الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إلَى الْفِعْلِ، أَيْ: وَنُدِبَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ تَنْجَلِيَ قَبْلَ الْإِتْيَانِ إلَى الْمُصَلَّى.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ شَاءُوا فَعَلُوهَا فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الشَّيْخُ، وَهَذَا إذَا وَقَعَتْ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ. فَأَمَّا الْفَذُّ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي بَيْتِهِ، وَلَا أَذَانَ لَهَا وَلَا إقَامَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْفَرْضِ ابْنُ عُمَرَ. وَلَا يُقَالُ: الصَّلَاةَ جَامِعَةَ ابْنُ نَاجِي نَقَلَ ابْنُ هَارُونَ أَنَّهُ لَوْ نَادَى مُنَادٍ: الصَّلَاةَ جَامِعَةَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةَ، وَيُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِهِ كَالتَّكْبِيرِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
(ص) وَقِرَاءَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ مُوَالَيَاتِهَا فِي الْقِيَامَاتِ (ش) يَعْنِي أَنْ يُنْدَبَ أَنْ يَقْرَأَ بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ بِنَحْوِ مُوَالَيَاتِهَا - وَهِيَ: آلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ - فِي الْقِيَامَاتِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ كُلِّ رُكُوعٍ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ فَاتِحَةٌ، وَلِأَنَّ كُلَّ قِيَامٍ تُسَنُّ فِيهِ الْقِرَاءَةُ تَجِبُ فِيهِ الْفَاتِحَةُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ لَا تُكَرَّرُ الْفَاتِحَةُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تُقْرَأُ فِي رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ. (ص) وَوَعْظٌ بَعْدَهَا (ش) أَيْ وَنُدِبَ الْوَعْظُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوَعْظَ إذَا وَرَدَ بَعْدَ الْآيَاتِ يُرْجَى تَأْثِيرُهُ، وَلَيْسَ هُنَا خُطْبَةٌ وَإِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمَّتْ مَا وَقَعَ مِنْ الْوَعْظِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَحَمِدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ - خُطْبَةً؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، نَقَلُوا صِفَةَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَطَبَ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَطَبَ وَأَغْفَلَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مَعَ نَقْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا تَعَلَّقَ بِتِلْكَ الْحَالِ، فَوَجَبَ حَمْلُ تَسْمِيَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خُطْبَةً عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَتَى بِكَلَامٍ مَنْظُومٍ فِيهِ حَمْدُ اللَّهِ وَصَلَاةٌ عَلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى طَرِيقِ مَا يَأْتِي فِي الْخُطْبَةِ، فَلِذَلِكَ سَمَّتْهَا خُطْبَةً، وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ قَوْلِهِ: وَوَعْظٌ، عَنْ قَوْلِهِ: كَالرُّكُوعِ.
. (ص) وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ وَسَجَدَ كَالرُّكُوعِ (ش) أَيْ: وَرَكَعَ رُكُوعًا يَقْرُبُ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَيْ: وَرَكَعَ كُلَّ رُكُوعٍ كَالْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهُ أَيْ: قَرِيبًا مِنْهَا فِي الطُّولِ وَلَا يُسَاوِيهَا فِيهِ، وَبِهَذَا يُوَافِقُ الْمُدَوَّنَةَ. وَكَذَلِكَ يَسْجُدُ كُلَّ سُجُودٍ كَرُكُوعِهِ وَلَوْ تَرَكَ التَّطْوِيلَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ سَهْوًا، سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ التَّطْوِيلَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَمَّا عَمْدًا فَيَجْرِي عَلَى تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا. وَفِي كِتَابَةٍ أُخْرَى وَذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَالشَّامِلِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّطْوِيلَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ سَجَدَ.
