بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ فَيُبْدَأُ بِهِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَقْطَعُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ» وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ يُرِيدُ وَصَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ أَيْ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ اللَّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مِنْ الْخَبَرِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْشَاءُ أَيْ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَيْ يَرْحَمَ وَيُسَلِّمَ أَيْ يُؤَمِّنُ أَوْ يُحْيِي أَوْ يَبْقَى خَالِدَ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ فِي الْجِنَانِ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ فَيَكُونُ طَلَبَ لَهُ صَلَاةَ اللَّهِ وَسَلَامَهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صَلَاتَهُ هُوَ وَسَلَامَهُ أَيْ أُنْشِئُ الدُّعَاءُ لِمُحَمَّدٍ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَقَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي السَّلَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّهُ طَالِبٌ فِي الْأَوَّلِ صَلَاةً وَسَلَامًا وَفِي الثَّانِي دَعَا بِهِمَا وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ دُعَاءٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ طَلَبَ أَنْ يَتَوَلَّى اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ وَفِي الثَّانِي صَلَّى هُوَ بِنَفْسِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَالْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» ، وَإِنْ جَعَلَ السَّلَامَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَالرَّحْمَةَ وَحِفْظَ اللَّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدٌ اسْمُ عَلَمٍ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ سَمَّى بِهِ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّاهُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِسَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ لِمَ سَمَّيْت ابْنَك أَيْ ابْنَ ابْنِك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِك
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ) أَيْ انْتَفَى فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ الْمُبَيَّنُ بِشَيْئَيْنِ (قَوْلُهُ فَيُبْدَأُ) عَطْفٌ عَلَى يُذْكَرُ مِنْ عَطْفِ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ مُجْمَلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصْدُقُ بِالْبُدَاءَةِ وَبِغَيْرِهَا وَمِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِلضِّمْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِذِكْرِ اللَّهِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِمَعْنَى الصَّرِيحِ بِدَلِيلِ الْعَطْفِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ.
(قَوْلُهُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَقْطَعُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ انْتَفَى ذِكْرُ اللَّهِ الْمُبَيَّنُ بِالذِّكْرِ الصَّرِيحِ وَالضِّمْنِيِّ فَهُوَ لَا بَرَكَةَ فِيهِ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ أَحَدُهُمَا فَفِيهِ الْبَرَكَةُ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ كَامِلَةً وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى مَمْحُوقُ الْبَرَكَةِ الْكَامِلَةِ (قَوْلُهُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ) أَيْ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ (قَوْلُهُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ) أَيْ لَا فِي الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْأَحْكَامِ إمَّا بِالصَّحِيحِ أَوْ بِالْحَسَنِ (قَوْلُهُ مِنْ الْخَبَرِ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ أَيْ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ صَلَاةَ اللَّهِ وَسَلَامَهُ يَكُونُ الْمَعْنَى عِنْدَ جَعْلِهَا إنْشَائِيَّةً أُنْشِئُ صَلَاةَ اللَّهِ وَسَلَامَهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُدْرَةِ قُلْت الْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْشَاءِ الطَّلَبُ أَيْ أَطْلُبُ صَلَاةَ اللَّهِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَسْتَحْدِثُ (قَوْلُهُ أَيْ يَرْحَمَ) أَيْ يُنْعِمَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ يُنْعِمُ إنْعَامًا مَقْرُونًا بِتَعْظِيمٍ أَوْ بِقَوْلٍ أَيْ يُعَظِّمُهُ (قَوْلُهُ أَيْ يُؤْمِنُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ السَّلَامَ إمَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِالْأَمَانِ أَوْ التَّحِيَّةِ أَوْ إبْقَاءِ الذِّكْرِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَبْقَى مِنْ الْإِبْقَاءِ (قَوْلُهُ خَالِدَ الذِّكْرِ) لَفْظَةُ خَالِدَ فِي الْمَعْنَى حَالٌ مُؤَسِّسَةٌ وَالتَّقْدِيرُ أَوْ يَبْقَى الذِّكْرُ الْجَمِيلُ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ خَالِدًا (قَوْلُهُ فِي الْجِنَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِالذِّكْرِ، ثُمَّ أَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ ظَرْفَ الْإِنْعَامِ الْآخِرَةُ بِجَمِيعِ أَزْمَانِهَا فِي الْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَظَرْفُ الْأَمَانِ فِيمَا عَدَا الْجَنَّةِ فَيَشْمَلُ الْمَوْقِفَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَلْحَقُهُمْ الْخَوْفُ كَمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِيمَا كَانَ مِنْ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ وَذَلِكَ لِوُجُودِ أَهْوَالٍ تُنْسِي الْمَغْفِرَةَ.
