يَتَذَكَّرَ إنْ وَقَفَ وَسَطَهَا مَا يَشْغَلُهُ أَوْ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ. وَإِنَّمَا حَذَفَ الْمُؤَلِّفُ الرَّجُلَ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمَرْأَةُ. وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَصِفَةُ وُقُوفِهِ مِثْلُ الْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَوُقُوفُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: وَوُقُوفُ ذَكَرٍ عَنْ يَمِينِهِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ عَلَى امْرَأَةٍ فَتَقِفُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَأَمَّا عَلَى الرَّجُلِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَقِفُ عِنْدَ مَنْكِبَيْ الرَّجُلِ.
(ص) وَرَأْسُ الْمَيِّتِ عَنْ يَمِينِهِ (ش) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ يَعْنِي أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَجْعَلُ رَأْسَ الْمَيِّتِ عَنْ يَمِينِهِ. وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ، وَأَمَّا فِيهَا فَيَجْعَلُ الْإِمَامُ رَأْسَ الْمَيِّتِ عَنْ يَسَارِهِ لِتَكُونَ رِجْلَاهُ لِغَيْرِ جِهَةِ قَبْرِهِ. - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ.
(ص) وَرَفْعُ قَبْرٍ كَشِبْرٍ مُسَنَّمًا (ش) أَيْ: يُجْعَلُ وَسَطُهُ كَهَيْئَةِ السَّنَامِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِيُعْرَفَ بِهِ. وَإِنْ زِيدَ عَلَى التَّسْنِيمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرَاهَةُ مَالِكٍ لِرَفْعِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى رَفْعِهِ بِالْبِنَاءِ، لَا رَفْعِ تُرَابِهِ عَلَى الْأَرْضِ مُسَنَّمًا. وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهَا عِيَاضٌ لِأَنَّ قَبْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُسَنَّمٌ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَكَذَا قَبْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ تَسْطِيحِهَا؛ لِأَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشِعَارُ الرَّوَافِضِ. وَفَهِمَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّسْنِيمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى كَرَاهَتِهِ فَيُسَطَّحُ) وَضَعَّفَهُ عِيَاضٌ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّسْنِيمِ الْمَذْكُورِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِآثَارِهَا لَا لِأَجْوِبَتِهَا، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَذْهَبِنَا جَوَازُ التَّسْنِيمِ، بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَلَمْ يُنَصَّ فِي الْأُمَّهَاتِ عَلَى خِلَافِهِ.
(ص) وَحَثْوُ قَرِيبٍ فِيهِ ثَلَاثًا (ش) يُرِيدُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْقَبْرِ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَفِيرِهِ أَنْ يَحْثِيَ فِيهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا، وَيَقُولَ فِي الْأُولَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: ٥٥] وَفِي الثَّانِيَةِ: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: ٥٥] وَفِي الثَّالِثَةِ: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَبْرِ ابْنِ مَظْعُونٍ - مَالِكٌ. لَا أَعْرِفُ حَثَيَاتِ التُّرَابِ عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ، وَلَا سَمِعْت مَنْ أَمَرَ بِهِ. وَاَلَّذِينَ يَلُونَ دَفْنَهَا يَلُونَ رَدَّ التُّرَابِ عَلَيْهَا، فَانْظُرْ كَيْفَ اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ مَالِكٍ، لَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ. قَالَ بَعْضٌ: وَإِنَّمَا نَفَى مَالِكٌ مَعْرِفَتَهُ وَسَمَاعَهُ، فَلَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُنْكِرْهُ.
(ص) وَتَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ (ش) ابْنُ رُشْدٍ: إرْسَالُ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَيِّتِهِمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا لِلنِّيَاحَةِ مِنْ الْفِعْلِ الْحَسَنِ الْمُرَغَّبِ فِيهِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ. (ص) وَتَعْزِيَةٌ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ تَعْزِيَةٌ لِخَبَرِ: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ. ابْنُ حَبِيبٍ فِي التَّعْزِيَةِ ثَوَابٌ كَثِيرٌ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا تَهْوِينُ الْمُصِيبَةِ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
لِأَنَّهُ يَسْتُرُهَا عَنْ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ حَيْثُ وَقَفَ الْإِمَامُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَازَ (قَوْلُهُ وَالتَّعْلِيلُ) أَيْ: الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ التَّذَكُّرُ (قَوْلُهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَلَوْ أَتَى بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُشْعِرَ بِالْمَنْدُوبِ
. (قَوْلُهُ مُسَنَّمًا) أَيْ: وَسَطُهُ كَهَيْئَةِ السَّنَامِ أَيْ: سَنَامِ الْبَعِيرِ. (قَوْلُهُ لِيُعْرَفَ بِهِ) فِيهِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَأْتِي بِالتَّسْطِيحِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ
(قَوْلُهُ وَإِنْ زِيدَ عَلَى التَّسْنِيمِ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ كَثْرَةُ التُّرَابِ بِحَيْثُ يَكُونُ جِرْمًا مُسَنَّمًا عَظِيمًا وَقَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْ: أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ: اسْتِحْبَابِ التَّسْنِيمِ كَمَا أَفَادَهُ الْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ تَسْطِيحِهَا) أَيْ: تَسْنِيمُ قُبُورِ هَؤُلَاءِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ تَسْطِيحِهَا أَيْ: فَقَدْ رُوِيَتْ قُبُورُ هَؤُلَاءِ بِرِوَايَتَيْنِ التَّسْطِيحِ وَالتَّسْنِيمِ، وَرِوَايَةُ التَّسْنِيمِ أَقْوَى. (قَوْلُهُ وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى كَرَاهَتِهِ) أَيْ: كَمَا تُؤُوِّلَتْ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ.
وَقَالَ تت: وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُ تَجْصِيصَ الْقُبُورِ وَالْبِنَاءَ عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي يَكْبُرُهَا لَا ارْتِفَاعَ تُرَابِهَا عَنْ الْأَرْضِ كَالشِّبْرِ عَلَى هَيْئَةِ السَّنَامِ. وَمِمَّنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى هَذِهِ عِيَاضٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ تت. وَقَوْلُهُ: وَشِعَارُ الزِّيُّ وَالشِّعَارُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ فَيُسَطَّحُ) أَيْ: وَلَكِنْ لَا يُسَوَّى بِالْأَرْضِ وَهَلْ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَدْرَ مَا يُعْرَفُ. خِلَافٌ مُسْتَفَادٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ وَحُلُولُو ذَكَرَهُ عج وَتَبِعَهُ شب وَفِي عب وَلَكِنْ لَا يُسَوَّى بِالْأَرْضِ بَلْ بِكَثِيرٍ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ قَلِيلًا بِقَدْرِ مَا يُعْرَفُ اهـ.
وَعَلَى كُلٍّ فَالرَّاجِحُ التَّأْوِيلُ بِاسْتِحْبَابِ التَّسْنِيمِ.
(قَوْلُهُ لِآثَارِهَا) أَيْ: الْمَنْقُولَةِ عَنْ السَّلَفِ لِقَوْلِهَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ أَنَّ الْقُبُورَ كَانَتْ تُسَوَّى بِالْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: لِأَجْوِبَتِهَا أَيْ: أَجْوِبَةِ مَالِكٍ عَنْ الْأَسْئِلَةِ الَّتِي قُدِّمَتْ لَهُ أَوْ أَجْوِبَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِسَحْنُونٍ أَوْ هُمَا مَعًا أَيْ: وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَجْوِبَةُ لَا الْآثَارُ الَّتِي تُنْقَلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَخُلَاصَةُ مَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ الشَّارِحِ لِلْمُدَوَّنَةِ لَفْظٌ وَقَعَ فِيهِ التَّأْوِيلُ وَهُوَ غَيْرُ اللَّفْظِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِكَرَاهَةِ التَّسْنِيمِ
. (قَوْلُهُ وَحَثْوُ قَرِيبٍ) فِي النَّوَادِرِ مِنْ الشَّأْنِ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْقَبْرِ لِيَشْتَدَّ وَفُعِلَ ذَلِكَ بِقَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ بَعْضٌ: وَيُكْرَهُ مَسُّ الْقَبْرِ بَعْدَ رَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ) أَيْ: فَالْمُصَنِّفُ تَبِعَهُ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا نَفَى مَالِكٌ مَعْرِفَتَهُ) اعْتِذَارٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَحَاصِلُهُ: كَيْفَ يَلِيقُ بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْإِمَامِ وَتَرْكِ كَلَامِ الْإِمَامِ؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الِاعْتِرَاضُ إلَّا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَنْكَرَهُ رَأْسًا وَإِنَّمَا أَنْكَرَ مَعْرِفَتَهُ.
(قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا لِنِيَاحَةٍ) أَيْ: وَإِلَّا فَيَحْرُمُ لِأَنَّهُنَّ عُصَاةٌ، وَأَمَّا جَمْعُ النَّاسِ عَلَى طَعَامِ بَيْتِ الْمَيِّتِ فَهُوَ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَ وَلَائِمَ، وَأَمَّا عَقْرُ الْبَهَائِمِ وَذَبْحُهَا عَلَى الْقَبْرِ فَمِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْعَقْرُ الذَّبْحُ عَلَى الْقَبْرِ. (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) أَيْ: مِثْلُهُ فِي مُطْلَقِ الْأَجْرِ لَا أَنَّ الْأَجْرَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ، وَمِمَّا وَرَدَ فِي لَفْظِهَا: عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. وَأَمَدَّهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يُعَزَّى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا