للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا كَانَ الْقَمَرُ يَذْهَبُ جُمْلَةُ ضَوْئِهِ كَانَ أَوْلَى بِالْخُسُوفِ مِنْ الْكُسُوفِ، فَيُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ (ص) سُنَّ وَإِنْ لِعَمُودِيٍّ وَمُسَافِرٍ لَمْ يَجِدَّ سَيْرَهُ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَانِ سِرًّا بِزِيَادَةِ قِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ (ش) ابْتِدَاءُ الْمُؤَلِّفِ بِبَيَانِ حُكْمِ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَالْمَشْهُورُ - كَمَا قَالَ - أَنَّهَا سُنَّةٌ، أَيْ: عَيْنٌ يُخَاطَبُ بِهَا النِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ الْمُكَلَّفُونَ، وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلَاةَ، وَسَاكِنُ الْبَادِيَةِ، وَالْمُسَافِرُ الَّذِي لَمْ يَجِدَّ سَيْرَهُ. وَصِفَتُهَا رَكْعَتَانِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ زِيَادَةُ رُكُوعٍ وَقِيَامٍ - كَمَا يَأْتِي - يَقْرَأُ فِيهِمَا سِرًّا عَلَى الْمَشْهُورِ، إذْ لَا خُطْبَةَ لَهَا. وَعَنْ مَالِكٍ جَهْرًا، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ ابْنُ نَاجِي وَبِهِ عَمِلَ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِجَامِعِ الزَّيْتُونَةِ؛ لِئَلَّا يَسْأَمَ النَّاسُ. انْتَهَى. وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ الْإِسْرَارِ فِيهِمَا كَتَأَكُّدِ نَدْبِ الْجَهْرِ فِي الْوِتْرِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ.

قَوْلُهُ: سُنَّ، أَيْ سُنَّةَ عَيْنٍ حَتَّى فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، كَمَا هُوَ مُفَادُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مِمَّا يُسْتَغْرَبُ، وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ يُؤْمَرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ نَدْبًا، وَيُؤْمَرُ بِالْكُسُوفِ اسْتِنَانًا. فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ سُنَّ لِمَأْمُورِ الصَّلَاةِ وَإِنْ مُسَافِرًا لَمْ يَجِدَّ سَيْرَهُ، لَكَانَ أَحْسَنَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِيدِ الَّتِي لَا يُخَاطَبُ بِهَا إلَّا مَنْ يُخَاطَبُ بِالْجُمُعَةِ، أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ صَلَاةُ رَهَبٍ لِحُدُوثِ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَيُؤْمَرُ بِهَا وَبِالدُّعَاءِ، الْعَمُودِيُّ وَغَيْرُهُ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ شُكْرٍ يَتَجَمَّلُونَ فِيهَا بِالثِّيَابِ وَيَقْصِدُونَ الْمُبَاهَاةَ.

(ص) وَرَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ لِخُسُوفِ قَمَرٍ كَالنَّوَافِلِ جَهْرًا بِلَا جَمْعٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ السُّنِّيَّةُ، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَشَهَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا. وَإِنَّمَا قَالَ: رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ - مُكَرِّرًا - لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، لَأَوْهَمَ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهَا تُصَلَّى كَذَلِكَ حَتَّى تَنْجَلِيَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ، وَلَكِنَّ النَّقْلَ يُفِيدُ حُصُولَهَا بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ سَنَدٌ. وَوَقْتُهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ، فَإِنْ طَلَعَ مَكْسُوفًا بُدِئَ بِالْمَغْرِبِ، وَإِنْ كَسَفَ عِنْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُصَلُّوا، وَكَذَا لَوْ خَسَفَ نَهَارًا فَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى غَابَ بِلَيْلٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا.

وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ لَهَا؛ لِفِعْلِهَا فِي الْبُيُوتِ. فَقَوْلُهُ: وَرَكْعَتَانِ، نَائِبُ فَاعِلِ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَسُنَّ رَكْعَتَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ، أَوْ وَنُدِبَ رَكْعَتَانِ لِخُسُوفِ قَمَرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَمَا شَهَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ مِنْ سُنِّيَّتِهَا ضَعِيفٌ. وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَكَالنَّوَافِلِ حَالٌ.

(ص) وَنُدِبَ بِالْمَسْجِدِ (ش) هَذَا رَاجِعٌ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُتَمِّمَ الْكَلَامَ عَلَى كُسُوفِ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَأْتِيَ بِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ، وَلَا نُكْتَةَ فِيمَا فَعَلَهُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَنْ تُفْعَلَ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

مَبْنِيَّيْنِ لِلْمَفْعُولِ يَكُونُ الْفَاعِلُ بِهِمَا ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْأَصْلُ كَسَفَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْ غَيَّرَهُمَا فَظَهَرَ أَنَّ كَسَفَ يَأْتِي لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَمَا أَفَادَهُ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ وَإِنْ لِعَمُودِيٍّ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ اللَّامِ، وَالتَّقْدِيرُ: سُنَّ لِمَأْمُورِ الصَّلَاةِ هَذَا إذَا كَانَ بَلَدِيًّا، بَلْ وَإِنْ عَمُودِيًّا (قَوْلُهُ لَمْ يَجِدَّ سَيْرَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ أَيْ بِأَنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ، أَوْ يُقَيَّدُ بِأَنْ يَجِدَّ لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ كَمَا يُفِيدُهُ شَرْحُ الرِّسَالَةِ وَالسَّنْهُورِيُّ وَتت حَيْثُ قَالَ: لَا أَنَّ ذَلِكَ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةَ مَا جَدَّ السَّيْرَ لِأَجْلِهِ، وَمُفَادُ عب أَنَّهُ الرَّاجِحُ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ فَنَقُولُ فَقَوْلُهُ: لَمْ يَجِدَّ سَيْرَهُ كَأَنْ جَدَّ لِقَطْعِ مَسَافَةٍ لَا لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ يَخَافُ فَوَاتَهُ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ. (قَوْلُهُ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ) أَيْ: ذَهَابِ ضَوْئِهَا كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، إلَّا أَنْ يَقِلَّ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَلَا يُصَلَّى لَهُ (قَوْلُهُ رَكْعَتَانِ) أَيْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ بِزِيَادَةِ قِيَامَيْنِ) أَيْ مَعَ زِيَادَةٍ. . . إلَخْ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّ سَنَدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْقِيَامَ أَوْ الرُّكُوعَ الزَّائِدَ سَهْوًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَأَمَّا الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ الْأَصْلِيُّ فَهُوَ فَرْضٌ فَلَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ - كَمَا قَالَ - إنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ) وَمُقَابِلُهُ: تَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ: قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِيهَا.

(قَوْلُهُ وَهَذَا مِمَّا يُسْتَغْرَبُ) لَا غَرَابَةَ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ لِصِغَرِهِمْ وَعَدَمِ ارْتِكَابِهِمْ لِلْمُخَالَفَاتِ يُرْجَى قَبُولُ دُعَائِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ. فَقَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ. . . إلَخْ، هَذَا يَدْفَعُ الِاسْتِغْرَابَ (قَوْلُهُ رَهَبٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ: خَوْفٍ. (قَوْلُهُ لِحُدُوثِ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. . . إلَخْ) أَيْ: لِأَجْلِ. . . إلَخْ وَلِذَلِكَ قِيلَ سَبَبُ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَوِّفَ عِبَادَهُ حَبَسَ عَنْهُمْ ضَوْءَ الشَّمْسِ؛ لِيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ إذَا حُبِسَتْ لَمْ يَنْتَهِ زَرْعٌ وَلَمْ يَجِفَّ. (قَوْلُهُ فَيُؤْمَرُ بِهَا وَبِالدُّعَاءِ، الْعَمُودِيُّ) الْمُنَاسِبُ: أَنْ يَقُولَ فَيُؤْمَرُ بِهَا الصَّبِيُّ لِكَوْنِهِ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ يُرْجَى قَبُولُ دُعَائِهِ قَالَ فِي ك: وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ يُخَاطَبُ بِهَا وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهُ.

(قَوْلُهُ لِخُسُوفِ قَمَرٍ) أَيْ: ذَهَابِ ضَوْئِهِ أَوْ بَعْضِهِ، إلَّا أَنْ يَقِلَّ جِدًّا. (قَوْلُهُ وَكَالنَّوَافِلِ) أَيْ: اللَّيْلِيَّةِ بِقِيَامٍ وَاحِدٍ وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قَالَ اللَّقَانِيِّ: وَقَوْلُهُ: كَالنَّوَافِلِ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: جَهْرًا، وَبِلَا جَمْعٍ، وَمَقْصُودُهُ التَّصْرِيحُ بِالْأَحْكَامِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ عَدَمُ افْتِقَارِهَا لِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا كَسَائِرِ النَّوَافِلِ، بِخِلَافِ خُسُوفِ الشَّمْسِ تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ. (قَوْلُهُ حَتَّى تَنْجَلِيَ) أَيْ: فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ أَيْ: وَرَكْعَتَانِ، وَهَكَذَا فَلَيْسَ الْقَصْدُ خُصُوصَ الْأَرْبَعِ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ النَّقْلَ يُفِيدُ. . . إلَخْ) أَيْ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ أَوْ النَّدْبِيَّةِ يَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي طَلَبَ زَائِدٍ كَصَلَاةِ الضُّحَى فَإِنَّ أَصْلَهَا يَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْنِ مَعَ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٍ (قَوْلُهُ أَيْ وَسُنَّ رَكْعَتَانِ) لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَلْ يُعْطَفُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: رَكْعَتَانِ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْفِعْلِ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الْمَعْرُوفَةِ، فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ يَجْعَلُ قَوْلَهُ: رَكْعَتَانِ مُبْتَدَأً، وَقَوْلَهُ كَالنَّوَافِلِ خَبَرًا. أَيْ: حُكْمًا وَكَيْفِيَّةً.

(قَوْلُهُ وَلَا نُكْتَةَ فِيمَا فَعَلَهُ) تُجَابُ بِأَنَّ فِيهِ نُكْتَةً وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْحُكْمَيْنِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>