فَلَا يُقَالُ يَرِدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح: ٢] وَظَرْفُ التَّحِيَّةِ الْآخِرَةِ بِجَمِيعِ أَزْمَانِهَا وَقَدْ ذَكَرَ ظَرْفَ الذِّكْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجِنَانِ عَلَى أَنَّ الْقِيَامَةَ ظَرْفٌ ذَكَرَهُ أَيْضًا (قَوْله بِنَبِيِّهِ) أَيْ لِنَبِيِّهِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِنَبِيِّهِ (قَوْلُهُ الدُّعَاءُ) أَيْ الَّذِي هُوَ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْبَقَاءِ مِنْ مَعَانِي السَّلَامِ أَيْ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي دَعَا بِهِمَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِهِمَا أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ هُوَ عَيْنُ الطَّلَبِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ فَهُوَ دُعَاءُ) مُسَلَّمٌ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ طَلَبٌ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي كُلٍّ طَلَبُ أَنْ يَتَوَلَّى اللَّهُ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعَبْدِ دُعَاؤُهُ لَا غَيْرَ وَصَلَاةُ اللَّهِ رَحْمَتُهُ لَا غَيْرَ فَهَذَا كَلَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَمُّحِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَالْفَرْقِ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْلَهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً إشَارَةٌ لِصَلَاةِ الْعَبْدِ كَالِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ إشَارَةٌ لِصَلَاةِ الرَّبِّ كَالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ جُعِلَ السَّلَامُ) أَيْ هُنَا (قَوْلُهُ وَحِفْظُ اللَّهِ) يَرْجِعُ لِلْأَمَانِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ اسْمٌ) لَا كُنْيَةٌ وَلَا لَقَبٌ وَقَوْلُهُ عَلَمٌ أَيْ لَا نَكِرَةٌ وَلَا اسْمُ جِنْسٍ.
(قَوْلُهُ مَنْقُولٌ) أَيْ لَا مُرْتَجَلٌ.
(قَوْلُهُ الْمُضَعَّفِ) أَيْ الْمُضَعَّفِ الْعَيْنِ بِأَنْ نُقِلَ الْمُجَرَّدُ إلَى بَابِ التَّفْعِيلِ لَا الْمُضَعَّفِ الَّذِي لَمْ تَسْلَمْ حُرُوفُهُ الْأُصُولُ مِنْ التَّضْعِيفِ كَمَسَّ وَظَلَّ فَالتَّضْعِيفُ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ دُونَ الِاصْطِلَاحِيِّ وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى مَنْقُولٌ لَا مُرْتَجَلٌ وَالْعَلَمُ الْمَنْقُولُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ فِي غَيْرِهَا وَالْمُرْتَجَلُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ اسْتِعْمَالٌ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ الْمُضَعَّفِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ الْفِعْلِ الْمُضَعَّفِ وَالْمُرَادُ التَّضْعِيفُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ التَّكْرِيرُ أَيْ الْمُكَرَّرُ عَيْنُهُ، وَهُوَ حَمَّدَ بِالتَّشْدِيدِ (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا) أَبْهَمَ الْمُسَمَّى لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَمَّا كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَفْصَحَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ سَمَّاهُ بِهِ جَدُّهُ وَقَوْلُهُ لِسَابِعٍ أَيْ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ وَلَعَلَّهُ أَخَّرَ التَّسْمِيَةَ لِلسَّابِعِ لِكَوْنِهِ أَرَادَ الْعَقَّ عَنْهُ فَالْعَقِيقَةُ شَرِيعَةٌ قَدِيمَةٌ (قَوْلُهُ لِمَوْتِ أَبِيهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ التَّسْمِيَةُ مِنْ حَقِّ الْأَبِ دُونَ الْجَدِّ (قَوْلُهُ بِإِلْهَامٍ) هُوَ إلْقَاءُ مَعْنًى فِي الرَّوْعِ بِطَرِيقِ الْفَيْضِ بِحَيْثُ يَطْمَئِنُّ لَهُ الْقَلْبُ (قَوْلُهُ أَيْ ابْنَ ابْنِك) كَذَا فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ ابْنٍ فِي ابْنِ الِابْنِ مَجَازٌ أَيْ لُغَوِيٌّ أَوْ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الِابْنَ حَقِيقَةٌ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِك) وَلَيْسَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ كَغَيْرِهَا مِنْ النُّسَخِ زِيَادَةُ قَوْمِك مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْمِهِ قُرَيْشًا وَلَعَلَّ الْأَغْلَبَ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْآبَاءِ دُونَ الْقَوْمِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ بِكُلٍّ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْآبَاءِ إلَى إبْرَاهِيمَ فَقَطْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute