الثُّلُثِ، وَبَطَلَتْ وَصَايَاهُ انْتَهَى، وَسَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ مَاتَ، أَوْ تَابَ، وَأَمَّا لَوْ ارْتَدَّ الْوَاهِبُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْهِبَةُ إلَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ
. (ص) لَا طَلَاقًا، وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الرِّدَّةِ لَا تُسْقِطُ الطَّلَاقَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَثَلًا، ثُمَّ ارْتَدَّ، وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ حَلَّتْ لَهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَرْتَدَّا مَعًا، فَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ رَجَعَا لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ بَطَلَ بِالرِّدَّةِ، وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ الْمُحَلِّلُ لِلْمَبْتُوتَةِ، ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَإِنَّ تَحْلِيلَهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ فِي غَيْرِهِ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُحَلَّلَةُ، فَتَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا أَوَّلًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، وَحَلَّتْ لِلْمُطَلِّقِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ تَحْلِيلَهَا يَسْقُطُ بِتَوْبَتِهَا، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَكَأَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا أَبْطَلَتْ فِعْلَهَا فِي نَفْسِهَا، وَهُوَ نِكَاحُهَا الَّذِي أَحَلَّهَا كَمَا أَبْطَلَتْ نِكَاحَهَا الَّذِي أَحْصَنَهَا
. (ص) وَأَقَرَّ كَافِرٌ انْتَقَلَ (لِكُفْرٍ) آخَرَ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا انْتَقَلَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ آخَرَ فَإِنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ، وَنُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَحَدِيثُ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَحْمُولٌ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، وَمَفْهُومُ كَافِرٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقَرُّ إذَا انْتَقَلَ لِلْكُفْرِ، وَمَفْهُومُ لِكُفْرٍ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ لِلْإِسْلَامِ يُقَرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ
. (ص) وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ، أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ كَأَنْ مَيَّزَ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ بِسَبَبِ إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ، وَعَدَمُ تَمْيِيزِ الْوَلَدِ إمَّا لِأَجْلِ صِغَرِهِ، أَوْ لِأَجْلِ جُنُونِهِ، وَلَوْ بَالِغًا، وَغَيْرُ الْأَبِ لَا يَحْكُمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ بِسَبَبِ إسْلَامِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي لَمْ يُرَاهِقْ بِسَبَبِ إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ، وَكَذَا بِإِسْلَامِهِ اسْتِقْلَالًا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبِ دِنْيَةُ قَوْلِهِ: وَحُكِمَ إلَخْ وَيُجْبَرُ بِالْقَتْلِ إنْ امْتَنَعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُمَيِّزْ الثَّوَابَ مِنْ الْعِقَابِ، أَوْ الْقُرْبَةَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ.
(ص) إلَّا الْمُرَاهِقَ وَالْمَتْرُوكَ لَهَا فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ، وَيُوقَفُ إرْثُهُ. (ش) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْمُرَاهِقِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَغَفَلْنَا عَنْهُ إلَى أَنْ بَلَغَ سِنَّ الْمُرَاهَقَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِ كُلٍّ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِالْقَتْلِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ مُرَاهِقٌ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَشَبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وُقِفَ مَالُهُ إلَى بُلُوغِ الْوَلَدِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَرِثَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَرِثْهُ، وَكَانَ الْمَالُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ قَبْلَ احْتِلَامِهِ لَمْ يَتَعَجَّلْ أَخْذَ ذَلِكَ حَتَّى يَحْتَلِمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُقْتَلْ، وَلَوْ قَالَ: الْوَلَدُ لَا أُسْلِمُ إذَا بَلَغْتُ لَمْ يُنْظَرْ إلَى ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ إيقَافِ الْمَالِ إلَى احْتِلَامِهِ، فَقَوْلُهُ: إلَّا الْمُرَاهِقَ مِنْ الْمُرَاهَقَةِ، وَهِيَ الْمُقَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالضَّرْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (ص) وَلِإِسْلَامِ سَابِيهِ إنْ لَمْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ ارْتَدَّ الْوَاهِبُ إلَخْ) أَيْ: بَعْدَ حِيَازَةِ الْهِبَةِ كَمَا فِي خَطِّ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَالصَّوَابُ قَبْلَ الْحِيَازَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَمَعْنَاهُ لَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِهَا بَلْ تُوقَفُ فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ، وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ، وَقَوْلُهُ: إلَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ فِيهِ أَنَّ الْحَجْرَ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ إنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ
. (قَوْلُهُ: لَا طَلَاقًا) الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ أَنَّ الظِّهَارَ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَأَشْبَهَ الْأَيْمَانَ، وَأَمَّا يَمِينُ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ حِنْثِهِ، فَإِنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُهَا. (قَوْلُهُ: وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ أَسْقَطَتْ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ مَعَ مُرَاعَاةِ النَّفْيِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ) أَيْ: وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَالَهُ سَيِّدِي أَحْمَدُ مَا لَمْ يَقْصِدَا بِارْتِدَادِهِمَا التَّحْلِيلَ فَلَا يُحِلَّانِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ بَقِيَ مَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ فَقَطْ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ رَجَعَتْ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّ رِدَّتَهَا لَا تُسْقِطُ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ بَعْدُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إسْقَاطٌ إلَّا إذَا ارْتَدَّا مَعًا لَا إنْ حَصَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ، وَلَوْ قُلْنَا: أَنَّهُ مِلَلٌ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِلْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: وَأَقَرَّ إلَخْ أَيْ: وَلَوْ إلَى مَذْهَبِ الْمُعَطِّلَةِ أَوْ الدَّهْرِيَّةِ، وَلَكِنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ عَمَلًا بِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ
. (قَوْلُهُ: بِإِسْلَامِ أَبِيهِ) الْبَاءُ الْأُولَى مُتَعَلِّقَةٌ بِحُكْمِ صِلَةٍ لَا تَعْلِيلِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّعْلِيلِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَرْفَا جَرٍّ مُتَّحِدَا اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِإِسْلَامِهِ اسْتِقْلَالًا) هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: أَيْ: لَمْ يُمَيِّزْ الثَّوَابَ مِنْ الْعِقَابِ) رَدَّ ذَلِكَ عج بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ أَنْ يُقَالَ: عَقَلَ الْإِسْلَامِ دِينًا يَتَدَيَّنُ بِهِ، وَفَائِدَةُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ مَنْ ذُكِرَ الْحُكْمُ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إنْ امْتَنَعَ وَذَكَرَهُ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ غَيْرُ شَرْطٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْمُرَاهِقَ) أَيْ: الْمُمَيِّزَ. (قَوْلُهُ: وَالْمَتْرُوكُ لَهَا إلَخْ) فِي كَلَامِ الْمَوَّاقِ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَتْرُوكِ لَهَا بَيْنَ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُرَاهِقُ عِنْدَ إسْلَامِ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُمَيِّزًا فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا لَيْسَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُجْبَرُ إلَخْ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ. (قَوْلُهُ: بِإِسْلَامِ كُلٍّ) أَيْ: مِنْ الْمُرَاهِقِ وَالْمَتْرُوكِ لَهَا.
(قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إلَخْ) هَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إسْلَامَهُ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ فَائِدَتِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ قَوْلَيْنِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ جُبِرَ بِالضَّرْبِ، وَلَمْ يُقْتَلْ، وَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إنْ امْتَنَعَ وَهُوَ الرَّاجِحُ