للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَخْصٍ وَهُوَ يُرِيدُ خِلَافَهُ إيجَابًا، أَوْ سَلْبًا كَقَوْلِهِ فِي الْقَذْفِ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي مَعْرُوفٌ، أَوْ لَسْت بِزَانٍ، وَالتَّلْوِيحُ الْإِشَارَةُ الْبَعِيدَةُ فِي الْكَلَامِ كَكَثِيرِ الرَّمَادِ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الطَّبْخِ، ثُمَّ لِكَثْرَةِ الضُّيُوفِ، وَمِنْهُ لِلْكَرْمِ وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ لِلشَّيْءِ بِخَفَاءٍ كَعَرِيضِ الْقَفَا إشَارَةً لِلْبَلَادَةِ، وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ مَنْ لَعَنَ نَبِيًّا، أَوْ مَلَكًا بِصِيغَةِ الْفِعْلِ، أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّتَهُ، أَوْ عَابَهُ أَيْ: نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا، أَوْ شَرْعًا، أَوْ عُرْفًا فِي خُلُقٍ، أَوْ دِينٍ، أَوْ قَذَفَهُ بِأَنْ نَسَبَهُ لِلزِّنَا، أَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ، أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ بِأَنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ نَهَى عَنْ الظُّلْمِ: لَا أُبَالِي بِنَهْيِهِ، وَنَحْوَهُ، أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ كَأَسْوَدَ، أَوْ قَصِيرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ مَنْ أَلْحَقَ بِنَبِيٍّ، أَوْ مَلَكٍ نَقْصًا بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ بِأَنْ كَانَ فِي دِينِهِ، بَلْ وَإِنْ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خَصْلَتِهِ أَيْ: شِيمَتِهِ وَطَبِيعَتِهِ الَّتِي طُبِعَ عَلَيْهَا، أَوْ غَضَّ أَيْ: نَقَصَ مِنْ مَرْتَبَتِهِ. أَوْ مِنْ وُفُورِ عِلْمِهِ، أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ كَعَدَمِ التَّبْلِيغِ، أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ كَمَا إذَا نَفَى عَنْهُ الزُّهْدَ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ بِمَكِّيٍّ، أَوْ لَيْسَ بِحِجَازِيٍّ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ، وَتَكْذِيبٌ بِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ وَالْفَتْوَى مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ وَإِلَى هَلُمَّ، وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ مَنْ قِيلَ لَهُ: بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَعَنَ وَقَالَ: أَرَدْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ الْعَقْرَبَ؛ لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ إلَى مَنْ تَلْدَغُهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّأْوِيلُ، فَقَوْلُهُ: قُتِلَ إلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ سَبَّ إلَخْ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا يُوجِبُ الْقَتْلَ بَيْنَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ حَيْثُ سَبَّهُ بِغَيْرِ مَا كَفَرَ بِهِ كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ إلَّا أَنَّ الْكَافِرَ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَوْبَةِ الْكَافِرِ أَنَّهَا تُقْبَلُ، وَتَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ لَا تُقْبَلُ، إنْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ حُدَّ، وَهُوَ زِنْدِيقٌ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ، وَالْكَافِرُ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ، فَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ، وَلَا يُجْعَلُ سَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ؛ لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا عَلَى قَتْلِنَا، وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا وَلَوْ قَتَلَ أَحَدَنَا قَتَلْنَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ.

(ص) وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ لِجَهْلٍ، أَوْ سُكْرٍ، أَوْ تَهَوُّرٍ. (ش) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْقَتْلِ يَعْنِي أَنَّ السَّابَّ يُقْتَلُ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّ النَّبِيِّ لِأَجْلِ جَهْلٍ، أَوْ لِأَجْلِ سُكْرٍ، أَوْ لِأَجْلِ تَهَوُّرٍ فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ كَثْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ إذْ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهَالَةِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ

. (ص) وَفِيمَنْ قَالَ: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ جَوَابًا لِصَلِّ، أَوْ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ جَوَابًا لِتَتَّهِمنِي، أَوْ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَوْلَانِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ فَرْعٍ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ لَهُ مُجَاوِبًا: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ، فَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَحَلُّهُمَا إذَا قَالَ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يُرِيدُ خِلَافَهُ) أَيْ: يُرِيدُ خِلَافَ مَدْلُولِهِ أَيْ: فَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي مَدْلُولِهِ وَلَكِنَّ قَصْدَهُ خِلَافُهُ، وَقَوْلُهُ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي مَعْرُوفٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: إيجَابًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَسْت بِزَانٍ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ سَلْبًا. (قَوْلُهُ: وَالتَّلْوِيحُ) الْإِشَارَةُ الْبَعِيدَةُ فِي الْكَلَامِ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ اسْتِعْمَالُ اسْمِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ، أَوْ اسْمُ اللَّازِمِ فِي الْمَلْزُومِ عَلَى الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: الْمُنْتَقِلُ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الطَّبْخِ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالْأَصْلُ الْمُنْتَقِلُ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الْإِحْرَاقِ، ثُمَّ لِكَثْرَةِ الطَّبْخِ، وَقَوْلُهُ: وَمِنْهُ لِلْكَرَمِ أَيْ: فَقَوْلُهُ: كَثِيرُ الرَّمَادِ مَعْنَاهُ كَثِيرُ الْكَرَمِ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ اسْمُ الْمَلْزُومِ، وَذَلِكَ الْمَلْزُومُ الذَّاتُ الثَّابِتُ لَهَا كَثْرَةُ الرَّمَادِ فِي اللَّازِمِ، وَهُوَ الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِكَثْرَةِ الْكَرَمِ إلَّا أَنَّهُ بِوَسَائِطَ كَمَا تَبَيَّنَ. (قَوْلُهُ: كَعَرِيضِ الْقَفَا) أَيْ: فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَى لَازِمِهِ، وَهُوَ الْبَلَادَةُ أَيْ: عَدَمُ الْفَهْمِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَنْفَرِدُ عَنْ الْآخَرِ، فَيَكُونُ مُسْتَحْسَنًا عَقْلًا وَلَا يَكُونُ مُسْتَحْسَنًا شَرْعًا، وَعَادَةً، فَالْعَادَاتُ قَدْ تَخْتَلِفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَتَى اسْتَحْسَنَتْ الْعُقُولُ شَيْئًا لَا تَكُونُ الْعَادَةُ بِخِلَافِهِ وَانْظُرْهُ. (قَوْلُهُ: فِي خُلُقٍ) إنْ قُرِئَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَهُوَ الْوَصْفُ الْبَاطِنِيُّ فَاتَهُ الْخَلْقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرِيُّ فَيُقْرَأُ بِأَحَدِهِمَا وَيُقَدَّرُ الثَّانِي مَعَ عَاطِفِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ إلَخْ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ يُشْعِرُ بِنَقْصٍ لَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ كُفْرٌ يُوجِبُ الْقَتْلَ اُنْظُرْ شَرْحَ عج فِي شَرْحِ السِّيرَةِ فِي ذِكْرِ أَوْصَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: وَطَبِيعَتِهِ) عَطْفُ الطَّبِيعَةِ عَلَى الشِّيمَةِ تَفْسِيرٌ. (قَوْلُهُ: لَا تُعْرَفُ لَهُ تَوْبَةٌ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّ ظَاهِرَهُ الْإِسْلَامُ، وَمَا فِي الْقَلْبِ مَغِيبٌ. (قَوْلُهُ: وَالْكَافِرُ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ) الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ أَيْ: إسْلَامُهُ الظَّاهِرُ أَيْ: فَيَنْتَفِي مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ السَّابَّ يُقْتَلُ) أَيْ: الْمُكَلَّفُ فَخَرَجَ الْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُقْتَلَانِ بِسَبِّهِمَا، وَأَمَّا صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ فَرِدَّتُهُ مُعْتَبَرَةٌ وَإِسْلَامُهُ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ اُسْتُتِيبَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَبَّ، وَهُوَ صَغِيرٌ مُمَيِّزٌ، فَلَا نَقْتُلُهُ إذَا بَلَغَ وَتَابَ، أَوْ أَنْكَرَهُ فَأَشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ، وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَعَ الَّذِي بَعْدَهُ مُتَعَارِضَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الشَّتْمَ لِلنَّاسِ وَالْمَلَائِكَةِ مَعًا، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَحْسَنُ حَيْثُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ: لِشُمُولِ لَفْظِهِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ أَيْ: يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الثَّانِي إنَّمَا شَتَمَ الْمَلَائِكَةَ أَيْ: يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ شَأْنَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُقْصَدَ فَيَظْهَرَ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْقَتْلِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُمَا إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>