ــ
[حاشية العدوي]
مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ نَظَرًا لِلْفِعْلِ) أَيْ: نَظَرًا لِلْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا وَيُسْنَدُ، فَقَوْلُهُ أَيْ: وَنُدِبَ فِعْلُهَا أَيْ: فِعْلُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَالْمُنَاسِبُ لِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: نَظَرًا لِفِعْلِهِمَا، وَالتَّقْدِيرُ: وَنُدِبَ فِعْلُهُمَا. بَقِيَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَافَ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَنُدِبَ إيقَاعُهُمَا بِالْمَسْجِدِ فَيُرَدُّ أَنَّ الْإِيقَاعَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ مَحْضٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّدْبُ وَلَا غَيْرُهُ. وَالْجَوَابُ - كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَحَلِّيِّ - أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْنَدَ الْحُكْمُ لِلْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ. (قَوْلُهُ الشَّيْخُ وَهَذَا إذَا وَقَعَتْ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ هَذَا كَلَامُهُ فِي تَوْضِيحِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُنَادَى: الصَّلَاةَ. . . إلَخْ) أَيْ: يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّهُ قَوِيُّ الْمَدْرَكِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ مُوَالَيَاتِهَا. . . إلَخْ) وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ الثَّانِي أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ النَّصَّ نَدَبَ كَوْنَ كُلِّ قِيَامٍ أَقْصَرَ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ مَعَ إسْرَاعِ قِرَاءَتِهَا يَكُونُ قِيَامُهَا أَقْصَرَ مِنْ قِيَامِ آلِ عِمْرَانَ مَعَ التَّرْتِيلِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْمَنْدُوبُ تَقْصِيرُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى، وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ أَقْصَرُ مِنْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يُنْدَبُ. . . إلَخْ) إنَّمَا قُدِّرَ نَحْوُ - كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ - لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنَّفِ أَنَّ النَّدْبَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِقِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ مُوَالَيَاتِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ قَدْرَهَا مِنْ غَيْرِهَا أَتَى بِالْمَطْلُوبِ، إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي ك، وَنَصُّهُ: وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ: وَإِذَا حَمَلْنَا النَّحْوَ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ يَقُومُ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، عَلَى الشَّيْءِ نَفْسِهِ - كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي كَلَامِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ - فَلَا يَحْتَاجُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا إلَى تَقْدِيرٍ، وَأَنَّ قِرَاءَةَ مَا ذُكِرَ مِنْ السُّورَةِ هُوَ الْأَوْلَى، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا اعْتِرَاضَ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ تُسَنُّ فِيهِ الْقِرَاءَةُ) عَلَيْهِمَا الْقَوْلَيْنِ أَنَّ تَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فَلَا. (قَوْلُهُ أَيْ وَنُدِبَ الْوَعْظُ إلَخْ) أَيْ فَيُذَكِّرُهُمْ بِالْعَوَاقِبِ وَيَأْمُرُهُمْ بِالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ إذَا وَرَدَ بَعْدَ الْآيَاتِ) أَيْ: وَرَدَ بَعْدَ الْآيَاتِ وَالصَّلَاةِ؛ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَوَعْظٌ بَعْدَهَا. أَيْ: بَعْدَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ بَعْدَ الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْكُسُوفُ.
(قَوْلُهُ يَقْرُبُ مِنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ: لَا أَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُ وَيُسَبِّحُ فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا يَدْعُو. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يَسْجُدُ كُلَّ سُجُودٍ كَرُكُوعِهِ) أَيْ: يَسْجُدُ كَالرُّكُوعِ الثَّانِي أَيْ: يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الطُّولِ، لَا أَنَّهُ كَهُوَ سَنَدٌ. وَلَا يُطِيلُ الْفَصْلَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِطَالَةُ فِي السُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الرُّكُوعِ دُونَ الْقِيَامِ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ السُّجُودِ أَيْ: تَكُونُ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ، وَالرَّابِعَةُ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَ التَّطْوِيلَ) قَدْ أَشَارَ الْحَطَّابُ إلَى أَنَّ السُّجُودَ لِتَرْكِ التَّطْوِيلِ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ فِي السُّجُودِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ اهـ. إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ مُسْتَحَبٌّ، وَكَذَلِكَ التَّطْوِيلُ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ وَعَلَيْهِ فَلَا سُجُودَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.