للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا أَنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا بِدْعَةً؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا جَمْعًا بِالنَّاسِ ثُمَّ تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمِنُوا تِلْكَ الْعِلَّةَ وَمِنْ تَجَدُّدِ الْأَحْكَامِ بِوَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلُوا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ كَانَ مَقْصُودَهُ، فَوَقَعَتْ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجَمْعِ بِهِمْ بِدْعَةً وَإِلَّا فَلَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ بِدْعَةً؛ لِأَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الْجَوَازِ.

(فَائِدَةٌ) تَرَاوِيحُ عَلَى وَزْنِ مَفَاعِيلَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِصِيغَةِ مُنْتَهَى الْجُمُوعِ وَالرَّاجِحُ أَفْضَلِيَّةُ التَّرَاوِيحِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ. (ص) وَالْخَتْمُ فِيهَا وَسُورَةٌ تُجْزِئُ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ خَتْمُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي التَّرَاوِيحِ أَيْ: فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ إنْ أَمْكَنَ لِيُوقِفَ الْمَأْمُومِينَ عَلَى سَمَاعِ جَمِيعِهِ، وَالسُّورَةُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ تَكْفِي عَنْ طَلَبِ قِرَاءَةِ الْخَتْمِ فَيَسْقُطُ الطَّلَبُ بِذَلِكَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِجْزَاءِ. (ص) ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ. (ش) هُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ تَرَاوِيحَ أَيْ: بَدَلٌ مُطَابِقٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَإِذَا كَانَ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ مِنْ تَرَاوِيحَ فَإِدْخَالُ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ فِيهَا فِيهِ تَجَوُّزٌ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْمُرَادُ أَنَّهُ يُنْدَبُ كَوْنُهَا ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ آخَرُ وَلَوْ قَالَ وَثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ لَأَفَادَ الْمُرَادَ بِلَا كُلْفَةٍ لَكِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّفْعَ وَالْوِتْرَ يَجْرِي فِيهِمَا مَا جَرَى فِي التَّرَاوِيحِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَيْضًا " وَانْفِرَادٌ فِيهَا إنْ لَمْ تُعَطَّلْ الْمَسَاجِدُ " وَأَنَّ الشَّفْعَ وَالْوِتْرَ يُنْدَبُ فِعْلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ كَالتَّرَاوِيحِ وَأَنَّهُ مِنْ النَّفْلِ الْمُؤَكَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا. وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي جَعْلِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ بَدَلًا مِنْ تَرَاوِيحَ وَكَذَا عَلَى جَعْلِهِ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.

قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَغَّبَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ فَقَامَ النَّاسُ وُحْدَانًا مِنْهُمْ

ــ

[حاشية العدوي]

ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّمَا كَرِهَ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَأَقَامَهَا وَأَحْيَاهَا سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .

(قَوْلُهُ: لَا أَنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا) أَيْ: بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَرَكَهَا) أَيْ: تَرَكَهَا أَصْلًا وَرَأْسًا أَيْ: تَرَكَ فِعْلَهَا فِي جَمَاعَةٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي صَلَّاهَا عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ كَمَا فِي ك. (قَوْلُهُ: خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ) اسْتَشْكَلَ الْخَطِيبُ أَصْلَ هَذِهِ الْخَشْيَةِ مَعَ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» فَإِذَا أُمِنَ التَّبْدِيلُ فَكَيْفَ يَقَعُ الْخَوْفُ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ خَافَ جَعْلَ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ» فَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَأَمِنَ مَعَ إذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ افْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ. الثَّانِي: أَنَّهُ خَافَ افْتِرَاضَهُ كِفَايَةً لَا عَيْنًا فَلَا يَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ بَلْ هُوَ نَظِيرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهَا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ خَافَ فَرْضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بِدْعَةً) حَالٌ أَيْ: فَوَقَعَتْ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجَمْعِ بِهِمْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُوَاظَبَةِ بِدْعَةً. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ بِدْعَةً) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْجَمْعُ. (قَوْلُهُ: تَكْفِي عَنْ طَلَبِ قِرَاءَةِ الْخَتْمِ) أَيْ: تَكْفِي عَنْ جِنْسِ طَلَبِ قِرَاءَةِ الْخَتْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَوْلُهُ: فَيَسْقُطُ الطَّلَبُ أَيْ: جِنْسُهُ كَذَلِكَ لَا الْجِنْسُ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي طَلَبِ قِرَاءَةِ الْخَتْمِ وَلَا الْجُزْئِيُّ الَّذِي هُوَ طَلَبُ قِرَاءَةِ الْخَتْمِ. (قَوْلُهُ: خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ) أَيْ: وَهِيَ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ فَإِدْخَالُ إلَخْ) أَقُولُ: بَلْ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. (قَوْلُهُ: فِيهِ تَجَوُّزُ) أَيْ: مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ الْأَغْلَبِ عَلَى الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: لَأَفَادَ الْمُرَادَ بِلَا كُلْفَةٍ) أَيْ: بِلَا كُلْفَةٍ فِي فَهْمِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي وَاحِدٍ) أَيْ: إنَّ الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ لَا يُطْلَبُ فِيهِمَا جَمَاعَةٌ بَلْ فُرَادَى، كَانَ ذَلِكَ عَقِبَ تَرَاوِيحَ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِ السُّنَّةِ وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ مَشْرُوعَةً فِي الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَلَيْسَ الِانْفِرَادُ بِقَيْدِهِ مَطْلُوبًا فِيهِمَا وَلَيْسَا مِنْ النَّفْلِ الْمُؤَكَّدِ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ فَهُوَ أَعْلَى مِنْ النَّفْلِ الْمُؤَكَّدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا رَغِيبَةٍ. وَأَمَّا الشَّفْعُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَهَلْ هُوَ مُؤَكَّدٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ شَرْطَ كَمَالٍ أَوْ شَرْطَ صِحَّةٍ فِي الْوِتْرِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ النَّفْلِ الْغَيْرِ الْمُؤَكَّدِ فَعَلَى الْأَوَّلِ: فَالْمَعْنَى لَيْسَا مَعًا مِنْ النَّفْلِ الْمُؤَكَّدِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الشَّفْعَ مِنْ النَّفْلِ الْمُؤَكَّدِ وَعَلَى الثَّانِي: فَالْمَعْنَى لَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ النَّفْلِ الْمُؤَكَّدِ بَلْ الْوِتْرُ مِنْ السُّنَنِ وَالشَّفْعُ مِنْ النَّفْلِ الْخَالِي عَنْ التَّأْكِيدِ. نَعَمْ مَا وَرَدَ مِنْ كَوْنِ التَّرَاوِيحِ تُصَلَّى ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ يُفِيدُ أَنَّ الشَّفْعَ وَالْوِتْرَ يُصَلَّيَانِ جَمَاعَةً.

(قَوْلُهُ: بَدَلًا) أَيْ: أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ. (قَوْلُهُ: رَغَّبَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ) أَيْ: صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ الْحَاصِلِ بِهَا قِيَامُ اللَّيْلِ كَالتَّهَجُّدِ أَيْ: بِقَوْلِهِ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» اهـ. أَيْ: ذَنْبُهُ الْمُتَقَدِّمُ كُلُّهُ، فَمِنْ لِلْبَيَانِ لَا لِلتَّبْعِيضِ أَيْ: الصَّغَائِرُ لَا الْكَبَائِرُ كَمَا قَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفُقَهَاءُ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ قَوْمٌ: تَدْخُلُ فِيهِ الْكَبَائِرُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَدْخُلُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّوْبَةَ وَالنَّدَمَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ كَذَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْمُوَطَّأِ. (قَوْلُهُ: وُحْدَانًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>