الْقَاسِمِ مَنْ جَاعَ فَبَاعَ زَوْجَتَهُ مِنْ رَجُلٍ، فَأَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ، فَوَطِئَهَا مُشْتَرِيهَا فَعَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ رَأْيِي أَنَّهُمَا يُعْذَرَانِ، وَتَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ قُلْت: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِمَا جُوعٌ قَالَ: فَحَرِيٌّ أَنْ تُحَدَّ، وَيُنَكَّلَ زَوْجُهَا، وَلَكِنَّ دَرْءَ الْحَدِّ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى
. (ص) وَالْأَظْهَرُ كَأَنْ ادَّعَى شِرَاءَ أَمَةٍ، وَنَكَلَ الْبَائِعُ وَحَلَفَ الْوَاطِئُ. (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ أَمَةً ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكِهَا فَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ، وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ لَهُ، فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنْ طَلَبَهَا مِنْهُ الْمُشْتَرِي فَنَكَلَ عَنْهَا، فَتَوَجَّهَتْ عَلَى الْوَاطِئِ فَحَلَفَهَا أَيْ: حَلَفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَهَا، وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ الْوَاطِئُ يُحَدُّ مَعَ نُكُولِ الْبَائِعِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْبَائِعُ يُحَدُّ أَيْضًا. (ص) وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُكْرَهَ كَذَلِكَ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ. (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُكْرَهَةَ عَلَى الْوَطْءِ لَا حَدَّ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْجِمَاعِ هَلْ يُحَدُّ، أَوْ لَا؟ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ كَابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ: عَلَيْهِ الْحَدُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ
. (ص) وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَرْجِعَ مُطْلَقًا، أَوْ يَهْرُبَ وَإِنْ فِي الْحَدِّ (ش) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَعْرِيفِ الزِّنَا، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ الْإِقْرَارُ وَلَوْ مَرَّةً، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي اشْتِرَاطِهِمَا ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ إذْ رَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نُصُوصُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحَةٌ بِحَدِّ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا طَوْعًا، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَفِي الصَّحِيحِ: «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا، فَرُجِمَتْ» فَظَاهِرُ مَا فِي الْحَدِيثِ الِاكْتِفَاءُ بِأَقَلِّ مَا يَصْدُقُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ انْتَهَى، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مَاعِزٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْكَرَ عَقْلَهُ، وَلِذَا أَرْسَلَ لِقَوْمِهِ مَرَّتَيْنِ يَسْأَلُهُمْ عَنْ عَقْلِهِ حَتَّى أَخْبَرُوهُ بِصِحَّتِهِ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ الْمُؤَلِّفُ بِلَوْ كَابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا لِلْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَلْ الْخِلَافُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِبِ فَلَيْسَ كَالْمُؤَلَّفِ فِيمَا ذَكَرَ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الزَّانِي يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَا يُحَدُّ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ فِي الْحَدِّ، أَوْ فِي غَيْرِ الْحَدِّ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ، أَوْ لِشُبْهَةٍ كَقَوْلِهِ: وَطِئْتُ امْرَأَتِي، وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ زِنًا، وَمِثْلُ الرُّجُوعِ مَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَإِنَّ إنْكَارَهُ يُعَدُّ رُجُوعًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الزَّانِي الْمُقِرِّ بِهِ إذَا هَرَبَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ، وَلَا يُتْبَعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: " قَدْ «هَرَبَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ، فَاتَّبَعُوهُ فَقَالَ لَهُمْ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدُّوهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، وَأَمَّا الْهُرُوبُ قَبْلَ الْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ فِي الْحَدِّ وَاوُ الْحَالِ، وَإِنْ زَائِدَةٌ. أَيْ: أَوْ يَهْرُبَ، وَهُوَ فِي الْحَدِّ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا كَانَ الْهُرُوبُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ مُسْقِطًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ إذَاقَةِ الْعَذَابِ دَالٌّ عَلَى الرُّجُوعِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ
. (ص) وَبِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا، أَوْ يُحْمَلُ فِي غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ، وَذَاتِ سَيِّدٍ مُقِرٍّ بِهِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ أَيْضًا بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحِلَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَرُؤْيَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَأَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ: بَاعَ لِكَوْنِهَا أَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ أَيْ: بِمُوجِبِ الْبَيْعِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ دَرْءَ الْحَدِّ أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ: لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُكْرَهَةً فِي وَطْئِهِ لَهَا إذْ لَوْ امْتَنَعَتْ لَأَكْرَهَهَا أَيْ: وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْبَيْعِ طَوْعًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الزِّنَا لَيْسَ فِيهِ إكْرَاهٌ، فَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَهُ يُنَافِي إكْرَاهَهُ
. (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيمَا يُذْكَرُ، وَالْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ، أَوْ بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ فَلَا حَدَّ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ حَدٌّ وَلَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَحَلَفَ الْوَاطِئُ إلَخْ) الصُّوَرُ ثَلَاثٌ: نُكُولُهُمَا، حَلِفُ الْوَاطِئِ، حَلِفُ الْبَائِعِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ حَلِفُهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى حَلَفَ الْبَائِعُ ثَبَتَ قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْوَاطِئِ يَمِينٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُكْرَهَ كَذَلِكَ) أَيْ: لَا حَدَّ وَلَا أَدَبَ إنْ زَنَى بِطَائِعَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ لِتَمَحُّضِ الْحَقِّ لِلَّهِ وَإِلَّا أَيْ: بِأَنْ زَنَى بِمُكْرَهَةٍ، أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ حُدَّ إذْ إكْرَاهُهُ كَلَا إكْرَاهِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ: فَيُحَدُّ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُكْرِهَةُ لَهُ عَلَى الزِّنَا وَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُكْرِهَةُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرِهُ غَيْرَهَا فَعَلَى الْوَاطِئِ الصَّدَاقُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ
. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرْجِعَ مُطْلَقًا) أَيْ: فَيَنْفَعَهُ فِي نَفْيِ الْحَدِّ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَةً نَائِمَةً، ثُمَّ رَجَعَ وَلَا حَدَّ قَذْفٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا نَائِمَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَهْرُبَ) بِضَمِّ الرَّاءِ. (قَوْلُهُ: اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَخْ) اسْمُ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ وَإِنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلَةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ تَحَكُّمَ الْغَيْرِ عَلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ: فَأَمَرَ، ضَمِيرُهُ يَعُودُ عَلَى أُنَيْسٍ وَقَوْلُهُ: بِهَا أَيْ: بِرَجْمِهَا. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ إلَخْ) خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَقَوْلُهُ: وَيُقَالُ إلَخْ فِيهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ يَتُوبُ إلَخْ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّوْبَةِ تَمْنَعُ الْحَدَّ، وَالْمَذْهَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَانِعُ لِلْحَدِّ هُوَ الرُّجُوعُ لَا التَّوْبَةُ الشَّرْعِيَّةُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَ إذَاقَةِ الْعَذَابِ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْأَشْبَهُ هُوَ الْعَكْسُ، وَأَمَّا هُرُوبُهُ بَعْدَ الْحَدِّ فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ لِأَجْلِ الْعَذَابِ فَقَطْ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute