للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ

(ص) وَمَشْيُ مُشَيِّعٍ وَإِسْرَاعُهُ وَتَقَدُّمُهُ وَتَأَخُّرُ رَاكِبٍ وَامْرَأَةٍ وَسَتْرُهَا بِقُبَّةٍ (ش) هَذِهِ مُسْتَحَبَّاتُ التَّشْيِيعِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشَيَّعَ الْمَيِّتَ مَاشِيًا فِي ذَهَابِهِ لِلصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ، وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ وَلَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَ الدَّفْنِ، وَيُسْتَحَبُّ إسْرَاعُ الْمُشَيِّعِ - حَامِلًا أَوْ غَيْرَهُ - لِخَبَرِ: «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهُ أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي الْمَشْيِ بِجَنَائِزِكُمْ» لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَدُونَ الْخَبَبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَصْدِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ مَا يَشْمَلُ الْخَبَبَ؛ لِأَنَّ فِي شُمُولِهِ لِلْخَبَبِ مُنَافَاةً لِحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمَيِّتِ وَإِضْرَارًا بِالْمُشَيِّعِينَ.

وَيُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ الْمُشَيِّعِ - إنْ كَانَ غَيْرَ رَاكِبٍ - وَإِلَّا تَأَخَّرَ. كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ التَّأْخِيرُ وَرَاءَهَا لِلسَّتْرِ - ابْنُ شَعْبَانَ، وَيَكُنَّ وَرَاءَ الرُّكْبَانِ، فَإِذَا مَشَى الْمُشَيِّعُ وَأَسْرَعَ وَتَقَدَّمَ حَصَلَ لَهُ ثَلَاثُ فَضَائِلَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الرَّاكِبُ حَصَلَ لَهُ فَضِيلَتَانِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ التَّشْيِيعِ فَقَطْ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُجْعَلَ قُبَّةٌ عَلَى ظَهْرِ نَعْشِ الْمَرْأَةِ لِلسَّتْرِ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي نَعْشِ الرَّجُلِ، وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ آكَدُ - أَشْهَبُ. وَمَا أَكْرَهُ أَنْ يُسْتَرَ الْقَبْرُ فِي دَفْنِ الرِّجَالِ، وَأَمَّا فِي الْمَرْأَةِ فَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي (ص) وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ بِأُولَى التَّكْبِيرِ وَابْتِدَاءٌ بِحَمْدٍ وَصَلَاةٍ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِسْرَارُ دُعَاءٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى خَاصَّةً عَلَى الْمَشْهُورِ - إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا - وَالرَّفْعُ فِي غَيْرِهَا خِلَافُ الْأَوْلَى. وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ بِالْحَمْدِ وَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا السُّورَةُ الْمَعْهُودَةُ فَإِنَّ قِرَاءَتَهَا مَكْرُوهَةٌ - الْقَرَافِيُّ، يَقْرَؤُهَا وَرَعًا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ الْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَوٍ عَلَى ثَنَاءٍ وَصَلَاةٍ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِسْرَارُ بِذَلِكَ أَفْضَلُ.

(ص) وَرَفْعُ صَغِيرٍ عَلَى أَكُفٍّ (ش) أَيْ: يُنْدَبُ حَمْلُهُ فِي الذَّهَابِ بِهِ إلَى الْمُصَلَّى وَالْقَبْرِ عَلَى الْأَيْدِي وَلَا يُحْمَلُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ نَعْشٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الْمُفَاخَرَةِ. وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ مَنْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْيَدَيْنِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ، وَلَوْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا فِي مُسْتَحَبَّاتِ التَّشْيِيعِ لَكَانَ أَوْلَى.

(ص) وَوُقُوفُ إمَامٍ بِالْوَسَطِ وَمَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ وُقُوفُ إمَامٍ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَعِنْدَ مَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِئَلَّا

