ فَالْحَدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ هَذَا النَّوْعِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ وَهُوَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الرِّسَالَةِ بِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ
(ص) أَوْ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ، أَوْ بِقَوْلِهِ: فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ كُفْرٌ، وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ الرُّوحُ مِنْ مُطِيعٍ فَبَعْدَ مَوْتِهِ تَنْتَقِلُ إلَى شَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَعْلَى وَهَكَذَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَاصٍ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى شَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَدْنَى كَجَمَلٍ، أَوْ كَلْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَهَكَذَا، وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرِيعَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْقِرَدَةِ وَالدُّودِ وَنَحْوِهِمَا نَذِيرًا أَيْ: نَبِيًّا، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ تَكُونُ مُكَلَّفَةً، وَهَذَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ وَأَنْ تُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِصِفَاتِهِمْ الذَّمِيمَةِ، وَفِيهِ مِنْ الِازْدِرَاءِ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْمُنِيفِ مَا فِيهِ مَعَ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَتَكْذِيبِ قَائِلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ فِي: قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: ٢٤] الْمُكَلَّفُونَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ
. (ص) ، أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ، أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ، أَوْ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ كَانَ شَرِيكًا مَعَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُنْفَرِدِينَ كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَكَذَلِكَ مَنْ جَوَّزَ الْقَوْلَ بِمُحَارَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لِأَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
بَعْدُ: فَهُوَ دَاخِلٌ إلَخْ أَيْ: حَيْثُ نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ: أَيْ: أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْقَوْلِ وَحَيْثُ نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ حَصَلَ إلَخْ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْفِعْلِ فَيُرَادُ بِهِ وَلَوْ فِعْلَ الْقَلْبِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ) أَيْ: وَبِذَلِكَ الْجَوَابُ يَنْدَفِعُ إلَخْ أَيْ: لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّكَّ تَارَةً يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْقَوْلِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَالْحَدُّ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِصَرِيحٍ إلَخْ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْرِيفِ، وَأَمَّا لَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ: بِصَرِيحٍ إلَخْ خَارِجًا عَنْ التَّعْرِيفِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ يَكُونُ بِصَرِيحٍ أَيْ: وَيَجْعَلُ قَوْلَهُ: أَوْ شَكٍّ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِصَرِيحٍ إلَخْ لَمَا وَرَدَ إشْكَالٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَيْدٍ، وَهُوَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ إلَخْ
. (قَوْلُهُ: تَنْتَقِلُ إلَى شَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ) أَيْ: تَحِلُّ فِيهِ، وَتَكُونُ رُوحًا لَهُ وَقَوْلُهُ: مُمَاثِلٍ أَيْ: فِي النَّوْعِ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا طَائِعًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَعْلَى أَيْ: بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْآدَمِيِّ بَلْ أَعْلَى كَالْمَلَكِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: إلَى شَكْلٍ مُمَاثِلٍ أَيْ: آدَمِيٍّ عَاصٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَدْنَى أَيْ: مِنْ غَيْرِ النَّوْعِ كَجَمَلٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرِيعَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكُفْرَ يَحْصُلُ بِنَفْيِ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ تُوَقَّفُ الِارْتِدَادُ عَلَى مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ تَفْسِيرُ حَقِيقَةِ التَّنَاسُخِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا اعْتَقَدَ نَفْيَ الْجَنَّةِ، أَوْ النَّارِ يَكْفُرُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا بِالِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ تَذْهَبُ إلَى الْجَنَّةِ، أَوْ النَّارِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَتْ مِنْ مُطِيعٍ انْتَقَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِشَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَعْلَى، وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَاصٍ انْتَقَلَتْ لِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَدْنَى كَجَمَلٍ، أَوْ كَلْبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَصِلَ لِلنَّارِ. اهـ.
يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بُطْلَانُهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ: بِحَيْثُ صَارَ مَعْلُومًا ضَرُورَةً فَيَكْفُرُ قَائِلُهُ وَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفُونَ) أَيْ: مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ نَبِيِّنَا. (قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَأَنْ تُوصَفَ أَنْبِيَاءٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَيَّنَّا مَعَ أَنَّ اللَّازِمَ إذَا كَانَ بَيِّنًا يَكُونُ كُفْرًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ هُنَا بَيِّنٌ فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ
. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُحَارَبَةَ بِالْفِعْلِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي زَمَنِ عِيسَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اعْتِقَادَهُمْ جَوَازَ مُحَارَبَةِ نَبِيٍّ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ زَمَنٍ، وَحَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي أَقْرَبُ لِفَهْمِ أَنَّ حُكْمَ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهُوَ حِينَئِذٍ عَطْفٌ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الِاعْتِقَادُ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ، وَجَوَازُ، كَذَا قَالَهُ عج. (قَوْلُهُ: أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) عَطْفٌ عَلَى صَرِيحٍ مِنْ قَوْلِهِ: بِصَرِيحٍ فَهُوَ عَطْفُ فِعْلٍ عَلَى اسْمٍ يُشْبِهُ الْفِعْلَ وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا إذَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ، أَوْ قَالَهُ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَقَالَ: عج أَنَّهَا كَمَا تُكْتَسَبُ تَكُونُ وَهْبِيَّةً، وَذَكَرَ اللَّقَانِيِّ أَنَّهَا كَالنُّبُوَّةِ لَا تَكُونُ كَسَبِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا) أَيْ: ادَّعَى الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَيْ: ادَّعَى مُشَارَكَةَ مُسَيْلِمَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النُّبُوَّةِ أَيْ: أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ نَبِيٌّ مُسْتَقِلٌّ جَمَعَهُمَا زَمَنُهُمَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا أَيْ: أَنَّهُمَا بِمَثَابَةِ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا وَحَمْلُ الطَّرَفِ الثَّانِي عَلَى مَا قُلْنَا أَوَّلًا.
(قَوْلُهُ: كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ إلَخْ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: وَإِبْرَاهِيمَ مَعَ نُبُوَّةِ لُوطٍ فِي زَمَنِهِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي إبْرَاهِيمَ، وَاسْمُهُ هَارَانَ قِيلَ: وَنَبِيٌّ إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ ابْنَاهُ فِي زَمَنِهِ فَلْيُحَرَّرْ كَمَا فِي عب وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ كُفْرُ مَنْ ادَّعَى شَرِكَةَ نُوحٍ، وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ الْمُفِيدِ أَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ ادَّعَى مُكَالَمَةَ اللَّهِ، أَوْ مُجَالَسَتَهُ أَوْ قَالَ وَلِيٌّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ: أَنَا اللَّهُ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ يَرْتَدُّ إذَا ادَّعَى