للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ رَجَوْت أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ مَحْمُودٍ لِلْمُضَاعَفَةِ فَهُوَ أَجَلُّ مِنْ حَمَدٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَأَفْضَلُ مِنْ حُمَدٍ بِضَمِّهَا، وَهُوَ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ وَالْمَحْمُودِينَ وَمَعَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَيَبْعَثُهُ رَبُّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بِمَحَامِدَ لَمْ يَفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ وَأُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.

(ص) سَيِّدِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الْمَبْعُوثِ لِسَائِرِ الْأُمَمِ (ش) لَمَّا اشْتَمَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَحَامِدِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي لَمْ يَنَلْهَا غَيْرُهُ وُصِفَ بِسِيَادَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَالسَّيِّدُ قِيلَ الْحَلِيمُ وَقِيلَ التَّقِيُّ وَقِيلَ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ مَنْ فَسَّرَ الْحِلْمَ بِالسُّؤْدُدِ أَحْرَزَ أَكْثَرَ مَعْنَاهُ وَالْعَرَبُ بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ ضَمٍّ وَسُكُونٍ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ فَقَالَ رَجَوْت) وَحَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجَاءُ مِنْ رُؤْيَا رَآهَا، وَهُوَ أَنَّ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ لَهَا طَرَفٌ بِالْمَشْرِقِ وَطَرَفٌ بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَتَعَلَّقُونَ بِهَا فَعُبِرَتْ بِمَوْلُودٍ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُمَا وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا كُلَّهُ فَنَقُولُ قَوْلُهُ بِإِلْهَامٍ لَا يَخْفَى أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيُفْهَمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي التَّسْمِيَةِ الْإِلْهَامُ وَقَوْلُهُ بَعْدُ فَقَالَ رَجَوْت يُفِيدُ أَنَّ الْعِلَّةَ الرَّجَاءُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ ابْتِدَاءُ الرَّجَاءِ وَعِلَّةَ الْمَجْمُوعِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَعِلَّتُهَا الْإِلْهَامُ فَالْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُ الرَّجَاءِ عَلَى الْإِلْهَامِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ رَجَاءَهُ) أَيْ مَرْجُوَّهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَبْلَغُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي مَحْمُودٍ فَمَا وَجْهُ التَّرْجِيحِ.

(قَوْلُهُ لِلْمُضَاعَفَةِ) أَيْ لِتَكْرِيرِ عَيْنِ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْإِسْمَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَجَلُّ مِنْ حَمَدٍ إلَخْ) أَيْ إذَا عَلِمْت مَا قُلْنَاهُ فَنُفِيدُك فَائِدَةً، وَهُوَ أَنَّهُ أَجَلُّ مَنْ حَمِدَ وَأَفْضَلُ مَنْ حُمِدَ وَأَفْضَلُ وَأَجَلُّ بِمَعْنًى فَقَدْ تَفَنَّنَ إلَّا أَنَّ التَّفْرِيعَ الْأَوَّلَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِلَّازِمِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ مَحْمُودِيَّتِهِ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ كَثْرَةُ الْحَمْدِ فَيَكُونَ أَجَلَّ الْحَامِدِينَ (قَوْلُهُ، وَهُوَ أَحْمَدُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَحْمَدُ إلَخْ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَصْرِيحٌ بِعِلَّةِ الْمُفَرَّعِ أَوَّلًا وَإِذْ عَلِمْت ذَلِكَ كُلَّهُ فَأَحْمَدُ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى الْحَامِدِينَ بِمَعْنَى أَكْثَرَ حَامِدِيَّةً وَبِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحْمُودِينَ بِمَعْنَى أَكْثَرَ مَحْمُودِيَّةً وَكَأَنَّهُ يَقُولُ، وَهُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ حَامِدِيَّةً وَأَكْثَرُهُمْ مَحْمُودِيَّةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي هُوَ مَجْمَعُ الْخَلَائِقِ بِدَلِيلِ تَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ وَمَعَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ فَيَحْمَدُهُ الْأُمَمُ كُلُّهَا، ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ حَقِيقَةٌ وَالْمَعْطُوفُ مَجَازٌ.

