يَخْطَفُ الْمَالَ وَيَذْهَبُ جِهَارًا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَابَرَةِ، وَالْقُوَّةِ، وَالْمُكَابِرُ هُوَ الْغَاصِبُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَابَرَ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُكَابَرَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَخَذَ دَاخِلَ الْحِرْزِ فَهَرَبَ بِالْمَالِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، بَلْ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِلَاسِ، وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ، وَلَوْ كَانَ هُرُوبُهُ، لِأَجْلِ خُرُوجِ رَبِّ الْمَتَاعِ لِيَأْتِيَ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَرَقَ الْمَتَاعَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِأَصْبَغَ، وَكَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَخَذَ دَابَّةً وَاقِفَةً بِبَابِ الْمَسْجِدِ، أَوْ وَاقِفَةً فِي السُّوقِ، أَوْ عَلَى بَابِ السُّوقِ لِغَيْرِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْقِفٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ وَاقِفَةً فِي السُّوقِ لِأَجْلِ الْبَيْعِ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهَا بِدَلِيلِ مَا مَرَّ، وَكَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا بَعْضُهُ فِي الطَّرِيقِ، وَبَعْضُهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالشُّبْهَةُ هُنَا كَوْنُ بَعْضِ الثَّوْبِ فِي غَيْرِ حِرْزٍ، وَالْبَعْضُ صَادِقٌ بِالنِّصْفِ، وَالْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ، وَلَكِنْ لَوْ جَذَبَهُ مِنْ جَانِبِ الدَّارِ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ؛ وَكَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ الثَّمَرَ الْمُعَلَّقَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غَلْقٌ، فَهَلْ يُقْطَعُ سَارِقُهُ حِينَئِذٍ أَمْ لَا؟ . قَوْلَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ مَنْصُوصٌ، وَالْأَوَّلُ مُخَرَّجٌ، وَبِعِبَارَةِ مُعَلَّقٍ أَيْ: فِي بَسَاتِينِهِ، وَأَمَّا فِي الدُّورِ، أَوْ الْبَيْتِ فَيُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ فِي حِرْزٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ بَدَلَ قَوْلِهِ: مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَلَّقًا؛ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ خِلْقَتِهِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: ثَمَرٍ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الْوَدِيِّ، وَمِنْ قَوْلِهِ: مُعَلَّقٍ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيمَا يُلْتَقَطُ مِنْ السَّاقِطِ مِنْ الثَّمَرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرْعَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: مُعَلَّقٍ أَيْ: أَصَالَةً، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَ، ثُمَّ عُلِّقَ فَلَا قَطْعَ، وَلَوْ بِغَلْقٍ وَلَا يَدْخُلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَبَعْدَ حَصْدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ إلَّا بَعْدَ حَصْدِهِ، وَوَضْعِهِ فِي مَحَلٍّ اُعْتِيدَ وَضْعُهُ فِيهِ، وَإِذَا قُطِعَ الثَّمَرُ مِنْ عَلَى أَصْلِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يُنْقَلَ إلَى الْجَرِينِ سَرَقَ مِنْهُ إنْسَانٌ مَا يُسَاوِي نِصَابًا، فَهَلْ يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَدَسَ أَيْ: ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ حَتَّى يَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَالْعَجْوَةِ أَمْ لَا، أَوْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؟ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَدَسَ، فَيُقْطَعُ لِشَبَهِهِ بِمَا فِي الْجَرِينِ، أَوْ لَا يُقْطَعُ لِشَبَهِهِ بِمَا فَوْقَ النَّخْلِ، وَكَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ إذَا نَقَبَ الْحِرْزَ فَقَطْ وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِنْ النِّصَابِ، فَلَوْ أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ فَلَا قَطْعَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْقُبُ، وَالْآخَرُ يُخْرِجُهُ مِنْ الْحِرْزِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ قُطِعَ الْمُخْرِجُ فَقَطْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْبَ لَا يُخْرِجُ الْمَكَانَ عَنْ كَوْنِهِ حِرْزًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا حِينَ الْوَضْعِ، وَقِيلَ: يُقْطَعَانِ مَعًا كَمَا عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ، وَلَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا الْحِرْزَ فَأَخَذَ مَا يُسَاوِي نِصَابًا فَوَضَعَهُ فِي وَسَطِ النَّقْبِ، فَمَدَّ شَخْصٌ آخَرُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ، فَإِنَّهُمَا يُقْطَعَانِ مَعًا، وَالْمُرَادُ بِالْوَسَطِ الْأَثْنَاءُ وَكَذَلِكَ يُقْطَعَانِ مَعًا إذَا أُدْخِلَ أَحَدُهُمَا الْحِرْزَ فَرَبَطَ الْمَتَاعَ الْمَسْرُوقَ فِي حَبْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَجَبَذَهُ الْخَارِجُ إلَى أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ
