صَلَاةَ خُسُوفِ الْقَمَرِ مَنْدُوبَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنَّمَا كَانَ الْوِتْرُ آكَدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعِيدُ آكَدَ مِمَّا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الْكُسُوفُ آكَدَ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّهَا لَا تُفْعَلُ. ثُمَّ إنَّ الْعُمْرَةَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ كَمَا أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَذَلِكَ وَانْظُرْ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَهِيَ دُونَ الْوِتْرِ وَآكَدُ مِنْ الْعِيدِ. (ص) وَوَقْتُهُ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ وَضَرُورِيُّهُ لِلصُّبْحِ. (ش) أَيْ: وَوَقْتُ الْوِتْرِ الِاخْتِيَارِيُّ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ الصَّحِيحَةِ وَالشَّفَقِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَلَوْ سَهْوًا وَلَا بَعْدَ عِشَاءٍ فَاسِدَةٍ أَوْ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَبْلَ الشَّفَقِ كَلَيْلَةِ الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ قُدِّمَتْ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْوِتْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ " مِنْ بَعْدِ " كَمَا قَالَ فِي الْأَوْقَاتِ " مِنْ زَوَالِ "؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَبْدَأِ هُنَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ تَعْيِينِهِ هُنَاكَ فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِكَوْنِ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلَ.
وَقَدْ عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ بِمِثْلِ مَا هُنَاكَ فَقَالَ: وَوَقْتُهُ مِنْ بَعْدِ الشَّفَقِ وَالْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ كَمَا قَالَهُ " ز " وَفِي قَوْلِهِ " لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَبْدَأِ هُنَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ " فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا تَفَنُّنًا وَيَمْتَدُّ اخْتِيَارِيُّ الْوِتْرِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الصَّحِيحَةِ وَالشَّفَقِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَضَرُورِيُّهُ مِنْ الْفَجْرِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ أَيْ: لِلشُّرُوعِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلِانْقِضَائِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَذِّ، وَالْمَأْمُومُ كَالْإِمَامِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَأْمُومَ كَالْفَذِّ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَطْعُ فَلَا يَفُوتُ الْوَقْتُ بِالشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَاتَ بِهِ لَزِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَطْعُ، تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ تَأْخِيرَ الْوِتْرِ لِوَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ مَكْرُوهٌ. (ص) وَنُدِبَ قَطْعُهَا لَهُ لِفَذٍّ لَا مُؤْتَمٍّ، وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ. (ش) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ لِلْوِتْرِ وَقْتًا ضَرُورِيًّا يَعْنِي إذَا نَسِيَ الْوِتْرَ فَلَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى شَرَعَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ كَانَ فَذًّا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مَا لَمْ يُسْفِرْ الْوَقْتُ جِدًّا عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِبَعْضِ شُيُوخِهِ خِلَافًا لِابْنِ زَرْقُونٍ، وَيَأْتِي بِالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَيُعِيدُ الْفَجْرَ،
ــ
[حاشية العدوي]
بَعِيدٌ أَيْضًا.
. (قَوْلُهُ: بِوُجُوبِهِ عَلَى الْأَعْيَانِ) أَيْ: خَارِجَ الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُهُ: بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْ: فِي الْمَذْهَبِ فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى الْأَعْيَانِ وَلَوْ فِي الْخَارِجِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكِفَائِيِّ وَلَوْ فِي الدَّاخِلِ (قَوْلُهُ: بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ: عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ أَيْ: فَكَوْنُهُ بِلَا نِزَاعٍ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَيْ: فَبَعْضُهُمْ حَكَى أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ حَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُمْ ادَّعَى أَنَّهُ مَشْهُورٌ لَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ الْعُمْرَةَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ) أَيْ: لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهَا فِي الْمَذْهَبِ دُونَ الْوِتْرِ. (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ) فِي عب وَآكَدُ مِنْ الْعُمْرَةِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ لِجَزْمِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي فِي الْعُمْرَةِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ بِالسُّنِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ دُونَ الْوِتْرِ) اسْتَظْهَرَ عب أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي سُنِّيَّتِهَا وَوُجُوبِهَا بِهَا بِخِلَافِ الْوِتْرِ. (أَقُولُ) بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يَجْزِمَ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ. (فَإِنْ قُلْت) مَا وَجْهُ مَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ. (قُلْت) لِأَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَعْيَانِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْمَذْهَبِ وَالْعَيْنِيَّةِ وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ تُقَدَّمُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَوْ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُخَالِفُ لِهَذَا لَا يُسَلِّمُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: كَلَيْلَةِ الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ لَيْلَةَ الْجَمْعِ، إذَا قُدِّمَ الْفَرْضُ فَأَحْرَى غَيْرُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ الْعِشَاءَ قُدِّمَتْ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَلِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِ إيقَاعِ الصَّلَاةِ إلَخْ) أَيْ: بِخِلَافِ الْوِتْرِ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ أَفْضَلَ. (قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ) أَيْ: بَلْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَيْ: فَيَكُونُ فِعْلُ الْوِتْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ أَفْضَلُ. (قَوْلُهُ: بَلْ إنَّمَا غَايَرَ تَفَنُّنًا) وَتَعَيُّنُ الْمَبْدَأِ ظَاهِرٌ بِدُونِ مِنْ. (قَوْلُهُ: لِصَلَاةِ الصُّبْحِ) أَيْ: لِوَقْتٍ يُدْرِكُ الصُّبْحَ فِي مُخْتَارِهَا بَعْدَ الْفَجْرِ لِنَائِمٍ عَنْهُ أَوْ نَاسِيهِ مَثَلًا كَتَارِكِهِ اخْتِيَارًا مَعَ كَرَاهَةِ تَأْخِيرِهِ لِلْفَجْرِ كَذَا فِي عب. وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ: لِوَقْتٍ يُدْرِكُ الصُّبْحَ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ إلَخْ. مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ. (قَوْلُهُ: عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ بِنَدْبِ قَطْعِ الصُّبْحِ وَرِوَايَةٌ بِجَوَازِ الْقَطْعِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ إبَاحَةَ الْقَطْعِ لَا تُفَوِّتُ الْوَقْتَ بِالشُّرُوعِ هَذَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مِنْ حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ نَعَمْ يَصِحُّ عَلَى حِلِّ الْمَوَّاقِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَقْطَعُ الْإِمَامُ إلَّا إنْ أَسْفَرَ جِدًّا وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يَقْطَعُ. فَعَلَى كَلَامِ الْمَوَّاقِ هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَيْ: الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ الْقَطْعِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْإِمَامِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: اسْتِحْبَابُ الْقَطْعِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَالنَّهْيُ عَنْ الْقَطْعِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُغِيرَةِ قَائِلًا: لَا يَقْطَعُ وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ. وَالتَّخْيِيرُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْبَاجِيِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ الثَّلَاثَ رِوَايَاتٍ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا سِوَى أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَوَّلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلِانْقِضَائِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَذِّ) أَيْ: لِأَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ الْقَطْعُ، وَقَوْلُهُ: وَالْمَأْمُومِ أَيْ: عَلَى غَيْرِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُنْدَبُ لَهُ الْقَطْعُ ثُمَّ رَجَعَ فَقِيلَ بِجَوَازِ الْقَطْعِ وَقِيلَ بِنَدْبِ عَدَمِ الْقَطْعِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ جَوَازُ التَّمَادِي لَا نَدْبُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَشِّي تت وَالرَّاجِحُ جَوَازُ التَّمَادِي لَا نَدْبُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَأْمُومَ كَالْفَذِّ) أَيْ: مَعْنًى أَيْ: بِقَوْلِهِ إلَى الْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُبَاحُ) الْمُرَادُ بِهَا الْإِذْنُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: تَأَمَّلْ) تَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ قَابِلًا لِلْبَحْثِ كَمَا رَأَيْت. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُسْفِرْ الْوَقْتُ جِدًّا) صَادِقٌ بِأَنْ لَا يُسْفِرَ أَوْ يُسْفِرَ لَا جِدًّا. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ زَرْقُونٍ) فَإِنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ إنْ عَقَدَ رَكْعَةً وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي بِالشَّفْعِ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ قَدَّمَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute