للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَارَبَتَهُمْ مُحَارَبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ حَارَبَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إلَى مَرْتَبَتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَوْهِينِ مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ، أَوْ الزِّنَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مُحَرَّمٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ حَلَالٌ، وَلَوْ قَالَ: أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لَكَانَ أَحْسَنَ إذْ مِثْلُهُ مَا إذَا جَحَدَ إبَاحَةَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَإِبَاحَةِ أَكْلِ الْعِنَبِ، وَيَخْرُجُ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً، وَلَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلَا يَتَضَمَّنُ حُكْمًا، وَلَا تَكْذِيبَ قُرْآنٍ كَإِنْكَارِ وُجُودِ بَغْدَادَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَغَزْوَةِ تَبُوكَ بِخِلَافِ إنْكَارِ مَكَّةَ وَإِنْكَارِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ، وَانْظُرْ إنْكَارَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

. (ص) لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهِ كَافِرًا عَلَى الْأَصَحِّ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى شَخْصٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ قَالَ: أَمَاتَهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا بِذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ فِي الشَّتْمِ، وَإِرَادَةُ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لَهُ، وَبِعِبَارَةِ: لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا قَالَهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ قَالَهُ لِنَفْسِهِ مَا مَقْصُودُهُ إلَّا الدُّعَاءُ

(ص) وَفُصِلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِكُفْرِ شَخْصٍ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ الْوَجْهَ الَّذِي كَفَرَ بِهِ أَيْ: يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَقُولَ: كَفَرَ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَيُبَيِّنُهُ وَلَا يُجْمِلُهُ

. (ص) وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ أَصْلِيًّا، أَوْ طَارِئًا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ عَلَى نَائِبِهِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ وَبِلَا مُعَاقَبَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَيُطْعَمُ مِنْ مَالِهِ زَمَنَ رِدَّتِهِ، وَأَمَّا وَلَدُهُ وَعِيَالُهُ، فَإِنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ زَمَنَ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ: بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ التَّوْبَةَ، وَلَوْ تَابَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَوَاءٌ تَابَ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتُبْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَتُبْ، فَيَصِحُّ جَعْلُ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَحْسِبُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ إنَّ الثَّلَاثَةَ تُحْسَبُ مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا مِنْ يَوْمِ الْكُفْرِ، وَلَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ قَالَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ عَنْ تَقْرِيرٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا لَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الثُّبُوتُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَيَّامَ هُنَا لَا تُلَفَّقُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ ذَلِكَ الْقَدْرَ، فَكَوْنُهَا ثَلَاثَةً وَاجِبٌ، فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مَضَى؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ

. (ص) وَاسْتُبْرِئَتْ بِحَيْضَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ، وَكَانَتْ مُتَزَوِّجَةً، أَوْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا

ــ

[حاشية العدوي]

رُؤْيَةَ اللَّهِ الْبَصَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَقْلًا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا إذْ لَمْ يَقَعْ لِأَحَدٍ فِي الدُّنْيَا سِوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ إلَّا أَنَّ اللَّقَانِيِّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَتِهِ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي كُفْرِ مَنْ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ فِي الدُّنْيَا، وَعَزَا الْقَوْلَ بِكُفْرِهِ لِلْكَوَاشِيِّ، وَالْمَهْدَوِيِّ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى رُؤْيَتَهُ بِقَلْبِهِ فَلَا يَرْتَدُّ.

(فَرْعٌ) لَوْ قَذَفَ الْحُورَ الْعِينَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ مَا لَمْ يَتُبْ وَيَحْتَمِلُ وَلَوْ تَابَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ، أَوْ جَحَدَ حُكْمًا إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْقَتْلَ، أَوْ شُرْبَ الْخَمْرَ، أَوْ الزِّنَا أَوْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ انْتَهَى، فَعَمَّمَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَغَيْرَهُ، وَلِذَا قَيَّدَ بِالْعِلْمِ إذْ لَوْ كَانَ خَاصًّا بِالضَّرُورِيِّ مَا قَيَّدَ بِالْعِلْمِ قَالَهُ مُحَشِّي تت. (قَوْلُهُ: وَأَبِي بَكْرٍ إلَخْ) أَيْ: أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ ذَاتَ أَبِو بَكْرٍ لَا يَكْفُرُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ صُحْبَتَهُ لِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِهَا؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إنْكَارِ مَكَّةَ إلَخْ) إنَّمَا كَفَرَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ، عِبَارَةُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ بِخِلَافِ إنْكَارِ مَكَّةَ أَيْ: فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَهُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ إنْكَارَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ إنْكَارَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ اسْمٌ لِلْبَلَدِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ نَفْسَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمَا كَانَ تَوَقَّفَ

. (قَوْلُهُ: وَإِرَادَةُ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَهَا لِكُفْرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ. (قَوْلُهُ: مَا مَقْصِدُهُ إلَّا الدُّعَاءُ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: مَا مَقْصُودُهُ لَا التَّشْدِيدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ طَلَبَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لِكَافِرٍ أَمَاتَكَ اللَّهُ عَلَى مَا تَخْتَارُ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ، وَأَمَّا إذَا قَالَهُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: يَمْنَعُ كَوْنُ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرًا ضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَالرِّضَا مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَصْلَحَةُ، وَهِيَ طَمَعُ إسْلَامِهِمْ وَلَوْ بِحَسَبِ مَا يَتَوَالَدُ فِيهِمْ اقْتَضَتْ ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ انْتَهَى ك عَنْ تَقْرِيرٍ

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا وَلَدُهُ وَعِيَالُهُ) أَيْ: وَمِنْهُمْ زَوْجَتُهُ. (قَوْلُهُ: مُبَالَغَةٌ إلَخْ) وَظَاهِرُ الْبِسَاطِيِّ مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَا مُعَاقَبَةَ. (فَائِدَةٌ) لَا يُقْبَلُ سَبْقُ اللِّسَانِ بِالْكُفْرِ، فَلَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ قَالَهُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: مُبَالَغَةٌ إلَخْ) أَيْ: أَنَّهُ إذَا تَابَ أَيْ: أَنَّنَا لَا نُجَوِّعُهُ، وَلَا نُعَطِّشُهُ، وَلَا نُعَاقِبُهُ، بَلْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ هَذَا مَعْنَاهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ حَتَّى يُحْتَاجُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ أَصْلًا. نَعَمْ رُبَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُعَاقَبَةِ فَقَطْ أَيْ: أَنَّهُ إذَا تَابَ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْقَتْلُ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ لِافْتِرَائِهِ أَوَّلًا فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ أَيْ: أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَتُوبُ أَيْ: وَعَدَ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يُتْرَكُ، بَلْ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ طَلَبُ التَّوْبَةِ حَتَّى يَتُوبَ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَعْنَى وَاسْتُتِيبَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>