إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ، فَلَوْ تَحَقَّقَتْ حَيَاتُهُ وَبَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ فَالْحُكْمُ لِصَاحِبِ الْمَبَالِ وَظَاهِرُهُ جَوَازُ نَظَرِ الصَّغِيرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ، فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ إنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ، فَإِنْ نَبَتَتْ لَهُ لِحْيَةٌ فَهُوَ ذَكَرٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونَ لِأَنَّ أَصْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى، وَإِنْ نَبَتَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ النِّسَاءِ دُونَ لِحْيَةٍ فَهُوَ أُنْثَى، فَإِنْ نَبَتَا مَعًا فَاخْتُلِفَ هَلْ يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ أَضْلَاعِهِ أَمْ لَا فَذَهَبَ الْحَسَنُ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ وَقَالَ بِهِ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَالْمَرْأَةُ لَهَا ثَمَانِي عَشَرَ ضِلْعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالرَّجُلُ لَهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ وَمِنْ الْأَيْسَرِ سَبْعَةَ عَشَرَ هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ الْحُوفِيُّ سَبْعَةَ عَشَرَ لِلْمَرْأَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلرَّجُلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ سِتَّةَ عَشَرَ قَالُوا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ حَوَّاءَ أَلْقَى عَلَيْهِ النَّوْمَ ثُمَّ أَزَالَ ضِلْعًا مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ فَخَلْقهَا مِنْهُ (خَاتِمَةٌ) أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ فِي الْخُنْثَى عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ ثُمَّ حَكَمَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَالْأُمُومَةُ وَهُوَ يَرِثُهُمَا وَهُمْ إخْوَةٌ أَشِقَّاءُ عَلَى مَا ذَكَرُوا (تَنْبِيهٌ) : الْخُنْثَى كَمَا يَكُونُ فِي الْآدَمِيِّ يَكُونُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَيَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ إشْكَالُهُ بِثُقْبَةٍ يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ فَعَلَى هَذَا ابْنُ آدَمَ مَحْصُورٌ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَلَا فَرْدَ يَخْرُجُ عَنْهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: ٣] فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُنْثَى إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، فَيَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى وَكَلَّمَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاسِطَةٍ وَإِنَّهُ وَاقِعٌ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ.
(قَوْلُهُ جَوَازُ نَظَرِ الصَّغِيرَةِ) أَيْ: الَّتِي لَا تُشْتَهَى كَبِنْتِ خَمْسِ سِنِينَ وَلَا يَجُوزُ جَسُّ عَوْرَتِهَا.
(قَوْلُهُ فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ تُوجَدْ أَسْبَقِيَّةٌ وَلَا أَكْثَرِيَّةٌ وَعُدِمْت عَلَامَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ لَعَلَّ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ حَيْثُ أَشْكَلَ يُعَجَّلُ بِأَنْ يُعْطَى نَصِيبَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَلَا يُنْتَظَرُ لِلْإِيضَاحِ خُصُوصًا وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ بِأَنَّهُ لَا يُنْظَرُ بُلُوغُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ بَعْدَ كِتَابِي هَذَا رَأَيْت هَذَا الْفَرْعَ مَنْقُولًا عَنْ ابْنِ شَاسٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(قَوْلُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونَ إلَخْ) كَانَ شَيْخُنَا حَسَنَ الْخَلْقِ جِدًّا وَكَانَ قَاضِيًا وَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ إذَا جَلَسَ فِي الدَّرْسِ يَقْدُمُ لَهُ إنْسَانٌ كُلَّ يَوْمٍ يَسُوءُهُ بِالسَّبِّ ثُمَّ انْقَطَعَ فَسَأَلَ عَنْهُ الشَّيْخُ فَلَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ انْقِطَاعِهِ فَقَالَ لَهُ إنَّ إنْسَانًا سَلَّطَنِي عَلَيْك بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ لِأَغِيظَك وَجَعَلَ لِي مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى تَزْوِيجِ بَنَاتِي فَلَمَّا لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فِي الْإِغَاظَةِ انْقَطَعْت عَنْك فَقَالَ لَهُ لِمَ لَمْ تَذْكُرْ لِي ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى قُضَاةِ عَمَلِهِ فِي مُسَاعِدَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَسَاعَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى) كَذَا فِي تت فِي صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي اللَّقَانِيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّ مَنْ ذَهَبَتْ بَيْضَتُهُ الْيُسْرَى لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا تُنْضِجُ الْمَنِيَّ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الطِّبِّ وَالتَّشْرِيحِ فَإِذَا فُقِدَتْ فُقِدَ الْوَلَدُ وَالْيَمِينُ لِنَبَاتِ الشَّعْرِ (قَوْلُهُ فَذَهَبَ الْحَسَنُ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ) أَيْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ سَيِّدُ التَّابِعِينَ عَلَى قَوْلٍ وَالرَّاجِحُ أَنَّ سَيِّدَهُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَحَذَفَ مُقَابِلَهُ أَيْ: وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَقْتَضِي بِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ (فَائِدَةٌ) وَجَدْت فِي خَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ذَكَرًا.
(قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ حَوَّاءَ) هَلْ ذَلِكَ عَقِبَ خَلْقِهِ فَتَكُونُ ثُمَّ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ أَوْ لَا فَتَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي.
(قَوْلُهُ حَوَّاءَ) بِالْمَدِّ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ وَقَوْلُهُ أَلْقَى عَلَيْهِ النَّوْمَ أَيْ الثَّقِيلَ لِئَلَّا يُؤْلِمَهُ ذَلِكَ أَوْ يَفْجَعَهُ ذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ أَلْقَى عَلَيْهِ النَّوْمَ فِي الْجَنَّةِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُونَ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ أَزَالَ ضِلْعًا) أَيْ: بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِمُجَرَّدِ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ ضِلْعًا بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَقَوْلُهُ الْأَيْسَرَ لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى مَفْضُولِيَّةِ النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ أَفْضَلُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فِي التَّطْهِيرِ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْيَدِ الْيُمْنَى الَّتِي هِيَ لِلتَّكْرِمَةِ بِخِلَافِ الْيَسَارِ فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْيُسْرَى الَّتِي يُزَالُ بِهَا الْأَقْذَارُ وَالرِّجْلُ الْيُسْرَى الَّتِي تُقَدَّمُ فِي مَوَاضِعِ الْأَقْذَارِ الْحِسِّيَّةِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَحَلُّ الْأَقْذَارِ الْحِسِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَيَتْبَعُهَا فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الْحَدِيثُ «لَوْ أَحْسَنْت إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَلِيلًا تَقُولُ مَا رَأَيْت مِنْك خَيْرًا قَطُّ» .
(قَوْلُهُ فَخَلَقَهَا مِنْهُ) أَيْ: فَنَبَتَتْ مِنْ ذَلِكَ الضِّلْعِ كَمَا نَبَتَتْ النَّخْلَةُ مِنْ النَّوَاةِ وَهَلْ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ مُتَقَارِبٍ أَوْ مُتَبَاعِدٍ وَمَا قَدْرُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ خَاتِمَةٌ) أَيْ: هَذِهِ خَاتِمَةٌ لِمَسَائِلِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (قَوْلُهُ أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ فِي الْخُنْثَى عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ) فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَانَ مُشْرِكًا كَمَا فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ وَكَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَقَعُ لَهُمْ مُعْضِلَةٌ إلَّا اخْتَصَمُوا إلَيْهِ وَرَضُوا بِحُكْمِهِ فَسَأَلُوهُ عَنْ خُنْثَى أَنَجْعَلُهُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى فَقَالَ أَمْهِلُونِي فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا وَفِي عِبَارَةٍ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهُوَ يَذْبَحُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يُقَالُ لَهَا سَخِيلَةُ فَقَالَتْ لَهُ إنَّ مَقَامَ هَؤُلَاءِ عِنْدَك قَدْ أَسْرَعَ فِي غَنَمِك وَكَانَتْ تَرْعَى لَهُ غَنَمًا وَكَانَتْ تُؤَخِّرُ السَّرَاحَ وَالرَّوَاحَ حَتَّى تَسْبِقَ وَكَانَ يُعَاتِبُهَا فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ لَهَا أَصْبَحْت يَا سَخِيلَةُ أَمْسَيْت فَلَمَّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقَلَقَهُ قَالَتْ لَهُ مَا لَك فِي لَيْلَتِك سَاهِرًا فَقَالَ لَهَا وَيْلَك دَعِي أَمْرًا لَيْسَ مِنْ شَأْنِك فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ السُّؤَالَ فَذَكَرَ لَهَا مَا بَدَا لَهُ فَقَالَتْ لَهُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ فَقَالَ فَرَّجْتهَا وَاَللَّهِ يَا سَخِيلَةُ