. (ص) وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ. (ش) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلسَّارِقِ الَّذِي يُقْطَعُ، أَوْ لِلْقَطْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: تُقْطَعُ الْيُمْنَى أَيْ: وَشَرْطُ قَطْعِ السَّارِقِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا، مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كَافِرًا، وَالْمُرَادُ بِالتَّكْلِيفِ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ فَلَا قَطْعَ عَلَى غَيْرِ بَالِغٍ، وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ مُطْبِقٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا، وَسَرَقَ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَإِلَّا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا أَفَاقَ كَمَا أَنَّ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ يُقْطَعُ بَعْدَ صَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ بِغَيْرِ حَرَامٍ، فَكَالْمَجْنُونِ، وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ بِحَرَامٍ حَيْثُ شَكَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَالَتُهُ ظَاهِرَةً فِي خِلَافِ ذَلِكَ، وَانْظُرْ إذَا شَكَّ فِي سَرِقَةِ الْمَجْنُونِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانَا هَلْ سَرَقَ فِي حَالِ جُنُونِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ؟ . وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَأَخْرَجَ بِالْمُكَلَّفِ أَيْضًا الْمُكْرَهَ، وَيَكُونُ بِخَوْفِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَقَذْفِهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْقَتْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ كَمَالِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ فَيَكُونُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَيَحْتَمِلُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَابَرَ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ) أَيْ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ خِفْيَةً تَحْقِيقًا ثُمَّ كَابَرَ أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ خِفْيَةً. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَصْبَغَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْقَطْعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ وَاقِفَةً إلَخْ إشَارَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ مُخَرَّجٌ) حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ أَنْ لَا قَطْعَ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَيَّدَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِمَا إذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الدَّارِ فَيُقْطَعُ سَارِقُهَا إذَا سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ فَقَاسَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ النَّخْلُ وَالْكَرْمُ عَلَيْهِمَا غَلْقٌ وَعُلِمَ أَنَّهُ اُحْتُفِظَ عَلَيْهِ مِنْ السَّارِقِ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِجَامِعِ وُجُودِ الْحِفْظِ.
(قَوْلُهُ: لَا قَطْعَ فِي الْوَدِيِّ) الْوَدِيُّ صِغَارُ النَّخْلِ. (قَوْلُهُ: حَصَدَهُ أَيْ جَذَّهُ) إنَّمَا قَالَ أَيْ جَذَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي التَّمْرِ حَصَدَ وَإِنَّمَا يُقَالُ جَذَّ. (قَوْلُهُ: أَمْ لَا) أَيْ بَلْ بَقِيَتْ كُلُّ ثَمَرَةٍ تَحْتَ شَجَرَتِهَا فَلَا قَطْعَ لِشَبَهِهِ بِمَا فَوْقَهَا. (قَوْلُهُ: إذَا نَقَبَ) أَيْ وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِنْهُ بِنَفْسِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا خَرَجَ بِسَبَبِ نَقْبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَبُّهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ رَبُّهُ وَلَوْ نَائِمًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَرَبَطَ الْمَتَاعَ إلَخْ) أَيْ فَالرَّبْطُ لَمَّا كَانَ أَثَرَ فِعْلِهِ قُطِعَا مَعًا
. (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلسَّارِقِ الَّذِي يُقْطَعُ) أَيْ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلسَّارِقِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ فَيَرْجِعُ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ لِلْقَطْعِ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ يُقْطَعُ بَعْدَ صَحْوِهِ) أَيْ فَإِنْ قُطِعَ قَبْلَ صَحْوِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute