وَمَنْ دُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ عَنْ شِمَالِهِ، رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيْ الْأَفْضَلِ، فَإِنْ كَانَ رَابِعٌ دُونَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ جُعِلَ عَنْ يَسَارِهِ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيْ الثَّالِثِ. . . إلَخْ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الرَّسُولُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ وَمَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ مِنْ الْأَجْرِ.» وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ عَنْ التَّادَلِيِّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْقِيرَاطَ فِي الدَّفْنِ يَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهَا فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَسْبِقَ وَيَنْتَظِرَ ثُمَّ إنَّ حُضُورَ الْجِنَازَةِ إمَّا رَغْبَةٌ أَوْ رَهْبَةٌ أَوْ مُكَافَأَةٌ فَالْأَوَّلُ فِيهِ الْأَجْرُ وَالْآخَرَانِ لَا أَجْرَ فِيهِمَا. وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمُ، لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ فِي شَرْحِهِ عَلَى عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْصِ الْأَجْرِ مِنْ الْقِيرَاطِ كَوْنُ الْإِنْسَانِ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ لِأَجْلِ أَقَارِبِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ فِيهِ صِلَةَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَعْظَمَ أَجْرًا.
(ص) وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ بِلَا حَدٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ، بَلْ يُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ بِلَا حَدٍّ فِي الْمِقْدَارِ مِنْ الْأَيَّامِ كَيَوْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ فِي قَدْرِ الْمُكْثِ عِنْدَهَا أَوْ فِي التَّعْيِينِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ فِيمَا يُدْعَى بِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ رَابِعٌ دُونَ الثَّالِثِ. . . إلَخْ) زَادَ فِي ك: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ - أَيْ: ابْنِ الْحَاجِبِ كَابْنِ شَاسٍ وَاللَّخْمِيِّ - اخْتِصَاصُ الصِّنْفِ بِالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْبَيَانِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ اخْتِصَاصُ يَمِينِ الْإِمَامِ بِمَفْضُولٍ وَاحِدٍ وَبَاقِي الْمَفْضُولِينَ عَنْ الْيَسَارِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ رَابِعٌ جُعِلَ عَنْ يَسَارِهِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بَلْ يُفَرَّقُونَ فَعَنْ يَمِينِهِ فَعَنْ يَسَارِهِ أَبَدًا وَالرَّاجِحُ طَرِيقَةُ الْبَيَانِ، وَأَفَادَ عج أَنَّهَا جَارِيَةٌ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَفِي الْأَصْنَافِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُصَنَّفِ عَلَى الْأَصْنَافِ خِلَافَ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يُقَالَ: وَفِي جِنْسِ الصِّنْفِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَشْمَلُ الْمَرَاتِبَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلَّهَا وَهِيَ الْعِشْرُونَ فَيَقِفُ الْإِمَامُ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ وَيُجْعَلُ عِنْدَ رَأْسِهِ رِجْلَا مَفْضُولِهِ وَهُوَ الْحُرُّ الصَّغِيرُ ثُمَّ مَفْضُولُهُ عِنْدَ رِجْلَيْ الْأَفْضَلِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْمَرَاتِبِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْفِيشِيُّ دُونَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَنْ أَتْبَعَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ (قَوْلُهُ إيمَانًا) أَيْ: مُصَدِّقًا بِالْأَجْرِ الْمَوْعُودِ، وَاحْتِسَابًا أَيْ: أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ لَا رِيَاءَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مُكَافَأَةٍ أَوْ خَوْفٍ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ) قَالَ فِي ك: وَوَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَوَّلِ وَقْتُ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَوَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الثَّانِي بِالْفَرَاغِ مِنْ الدَّفْنِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (حَتَّى تُدْفَنَ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي الْفَرَاغَ مِنْ الدَّفْنِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ، وَالْقِيرَاطُ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا خُصَّ التَّمْثِيلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْجِبَالِ فَإِنَّهُ بَلَغَ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَإِنْ كُنْت تَرَاهُ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عِرْقٍ مِنْهُ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ عُرُوقٌ تَتَّصِلُ بِكُلِّ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الدُّنْيَا، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْجَبَلُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ ثَوَابُهُ مِثْلَ ثَوَابِ هَذَا الْقِيرَاطِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ هَذَا الْجَبَلُ فِي كِفَّةٍ وَالْقِيرَاطُ فِي كِفَّةٍ لَسَاوَاهُ. قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَانْظُرْ هَلْ يَحْصُلُ لِلْمُصَلِّي عَلَى الْجَمَاعَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْقَرَارِيطِ بِعَدَدِهِمْ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عُمَرَ: أَنْ يَحْصُلَ بِكُلِّ مَيِّتٍ قِيرَاطٌ وَاحِدٌ، وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ سُلَيْمَانَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ: بِقَيْدِ الِاتِّبَاعِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهَا فَمَشَى مَعَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا أَنَّ الْقِيرَاطَ يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْبَزَّارِ السَّابِقِ حُصُولُهُ أَيْضًا لِمَنْ صَلَّى فَقَطْ لَكِنْ يَكُونُ قِيرَاطُهُ دُونَ قِيرَاطِ مَنْ شَيَّعَ مَثَلًا وَصَلَّى، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قَالَ: أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَرَارِيطَ تَتَفَاوَتُ أَيْضًا وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا: مَنْ صَلَّى جِنَازَةً وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ فَظَاهِرُهُ حُصُولُ الْقِيرَاطِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ اتِّبَاعٌ لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُ الِاتِّبَاعِ هُنَا عَلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا وَحَدِيثُ الْبَزَّارِ ضَعِيفٌ اهـ. قُلْت وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا الْبَحْثِ فِي قِيرَاطِ الدَّفْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَدِيثَ يُفِيدُ أَنَّ حُصُولَهُ مُقَيَّدٌ بِالِاتِّبَاعِ. وَالظَّاهِرُ يَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي قِيرَاطِ الصَّلَاةِ وَاسْتَظْهَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ حُصُولَ الْقِيرَاطِ بِمُجَرَّدِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلُ مِنْ الْمَشْيِ وَسِيلَةٌ لَهَا. (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ. . . إلَخْ) أَيْ: مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ إمَّا رَغْبَةٌ) أَيْ: فِي الْأَجْرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ رَهْبَةٌ أَيْ: خَوْفًا وَقَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَيْ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِي الْمُكَافَأَةِ وَالْخَوْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا. (قَوْلُهُ لِأَجْلِ خَوْفِ أَقَارِبِهَا) أَيْ: لِأَجْلِ مُكَافَأَتِهِمْ أَوْ لِأَجْلِ خَاطِرِهِمْ أَوْ لِأَجْلِ أَقَارِبِهِمْ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ أَيْ: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْبَاعِثِ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ فَلَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ) أَيْ: بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ فِعْلَ كُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ لَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلرِّيَاءِ مَحَلٌّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ فِيهِ الرِّيَاءُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَوْ نَدْبًا.
(قَوْلُهُ لِأَبِي نُعَيْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَعْظَمَ أَجْرًا) حَاصِلُهُ إذَا تَبِعَ الْجِنَازَةَ لِلْمُكَافَأَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ يَكُونُ ثَوَابُهُ أَعْظَمَ مِنْ ثَوَابِ مَنْ كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ قَصْدَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ
. (قَوْلُهُ أَوْ فِي التَّعْيِينِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ زَارَ أَبَوَيْهِ كُلَّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ وَكُتِبَ بَارًّا» وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ: عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ السَّبْتِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا وَبُكْرَةَ يَوْمِ السَّبْتِ فِيمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ قَدْ جَاءَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ بِأَفْنِيَةِ الْقُبُورِ وَأَنَّهَا تَطْلُعُ بِرُؤْيَتِهَا وَأَنَّ أَكْثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute