وَالِاعْتِبَارِ، وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ لَا هَذِهِ الْأَذْكَارُ الْمُبْتَدَعَةُ لِكُلِّ عُضْوٍ فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ. وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُ عَلَى الدَّكَّةِ وَيَجْعَلُ الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، بَلْ يَقِفُ بِالْأَرْضِ وَيُقَلِّبُهُ حِينَ غُسْلِهِ، وَهَذَا الِارْتِفَاعُ غَيْرُ الِارْتِفَاعِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لِئَلَّا تَنَالَهُ الْهَوَامُّ، وَهَذَا لِئَلَّا يَقَعَ شَيْءٌ مِنْ مَاءِ غُسْلِهِ عَلَى الَّذِي يُغَسِّلُهُ، وَلِيَتَمَكَّنَ غَاسِلُهُ مِنْ تَغْسِيلِهِ. وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا إيتَارُ الْغُسْلِ، وَأَحْسَنُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَيَجْعَلُ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا إنْ تَيَسَّرَ. وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَابْنُ حَبِيبٍ السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ وِتْرًا وَكَذَلِكَ غُسِّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِالسَّابِعَةِ فَلَا يُطْلَبُ بَعْدَهَا وِتْرٌ.
وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ إيتَارُ الْكَفَنِ. قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ ذَلِكَ. الْإِبْيَانِيُّ يُرِيدُ غَيْرَ الْعِمَامَةِ وَالْمِئْزَرِ - ابْنُ حَبِيبٍ تُعَدُّ فِيهَا الْعِمَامَةُ وَالْمِئْزَرُ وَالْقَمِيصُ وَيُلَفُّ فِي ثَوْبَيْنِ، وَالسَّبْعُ لِلْمَرْأَةِ. وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ غُسْلِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ وُطِئَتْ الْمَيِّتَةُ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ غُسْلُهُ وَلَا وُضُوءُهُ، بَلْ تُغْسَلُ النَّجَاسَةُ فَقَطْ عَنْ بَدَنِهِ وَكَفَنِهِ؛ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ، وَالْقَدْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ تَعَبُّدًا قَدْ فُعِلَ (ص) وَعَصْرُ بَطْنِهِ بِرِفْقٍ وَصَبُّ الْمَاءِ فِي غَسْلِ مَخْرَجِهِ بِخِرْقَةٍ، وَلَهُ الْإِفْضَاءُ إنْ اُضْطُرَّ وَتَوْضِئَتُهُ وَتَعَهُّدُ أَسْنَانِهِ وَأَنْفِهِ بِخِرْقَةٍ وَإِمَالَةُ رَأْسِهِ لِمَضْمَضَةٍ وَعَدَمُ حُضُورِ غَيْرِ مُعِينٍ وَكَافُورٌ فِي الْأَخِيرَةِ وَنَشْفٌ وَاغْتِسَالُ غَاسِلِهِ (ش) هَذِهِ أَيْضًا مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْغُسْلِ. قَالَ فِيهَا: وَيُعْصَرُ بَطْنُهُ عَصْرًا خَفِيفًا. قَالَ أَشْهَبُ: وَإِذَا عَصَرَ بَطْنَهُ فَلْيَأْمُرْ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ أَنْ لَا يَقْطَعَ مَا دَامَ ذَلِكَ يُغَسِّلُ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَيَلُفُّ عَلَى يَدَيْهِ شَيْئًا كَثِيفًا لَا يَجِدُ مَعَهُ لِينَ مَا تَمُرُّ عَلَيْهِ الْيَدُ، ثُمَّ يَغْسِلُ تِلْكَ الْخِرْقَةَ وَيَغْسِلُ يَدَهُ وَيَأْخُذُ خِرْقَةً أُخْرَى عَلَى يَدِهِ وَيُدْخِلُهَا فِي فَمِهِ؛ لِيُنَظِّفَ أَسْنَانَهُ، وَيُدْخِلُ فِي أَنْفِهِ الْمَاءَ ثَلَاثًا وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَى الْإِفْضَاءِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ عَلَى الدَّكَّةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ وَتُجْمَعُ عَلَى دِكَكٍ كَقَصْعَةٍ وَقِصَعٍ. (قَوْلُهُ وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا إيتَارُ الْغُسْلِ) وَاسْتِحْبَابُ الْإِيتَارِ إنَّمَا هُوَ إذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِمَا قَبْلَهُ كَمَا إذَا حَصَلَ بِالسَّادِسَةِ فَتُنْدَبُ السَّابِعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِالسَّابِعَةِ فَلَا يُطْلَبُ الْوِتْرُ بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا) خَبَرٌ لِكَانَ مَحْذُوفَةٍ تَقْدِيرُهُ: أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا. قَالَ بَهْرَامُ: وَيُسْتَحَبُّ إيتَارُ الْغُسْلِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي أَمْرِ ابْنَتِهِ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» . . . الْحَدِيثَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَحْسَنُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ أَيْ: وَأَكْثَرَ إذَا احْتَاجَ الْحَالُ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ خِلَافَ الْأَحْسَنِ مِنْ الَّذِي جَاءَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ بِالسِّدْرِ وَلَوْ الْأُولَى، فَيُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ أَنَّ الْمُرَادَ مَا عَدَا الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ وَهُوَ الْمُتَعَيِّنُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ مَجْمُوعِ النُّصُوصِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ غُسِّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهَلْ غُسِّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ لَا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) اخْتَلَفَ الْإِبْيَانِيُّ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي الْأَثْوَابِ فَفَهِمَ الْإِبْيَانِيُّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ الْقَمِيصُ وَاللِّفَافَتَانِ، وَسَكَتَ الْإِمَامُ عَنْ الْعِمَامَةِ وَالْمِئْزَرِ، وَفَهِمَ ابْنُ حَبِيبٍ كَلَامَ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ الْعِمَامَةُ وَالْمِئْزَرُ وَالْقَمِيصُ، وَسَكَتَ عَنْ اللِّفَافَتَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُلَفُّ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ خَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا، وَمُفَادُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي فِيهَا يَعُودُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَيُعَدُّ فِيهَا كُلٌّ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالْمِئْزَرِ وَالْقَمِيصِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْكَفَنِ تَشْبِيهٌ فِي الْإِيتَارِ فَقَطْ لَا فِيهِ وَفِي السَّبْعِ خِلَافًا لتت إذْ لَا يَتَأَتَّى فِي الرَّجُلِ لِأَنَّ كَفَنَهُ خَمْسَةٌ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِيتَارُ فِيمَا زَادَ عَلَى اثْنَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِسَبْعٍ، مُتَعَلِّقٌ بِالْإِيتَارِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ كَالْكَفَنِ تَشْبِيهٌ فِيهِ وَفِي الْإِيتَارِ، وَفِي كِتَابَةٍ أُخْرَى رَاجِعٌ لَهُمَا لَكِنَّهُ فِي الْكَفَنِ لِسَبْعٍ فِي الْمَرْأَةِ وَفِي الرَّجُلِ إلَى خَمْسٍ وَفِي الْغُسْلِ عَامٌّ فِيهِمَا، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مُوَزَّعٌ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ غُسْلُهُ. . . إلَخْ) أَيْ: يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ كَذَا فِي شَرْحِ شب. (قَوْلُهُ بَلْ تُغْسَلُ النَّجَاسَةُ فَقَطْ) أَيْ: مِنْ بَدَنِهِ أَوْ كَفَنِهِ وُجُوبًا أَوْ اسْتِنَانًا عَلَى مَا مَرَّ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
(قَوْلُهُ وَصَبُّ الْمَاءِ) أَيْ: وَنُدِبَ صَبُّ الْمَاءِ مُتَتَابِعًا فَالنَّدْبِيَّةُ مَصَبُّهَا التَّتَابُعُ وَإِلَّا فَأَصْلُ الصَّبِّ وَاجِبٌ. (قَوْلُهُ بِخِرْقَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: وَيُغَسَّلُ وُجُوبًا بِخِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ وَيَغْسِلُ الْمَخْرَجَيْنِ بِيَسَارِهِ وَبَقِيَّةَ الْجَسَدِ بِيَمِينِهِ. (قَوْلُهُ وَتَوْضِئَتُهُ) أَيْ: قَبْلَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَبَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى مَرَّةً (قَوْلُهُ وَتَعَهُّدُ أَسْنَانِهِ. . . إلَخْ) هَذَا قَبْلَ الْوُضُوءِ فِيمَا يَظْهَرُ. (قَوْلُهُ وَأَنْفِهِ بِخِرْقَةٍ) أَيْ: مَبْلُولَةٍ (قَوْلُهُ وَإِمَالَةُ رَأْسِهِ) أَيْ: بِرِفْقٍ. (قَوْلُهُ لِمَضْمَضَةٍ) أَيْ: وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ فِيمَا يَظْهَرُ. (قَوْلُهُ وَنَشْفٌ) وَانْظُرْ لِمَ عُدِلَ عَنْ قَوْلِهِ: وَتَنَشُّفٌ مَعَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَلَفْظُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. (قَوْلُهُ مَا دَامَ ذَلِكَ) أَيْ: الْغَاسِلُ أَيْ: مَا دَامَ ذَلِكَ الْغَاسِلُ. (قَوْلُهُ مَا أَقْبَلَ) أَيْ: وَهُوَ الْقُبُلُ وَقَوْلُهُ وَمَا أَدْبَرَ أَيْ: وَهُوَ الدُّبُرُ وَهُوَ مَفْعُولُ قَوْلِهِ: يُغَسِّلُ. (قَوْلُهُ وَيَلُفُّ عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ: فِي حَالِ غُسْلِ دُبُرِهِ وَقُبُلِهِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَغْسِلُ تِلْكَ الْخِرْقَةَ) أَيْ: نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ، إمَّا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي أَمْرٍ زَائِدٍ، أَوْ أَنَّهُ وَإِنْ طُرِحَتْ لَا يَنْبَغِي طَرْحُهَا وَهِيَ مُتَلَوِّثَةٌ بِالْقَذَرِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَذَى. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ لِبَهْرَامَ وَقَوْلُهُ: فِي فَمِهِ لِيُنَظِّفَ أَسْنَانَهُ أَيْ: وَكَذَا أَنْفُهُ لِيُنَظِّفَهُ، وَقَوْلُهُ: وَيُدْخِلُ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ ثَلَاثًا، الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الِاسْتِنْشَاقِ فَتَكُونُ الْأُولَى سُنَّةً وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مُسْتَحَبَّانِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي حَالِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ لَا ذِكْرَهُ هُنَا.
(قَوْلُهُ وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَى الْإِفْضَاءِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي ك وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا غَسَّلَ الْمُحْرِمُ الْمَرْأَةَ مِنْ مَحَارِمِهِ أَوْ غَسَّلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مِنْ مَحَارِمِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute