للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهِيَ حِينَئِذٍ عِصْمَةٌ مُطْلَقَةٌ سَأَلَهَا الْمُؤَلِّفُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ لِذَلِكَ وَالتَّوْفِيقُ جَعْلُ الْأَسْبَابِ مُتَوَافِقَةٌ أَوْ اسْتِعْدَادُ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ جَعَلَ اللَّهُ فِعْلَ الْعَبْدِ مُوَافِقًا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَقِيلَ هُوَ الْأَمْرُ الْمُقَرِّبُ إلَى السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالنِّعَمِ السَّرْمَدِيَّةِ وَالْهِدَايَةُ هِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى طَرِيقٍ يُوَصِّلُ إلَى الْمَطْلُوبِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْوُصُولُ وَالِاهْتِدَاءُ أَمْ لَمْ يَحْصُلْ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَضِدُّ التَّوْفِيقِ الْخِذْلَانُ، وَهُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْعَبْدِ وَالْمُخْتَصُّ بِالْمُتَعَلِّمِ مِنْ التَّوْفِيقِ أَرْبَعَةٌ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ وَذَكَاءُ الْقَرِيحَةِ وَمُعَلِّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ وَاسْتِوَاءُ الطَّبِيعَةِ أَيْ خُلُوُّهَا مِنْ الْمَيْلِ لِغَيْرِ مَا يُلْقَى إلَيْهَا قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا جَمَعَ الْعَالِمُ ثَلَاثًا تَمَّتْ النِّعْمَةُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ الصَّبْرَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ أَوْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ) أَيْ مَنْ زَلَّ فِي مَنْطِقِهِ فَقَدْ نَقَصَ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَعِلْمِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّكَلُّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي يُوجِبُ كَسَلًا عَنْ الطَّاعَاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ النَّقْصِ فِي الدِّينِ النَّقْصُ فِي الْعَرَضِ وَكَذَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْصِهِ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ النَّقْصُ فِي الدِّينِ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي بَقِيَّةِ أَطْرَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ يُنَبِّهُ عَلَى الْبَاقِي (قَوْلُهُ فَهِيَ) أَيْ الْعِصْمَةُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ يَعْصِمُنَا (قَوْلُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ قُلْنَا أُرِيدَ بِهِ لَازِمُهُ مِنْ النَّقْصِ؛ لِأَنَّ مَنْ زَلَّ فَقَدْ إلَخْ (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ سُؤَالِ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ لِذَلِكَ) أَيْ لِسُؤَالِ الْعِصْمَةِ الْمُطْلَقَةِ أَيْ لَمْ تُقَيَّدْ بِذَنْبٍ مَخْصُوصٍ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ يُقَلِّدُونَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِ سُؤَالِهَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ جَائِزَةٌ وَسُؤَالُ الْجَائِزِ جَائِزٌ وَأَنَّ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وُقُوعُهَا لَهُمْ لَا طَلَبُهَا إلَّا أَنَّ الْأَدَبَ سُؤَالُ الْحِفْظِ وَالْحِفْظُ فِي حَقِّنَا الْعِصْمَةُ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا اهـ.

وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّوَقِّيَ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ سُؤَالُ مَقَامِ النُّبُوَّةِ أَوْ التَّحَفُّظُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّحَصُّنُ مِنْ أَفْعَالِ السُّوءِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ حَالَ الْإِطْلَاقِ قَالَ بَعْضٌ وَالْمُتَّجَهُ الْجَوَازُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ لِلْمَحْذُورِ وَاحْتِمَالِهِ الْوَجْهَ الْجَائِزَ أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ (قَوْلُهُ مُتَوَافِقَةً) أَيْ جَعْلُ أَسْبَابِ الشَّيْءِ مُجْتَمِعَةً وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَحْصِيلُ أَسْبَابِ الشَّيْءِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَوْ دُنْيَوِيًّا (قَوْلُهُ أَوْ اسْتِعْدَادَ إلَخْ) يَرْجِعُ لِلْمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ أَسْبَابِ الشَّيْءِ اسْتِعْدَادٌ لِلْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْمَعْنَيَانِ لُغَوِيَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ التَّأْلِيفُ سَائِقًا لَهُ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ بِمَا يُؤْذِنُ أَنَّهُ بِالْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ شَرْعِيٌّ (قَوْلُهُ جَعَلَ اللَّهُ فِعْلَ الْعَبْدِ مُوَافِقًا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ لِمَنْ يُفَسِّرُهُ بِأَنَّهُ خَلْقُ الطَّاعَةِ بَلْ وَيَرْجِعُ لِمَنْ فَسَّرَهُ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ (فَإِنْ قُلْت) الْقُدْرَةُ عَلَى الطَّاعَةِ تَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ فَلَا يَصِحُّ الثَّانِي (قُلْت) يُرَادُ بِالْقُدْرَةِ الْعَرْضُ الْمُقَارِنُ لِلْفِعْلِ وَبَعْدُ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مَا بِهِ الْوِفَاقُ، وَهُوَ يَكُونُ بِخَلْقِ الطَّاعَةِ، وَإِنْ صَاحَبَهَا خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ وَيَرْضَاهُ) عَطْفٌ عَلَى يُحِبُّهُ أَمَّا مَذْهَبُ السَّلَفِ فَمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا مُفَوَّضٌ إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْخَلَفِ فَيَرْجِعَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِنْعَامُ أَوْ إرَادَةُ الْإِنْعَامِ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَمْرُ الْمُقَرِّبُ) ، وَهُوَ التَّوْفِيقُ الْمَذْكُورُ أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ وَالتَّقْدِيرُ هُوَ خَلْقُ الْأَمْرِ الْمُقَرِّبِ وَيُرَادُ بِهِ الطَّاعَاتُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ صِفَةُ الْمَوْلَى تَعَالَى وَالْأَمْرُ الْمُقَرِّبُ عَلَى هَذَا صِفَةُ الْعَبْدِ وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي (قَوْلُهُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ) أَيْ الْمَنْسُوبَةِ لِلْأَبَدِ، وَهُوَ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْدُودٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَالْمَعْنَى السَّعَادَةُ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَهِيَ الْحُلُولُ فِي الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ وَالنِّعَمِ السَّرْمَدِيَّةِ) أَيْ الْمَنْسُوبَةِ لِلسَّرْمَدِ، وَهُوَ الدَّوَامُ أَيْ النِّعَمِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا تَنْقَضِي أَيْ النِّعَمِ الَّتِي يُتَنَعَّمُ بِهَا فِي الْجِنَانِ وَعَلَى هَذَا فَالنِّعَمُ غَيْرُ السَّعَادَةِ إلَّا أَنَّهَا أَمْرٌ لَازِمٌ لَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحُلُولُ فِي الْجَنَّةِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ النِّعَمِ الْأُخْرَوِيَّةِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ بِدُونِ سَابِقَةِ عَذَابٍ وَلَا مِحْنَةٍ وَلَا عِتَابٍ فَإِنَّهُ جَوَّادٌ كَرِيمٌ وَرَبٌّ رَحِيمٌ.

(قَوْلُهُ حَصَلَ الْوُصُولُ) أَيْ الْوُصُولُ لِلْمَطْلُوبِ وَقَوْلُهُ وَالِاهْتِدَاءُ أَيْ كَوْنُهُ مَهْدِيًّا الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ فَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ لِلشَّيْءِ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِنْ تَلَازَمَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ) أَيْ فَهِيَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَخَصُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ مَنْقُوضٌ الْأَوَّلُ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي» مَعَ أَنَّهُ بَيَّنَ الطَّرِيقَ وَدَعَاهُمْ إلَى الِاهْتِدَاءِ وَالثَّانِي مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧] فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهَا فِي كُلِّ مَحَلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ) أَيْ أَوْ خَلْقُ الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَأْتِ بِأَقْوَالٍ فِي الْخِذْلَانِ عَلَى طِبْقِ مَا ذَكَرَ فِي التَّوْفِيقِ مَعَ أَنَّهُ ضِدُّهُ فَمَا جَرَى فِي التَّوْفِيقِ مِنْ الْأَقْوَالِ يَأْتِي هُنَا لَكِنْ عَلَى الضِّدِّ وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى ذَلِكَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي التَّوْفِيقِ لُغَوِيَّانِ خِلَافُ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُمَا شَرْعِيَّانِ (قَوْلُهُ مِنْ التَّوْفِيقِ) أَيْ مِنْ آثَارِ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ) أَيْ الِاهْتِمَامِ (قَوْلُهُ الْقَرِيحَةِ) أَيْ إنَّ الْقَرِيحَةَ أَوَّلُ مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْبِئْرِ، ثُمَّ نُقِلَتْ لِأَوَّلِ مُسْتَنْبَطٍ مِنْ الْعِلْمِ، ثُمَّ نُقِلَتْ لِلْعَقْلِ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ وَقَوْلُهُ وَمُعَلِّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ بِأَنْ يُتْقِنَ مَا قَرَأَهُ مِنْ الْعُلُومِ وَيُبَلِّغَ الْمَقْصُودَ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَيْلِ) أَيْ خُلُوِّ الطَّبِيعَةِ مِنْ أَنْ تَمِيلَ إلَى غَيْرِ مَا يُلْقَى إلَيْهَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّبِيعَةَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مِزَاجُ الْإِنْسَانِ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْأَخْلَاطِ اهـ.

فَإِذَنْ يَكُونُ إسْنَادُ الْمَيْلِ إلَيْهَا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلنَّفْسِ فَالْإِسْنَادُ إلَيْهَا حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ الصَّبْرَ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْإِلْقَاءِ وَعَلَى أَسْئِلَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>