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ وَتَقَدُّمُهُ) أَيْ: وَشَأْنُ الشَّافِعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ وَتَأَخُّرُ رَاكِبٍ) أَيْ: لِيُخَفِّفَ عَنْ النَّاسِ. (قَوْلُهُ وَسَتْرُهَا بِقُبَّةٍ) سُئِلَ بَعْضُهُمْ لِمَ اخْتَصَّتْ بِذَلِكَ وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا لَا يَلْزَمُ إخْفَاءُ شَخْصِهَا بَلْ بِسَتْرِ جَمِيعِ جَسَدِهَا فَقَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ عَلَى الْأَعْنَاقِ وَتَعَيَّنَ شَخْصُهَا زِيدَ فِي سَتْرِهَا حَتَّى لَا يُعْلَمَ طُولُهَا مِنْ قِصَرِهَا وَلَا هُزَالُهَا مِنْ سِمَنِهَا وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا مُخْتَلِطَةٌ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَمْرَهَا فَجُعِلَ لَهَا أَتَمُّ السَّتْرِ (قَوْلُهُ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ) حَدِيثُ الْمُوَطَّأِ: «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهُ إلَيْهِ أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» قَالَ شَارِحُنَا: بَعُدَ قَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ: الْخَيْرِ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ أَوْ الْإِكْرَامِ الْحَاصِلِ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَيُسْرَعُ بِهِ لِيَلْقَاهُ قَرِيبًا وَذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَوْ شَرٌّ. . . إلَخْ مَا نَصُّهُ فَلَا مَصْلَحَةَ لَكُمْ فِي مُصَاحَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَجَوَابُهُ فَإِنَّمَا هُوَ أَيْ: الْإِسْرَاعُ سَبَبُ خَيْرٍ تُقَدِّمُونَ الْمَيِّتَ إلَيْهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْحَلِّ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمُتَقَابِلَيْنِ.

(أَقُولُ) إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ شَارِحُنَا أَرَادَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فَقَدْ أَسْقَطَ شَيْئًا مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَادَ حَدِيثًا آخَرَ وَرَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ: تُقَدِّمُونَهُ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْمُوَافَقَةِ أَوْ لَا تَقْدِيرَ وَالْمَعْنَى فَإِنَّمَا هُوَ أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَنَائِزِ خَيْرٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَوْتِهَا مِنْ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا مُصِيبَةٌ، وَإِمَّا شَرٌّ أَيْ: الْجَنَائِزُ أَيْ: الْأَمْوَاتُ شَرٌّ بِاعْتِبَارِ شِقْوَتِهَا فَلَا خَيْرَ لَكُمْ فِي صُحْبَتِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ الثَّوَابَ أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يُنْظَرْ لَهُ إنَّمَا نُظِرَ لِدَفْعِ الشَّرِّ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ آكَدُ) يَقْتَضِي أَنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي الرَّجُلِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْمَرْأَةِ آكَدُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُلْبَسُ عَلَى الْمُصَلَّى. (قَوْلُهُ وَمَا أَكْرَهُ. . . إلَخْ) أَيْ: فَهُوَ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. (قَوْلُهُ وَابْتِدَاءٌ بِحَمْدٍ) أَيْ: بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ حَقِيقِيٌّ وَقَوْلُهُ وَصَلَاةٍ. . . إلَخْ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ الرَّفْعُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْفَعُ فِي الْأُولَى لَا فِي غَيْرِهَا وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: إنْ شَاءَ رَفَعَ بَعْدَ الْأُولَى وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْفَعْ فَهِيَ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ. (قَوْلُهُ لَا السُّورَةُ الْمَعْهُودَةُ) أَيْ: الَّتِي هِيَ الْفَاتِحَةُ. (قَوْلُهُ مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ: خِلَافِ الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْمِعَ بِهَا نَفْسَهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا لَمْ يُسْمِعْ فِيهِ نَفْسَهُ كَالْعَدَمِ. ابْنُ عَرَفَةَ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ ابْنَ زِنًا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ تُبْنَى عَلَى الْحَقَائِقِ وَأُمُورَ الدُّنْيَا تُبْنَى عَلَى الظَّوَاهِرِ (قَوْلُهُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ نَعْشٍ) أَيْ: فَيَكُونُ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِيمَا يَظْهَرُ وَكَوْنُهُ ضَرْبًا مِنْ الْمُفَاخَرَةِ إنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَظِنَّةِ

. (قَوْلُهُ وَوُقُوفُ إمَامٍ بِالْوَسَطِ) قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُلَاصِقَهَا بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ. اهـ. زَادَ ق قِيلَ قَدْرُ شِبْرٍ وَقِيلَ ذِرَاعٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا كَبِيرُ تَفَاوُتٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ عَظْمُ الذِّرَاعِ ك. (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقِفُ أَيْضًا عِنْدَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ اللَّخْمِيُّ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَامَ فِي امْرَأَةٍ عِنْدَ وَسَطِهَا.» قَالَ الْبَدْرُ: وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ وَسَطِهَا كَمَا فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فَلَا يُتَوَهَّمُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ اهـ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>