للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤَلِّفِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ: لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ أَيْ، أَوْ رَسُولٌ كَمَا فِي النَّقْلِ لَسَبَبْتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ السَّبُّ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ: لِآخَرَ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِلَّا قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ شَتَمَهُمْ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ لِآخَرَ: قَدْ عَيَّرَهُ بِالْفَقْرِ تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ رَعَى الْغَنَمَ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْأَدَبِ قَدْ رَعَى فَقَطْ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ لِشَخْصٍ غَضْبَانَ أَوْ قَبِيحِ الْمَنْظَرِ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكَرٍ، أَوْ وَجْهُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ، وَالتَّهْزِيلِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالسَّبِّ لِلْمَلَكِ، وَإِنَّمَا السَّبُّ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخَاطَبِ

. (ص) أَوْ اسْتَشْهَدَ بِبَعْضِ جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حُجَّةً لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ شَبَّهَ لِنَقْصٍ لَحِقَهُ لَا عَلَى التَّأَسِّي كَإِنْ كَذَبْتَ فَقَدْ كَذَبُوا، أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ، أَوْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ مَنْ اسْتَشْهَدَ بِشَيْءٍ جَائِزٍ عَلَى النَّبِيِّ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ الْبَشَرِيُّ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ حُجَّةً لِهَذَا الْقَائِلِ، أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ نَقْصٍ لَحِقَ هَذَا الْقَائِلَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّأَسِّي، بَلْ لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَنْقِيصًا وَلَا عَيْبًا وَلَا سَبًّا كَقَوْلِهِ: إنْ قِيلَ فِي مَكْرُوهٌ، فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ الْمَكْرُوهُ، أَوْ قَالَ: إنْ أَحْبَبْتُ النِّسَاءَ فَقَدْ أَحَبَّهُنَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ قَالَ: أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْأَنْبِيَاءُ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ، أَوْ إنْ كُذِّبَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَقَدْ كُذِّبُوا، وَلَقَدْ صَبَرْتُ كَمَا صَبَرُوا، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ لَعَنَ الْعَرَبَ، أَوْ لَعَنَ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، أَوْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ الْمُسْكِرَ، وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ مَنْ حَرَّمَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَالَ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ إنْ عُذِرَ بِالْجَهْلِ، وَقَوْلُهُ: وَقَالَ: أَرَدْت إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ بَنِي هَاشِمٍ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ الْأَدَبُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي النَّوَادِرِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ قُتِلَ وَذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ الشِّفَاءِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَيْدَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّ الْأَدَبَ فِي الثَّانِيَةِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْأُولَى، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِكَلَامِ الشِّفَاءِ: وَقُوَّةُ كَلَامِهِ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَدَبَ فِي الثَّانِيَةِ أَشَدُّ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا السَّابَّ لَوْ لَمْ يَدَّعِ إرَادَةَ الظَّالِمِينَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قُتِلَ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ. اهـ.، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ز مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا، أَوْ لَمْ يُدَعِّمْهُ بِنَقْلٍ، وَكَذَا جَعْلُهُ الْقَيْدَ قَيْدًا فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ

. (ص) وَشُدِّدَ عَلَيْهِ فِي: كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانُ وَإِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ فِي عَشَّارٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ: إنْ جَهِلْتَ أَوْ سَأَلْتَ فَقَدْ جَهِلَ أَوْ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَتْلِ، فَقَوْلُهُ: أَوْ قَالَ بِالْعَطْفِ بِأَوْ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلشَّارِحِ) أَيْ: فَإِنَّ الشَّارِحَ قَالَ: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي عَشَّارٍ طَلَبَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا يَأْخُذُهُ فَقَالَ: أَشْكُوك لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ الْعَشَّارُ: أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْتَى فِيهِ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِالْأَدَبِ كَمَا قَالَ، وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِالْقَتْلِ فِيهِ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَتَّابٍ عَلَى الْقَتْلِ اهـ.