(قَوْلُهُ وَمَعَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِفَةِ لِوَاءِ الْحَمْدِ فَقَالَ طُولُهُ أَلْفُ سَنَةٍ وَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَقَضِيبُهُ مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ وَزُجُّهُ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ لَهُ ثَلَاثُ ذَوَائِبَ ذُؤَابَةٌ بِالْمَشْرِقِ وَذُؤَابَةٌ بِالْمَغْرِبِ وَذُؤَابَةٌ وَسَطَ الدُّنْيَا مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ الْأَوَّلُ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالثَّانِي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالثَّالِثُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ طُولُ كُلِّ سَطْرٍ مَسِيرَةُ أَلْفِ عَامٍّ قَالَ صَدَقْت يَا مُحَمَّدُ» ذَكَرَهُ الشِّهَابُ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ (قَوْلُهُ وَيَبْعَثُهُ رَبُّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا) أَيْ يَبْعَثُهُ فَيُقِيمُهُ مَقَامًا مَحْمُودًا أَوْ ضَمَّنَ يَبْعَثُهُ يُقِيمُهُ وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ هُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ (قَوْلُهُ يَحْمَدُهُ فِيهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ الْأَوَّلُونَ) أَيْ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ وَقَوْلُهُ وَالْآخِرُونَ وَهُمْ أُمَّتُهُ مِنْ قَرْنِ الصَّحَابَةِ إلَى آخِرِ الْقُرُونِ (قَوْلُهُ وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (قَوْلُهُ بِمَحَامِدَ) جَمْعٌ حَمْدٍ أَيْ بِثَنَاءَاتٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ) لَا فِي هَذَا الْمَوْقِفِ وَلَا فِي حَالَةِ الدُّنْيَا وَدَخَلَتْ نَفْسُهُ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الدُّنْيَا (قَوْلُهُ وَأُمَّتُهُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ فَضْلِ أُمَّتِهِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ فَضْلَهُ (قَوْلُهُ الْحَمَّادُونَ) أَيْ: كَثِيرُو الْحَمْدِ (قَوْلُهُ عَلَى السَّرَّاءِ) أَيْ مَا يَسُرُّ وَمَا يَضُرُّ أَيْ فِي حَالَتِهِمَا أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الضَّرَّاءِ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِضًا بِمَا يَفْعَلُ الرَّحْمَنُ أَوْ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ وُقُوعِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ الضُّرِّ.

(قَوْلُهُ سَيِّدُ الْعَرَبِ) يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ سَيِّدُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَمْدَحُ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجَرُّ عَلَى التَّبَعِيَّةِ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ) فِي تَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ الْعَرَبَ فِي الذِّكْرِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْعَجَمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِمَا اشْتَمَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَحَامِدِ الْكَثِيرَةِ) أَيْ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا اسْمُهُ الشَّرِيفُ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُرَادَ مِنْ مَحَامِدَ جَمْعُ حَمْدٍ إمَّا بِمَعْنَى أَكْثَرَ حَامِدِيَّةً أَوْ مَحْمُودِيَّةً وَأَرَادَ بِالِاشْتِمَالِ التَّعَلُّقَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ حَمْدِ النَّاسِ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ (قَوْلُهُ وُصِفَ بِسِيَادَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ) أَيْ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَهُمْ وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لِمَا قِيلَ إنَّ السَّيِّدَ مَعْنَاهُ الْكَامِلُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ التَّقِيُّ) أَيْ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ مِنْ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ مِنْ التَّقْوَى وَقِيلَ هُمَا أَيْ الْحَلِيمُ التَّقِيُّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ مِنْ الْعِلْمِ أَيْ إنَّ السَّيِّدَ مَعْنَاهُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَأَرَادَ هُنَا بِالْعَالِمِ مَنْ امْتَدَّ بَاعُهُ فِي الْعُلُومِ مِنْ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الْوَصْفِ بِالْفَقِيهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي (قَوْلُهُ بِالسُّوْدُدِ) بِضَمِّ السِّينِ هُوَ الْعِزُّ وَالشَّرَفُ أَيْ وَيَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الْحِلْمِ بِالسُّوْدُدِ أَنَّ السُّوْدُدَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ سَيِّدٌ مَعْنَاهُ الْحِلْمُ، فَيَكُونُ مَعْنَى السَّيِّدِ الْحَلِيمُ فَهُوَ دَلِيلٌ بِاعْتِبَارِ اللَّازِمِ.

(أَقُولُ) حَاصِلُهُ أَنَّ لِلْحِلْمِ مَعْنًى وَالسُّوْدُدُ أَحْرَزَ أَكْثَرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْ أَكْثَرَ مَعَانِيهِ أَوْ أَكْثَرَ جُزْئِيَّاتِ مَعْنَاهُ أَوْ أَجْزَاءَ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَا الْكُلُّ وَلَا الْأَكْثَرُ وَلَا الْأَقَلُّ وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ مَقْلُوبَةٌ وَالْأَصْلُ مَنْ فَسَّرَ السُّوْدُدَ بِالْحِلْمِ فَقَدْ أَحْرَزَ أَكْثَرَ مَعْنَاهُ أَيْ أَعْظَمَ أَسْبَابِ مَعْنَاهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّفْحَ وَالسَّتْرَ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعْنَى الْحِلْمِ أَعْظَمُ أَسْبَابِ السُّوْدُدِ الَّذِي هُوَ الْعِزُّ وَالشَّرَفُ بِخِلَافِ التَّقْوَى إذَا لَمْ يُصَاحِبْهَا حِلْمٌ أَوْ الْفِقْهُ وَالْعِلْمُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ جِيلٌ) أَيْ طَائِفَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>