(قَوْلُهُ: مَنْ قَالَ: لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَنْ قَالَ: لَوْ جِئْتنِي بِالنَّبِيِّ عَلَى كَتِفِك مَا قَبِلْتُكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى التَّنْقِيصِ وَإِلَّا قُتِلَ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: لَوْ جِئْتنِي بِالنَّبِيِّ عَلَى كَتِفِكَ مَا قَبِلْته، فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ فِيهِ تَنْقِيصٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ كَذَا قَالَ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ وَإِلَّا قُتِلَ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ كَرَّرَ أَلْفًا إلَخْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: لَعَنَك اللَّهُ إلَى آدَمَ فَيُقْتَلُ أَقُولُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إلَى آدَمَ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ آدَمَ نَبِيٌّ فَيُشْعِرُ بِقَصْدِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ يَقُولُ: يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ أَوْ خَتْنُ حَيْدَرَهْ أَيْ: صِهْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّصَافِهِ بِشَيْءٍ جَوَازُ الْإِخْبَارِ بِهِ عَنْهُ، وَعَدَمُ كُفْرِ قَائِلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِأَنَّهُ يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَّهُ خَتْنُ حَيْدَرَهْ مَعَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ يَكْفُرُ كَمَا قُلْنَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) أَيْ: وَأَمَّا ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ كَأَنْ يَكُونَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ وَالتَّفْهِيمِ، لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ إيرَادَهُ فَلَا أَدَبَ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ لِشَخْصٍ غَضْبَانَ إلَخْ) الَّذِي فِي الشِّفَاءِ تَشْبِيهُ الْعَبُوسِ بِمَالِكٍ، وَقَبِيحُ الْمَنْظَرِ مِثْلُهُ. اهـ. أَقُولُ وَهُوَ ظَاهِرٌ

. (قَوْلُهُ: أَوْ شَبَّهَ) أَيْ: نَفْسَهُ فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ شَبَّهَ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: أَوْ اسْتَشْهَدَ وَأَنَّ مَآلَهُمَا وَاحِدٌ وَمَا يُمَثَّلُ بِهِ لِهَذَا يُمَثَّلُ بِهِ لِهَذَا أَقُولُ: وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ جَعْلِ الِاسْتِشْهَادِ وَالتَّشْبِيهِ مَسْأَلَتَيْنِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَاهُمَا لَأَغْنَاهُ عَنْ الْأُخْرَى وَقَدْ جَعَلَهُمَا فِي الشِّفَاءِ نَوْعًا وَاحِدًا. اهـ.

، وَذَكَرَ فِي الشِّفَاءِ أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ: إنَّك أُمِّيٌّ فَقَالَ: النَّبِيُّ أُمِّيٌّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت وَتَأَمَّلْ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى وَجْهِ التَّأَسِّي) أَيْ: وَلَا التَّحْقِيرِ، وَالتَّأَسِّي تَسْلِيَةُ نَفْسِهِ وَتَخْفِيفُ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ التَّأَلُّمِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيرِ قُتِلَ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّأَسِّي فَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَنْقِيصًا) أَيْ: لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ التَّنْقِيصَ أَوْ الْعَيْبَ أَيْ: قَصَدَ اتِّصَافَهُ بِالْعَيْبِ فَقَدْ قَصَدَ السَّبَّ أَيْ: الَّذِي هُوَ الشَّتْمُ وَقَصْدُ اتِّصَافِهِ بِالْعَيْبِ تَنْقِيصٌ فَهِيَ أَلْفَاظٌ مَآلُهَا وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: إنْ عُذِرَ بِالْجَهْلِ إلَخْ) أَوْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ الْمُسْكِرَ إلَخْ أَيْ: وَإِنَّمَا عُذِرَ بِالْجَهْلِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ حِينَئِذٍ سَبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا لَعَنَ مَنْ حَرَّمَهُ مِنْ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ، فَمُرْتَدٌّ فِي الْأَوَّلِ وَسَابٌّ فِي الثَّانِي انْتَهَى، وَانْظُرْ ذَلِكَ مَعَ تَصْرِيحِ الْقُرْآنِ بِأَنَّ الْمُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اعْتِقَادَهُ أَنَّ الْمُحَرِّمَ النَّاسُ إنْكَارٌ لِمَا عُلِمَ ضَرُورَةً فَتَأَمَّلْ.

(تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ فِي الشِّفَاءِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أُدِّبَ مَنْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ لَعَنَ اللَّهُ بَنِي آدَمَ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَنْبِيَاءَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ بَنِي آدَمَ

. (قَوْلُهُ: وَشُدِّدَ) يَحْتَمِلُ أَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ فِي شُدِّدَ أَيْ: شُدِّدَ الْأَدَبُ عَلَى السَّابِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ: عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: فِي كُلٍّ أَيْ: فِي قَوْلِهِ: كُلُّ صَاحِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>