تَسْتَغْرِقُ الزَّمَانَيْنِ جَمِيعًا فَوَجَبَ تَتَابُعُهَا وَالشُّرُوعُ فِيهَا عَقِبَ عَقْدِهَا فَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ نِيَّةُ التَّتَابُعِ وَلَا نِيَّةُ عَدَمِهِ فَإِنْ حَصَلَ فِيهِ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا فِيهِ نِيَّةُ التَّتَابُعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِالْأَوْلَى وَهَذَا فِي النَّذْرِ الْمَلْفُوظِ بِهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (ص) وَمَنْوِيُّهُ حِينَ دُخُولِهِ (ش) أَيْ وَلَزِمَ الْمُعْتَكِفَ مَنْوِيُّهُ مِنْ تَتَابُعٍ وَتَفْرِيقٍ وَقْتَ الشُّرُوعِ، وَهُوَ حِينَ دُخُولِهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِنِيَّتِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا، فَقَوْلُهُ: حِينَ دُخُولِهِ مُتَعَلِّقٌ بِلَزِمَهُ لَا بِمَنْوِيِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُتَوَهَّمُ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَلْزَمُهُ مَنْوِيُّهُ حِينَ دُخُولِهِ أَيْ وَلَزِمَ الْمُكَلَّفَ حِينَ دُخُولِهِ فِي الِاعْتِكَافِ مَنْوِيُّهُ مِنْ جَمْعٍ، أَوْ تَفْرِيقٍ، أَوْ عَدَدٍ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى مَقْصُودُهُ أَنَّ الدُّخُولَ سَبَبٌ لِلُّزُومِ وَعِبَارَتُهُ لَا تُؤَدِّي ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ بِدُخُولِهِ أَوْ لِدُخُولِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ مَعَ تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ.
(ص) كَمُطْلَقِ الْجُوَارِ (ش) الْجُوَارُ بِالضَّمِّ وَقَدْ تُكْسَرُ وَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ وَهَذَا تَشْبِيهٌ فِي كُلِّ أَحْكَامِ الِاعْتِكَافِ السَّابِقَةِ قَالَ فِيهَا الْجُوَارُ كَالِاعْتِكَافِ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ الصَّوْمُ لَكِنْ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ مَا لَمْ يَنْوِ فِي الْجُوَارِ الْمُطْلَقِ الْفِطْرَ، وَأَمَّا إنْ نَوَاهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ كَالْمُقَيَّدِ وَيَلْزَمُ فِي مُطْلَقِ الْجُوَارِ التَّتَابُعُ فِي مُطْلَقِهِ وَالْمَنْوِيُّ حِينَ دُخُولِهِ وَيُفْسِدُهُ مَا يُفْسِدُهُ إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ سَنَدٌ مَنْ قَالَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُجَاوِرَ الْمَسْجِدَ لَيْلًا وَنَهَارًا عِدَّةَ أَيَّامٍ فَهَذَا نَذْرُ اعْتِكَافٍ بِلَفْظِ الْجُوَارِ فَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ قَوْلِهِ أَعْتَكِفُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أُجَاوِرُ عَشْرَهَ أَيَّامٍ فَيَلْزَمُ فِي ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ فِي الِاعْتِكَافِ وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مَا يَمْتَنِعُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَاللَّفْظُ لَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُرَادُ لِمَعْنَاهُ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ اعْتِكَافًا وَلَا جِوَارًا إلَّا أَنَّهُ نَوَى مُلَازَمَةَ الْمَسْجِدِ لِلْعِبَادَةِ أَيَّامًا إلَيْهِ وَشَرَعَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سُنَّةُ الِاعْتِكَافِ (ص) لَا النَّهَارُ فَقَطْ (ش) أَيْ لَا الْجِوَارُ بِمَسْجِدٍ بِقَيْدِ النَّهَارِ فَقَطْ دُونَ اللَّيْلِ فَلَيْسَ فِي أَحْكَامِهِ كَالِاعْتِكَافِ وَلَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ، بَلْ بِاللَّفْظِ بِنَذْرِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (فَبِاللَّفْظِ) وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجُوَارِ الْمُقَيَّدِ بِاللَّيْلِ فَقَطْ وَفِي الْجُوَارِ الْمُطْلَقِ الَّذِي نَوَى فِيهِ الْفِطْرَ وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالنَّهَارِ لِقَوْلِهِ (وَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ حِينَئِذٍ صَوْمٌ) إذْ الْمُقَيَّدُ بِاللَّيْلِ أَوْ الْمُطْلَقِ الَّذِي نَوَى فِيهِ الْفِطْرَ وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ الصَّوْمُ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلنَّصِّ عَلَى نَفْيِهِ أَيْ: وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ أَيْ: فِي الْجُوَارِ الْمُقَيَّدِ بِالنَّهَارِ حِينَئِذٍ أَيْ: حِينَ لَفَظَ بِنَذْرِهِ؛ صَوْمٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ لَوَازِمِ الِاعْتِكَافِ لَكِنْ لَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِنَذْرِهِ الْمُجَاوَرَةَ فِي الْمَسْجِدِ نَهَارَهُ وَيَخْرُجُ لِمَا يَخْرُجُ لَهُ الْمُعْتَكِفُ، وَلَا يَخْرُجُ لِمَا لَا يَخْرُجُ لَهُ الْمُعْتَكِفُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
(ص) وَفِي يَوْمِ دُخُولِهِ تَأْوِيلَانِ (ش) رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ نِيَّةُ تَتَابُعٍ وَلَا عَدَمِهِ) فَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا عَمِلَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي النَّذْرِ الْمَلْفُوظِ) الْمَلْفُوظُ وَصْفٌ كَاشِفٌ وَقَوْلُهُ: بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْوِيُّهُ إلَخْ فَمُرَادُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الِاعْتِكَافِ الْمَنْوِيِّ (قَوْلُهُ: مِنْ تَتَابُعٍ وَتَفْرِيقٍ) فَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي لُزُومُ تَتَابُعِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي مُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ، فَالْمَعْنَى: أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْوِيَّ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ لَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهِ إلَّا إنْ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ فَيَلْزَمُهُ وَيَأْتِي بِهَا مُتَتَابِعًا إنْ نَوَى التَّتَابُعَ، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ غَيْرَ نَاوٍ التَّتَابُعَ، أَوْ التَّفْرِيقَ فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ أَيْضًا، وَنِيَّةُ الِاعْتِكَافِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ النَّذْرِ تُؤْثِرُ اللُّزُومَ بِسَبَبِ الدُّخُولِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْجُوَارِ لَا يَلْزَمُ بِسَبَبِهَا شَيْءٌ إلَّا فِي يَوْمِ الدُّخُولِ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ هَذَا مَا ارْتَضَاهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ خِلَافُ مَا حَلَّ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّتَابُعِ، أَوْ عَدَمِهِ لَا بِأَصْلِ الِاعْتِكَافِ وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا أَيْ: نِيَّةَ الِاعْتِكَافِ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَلْزَمُهُ) أَيْ: يُعْرَفُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَخْ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ (قَوْلُهُ: مَقْصُودُهُ أَنَّ الدُّخُولَ سَبَبٌ فِي اللُّزُومِ) هَذَا عَلَى سُنَنِ مَا تَقَدَّمَ لَهُ (قَوْلُهُ: سَبَبٌ لِلُّزُومِ) أَيْ لُزُومِ الِاعْتِكَافِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَذَلِكَ كَمَا قَرَّرَ بَعْضٌ أَنَّ التَّطَوُّعَاتِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا تَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهَا، وَأَمَّا بَعْدَ نِيَّتِهَا وَقَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْذِرْهَا وَإِنَّمَا نَوَى فَقَطْ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالشُّرُوعِ.
(قَوْلُهُ:، وَقَدْ تُكْسَرُ) ، وَفِي الْقَامُوسِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الضَّمَّ هُوَ الْكَثِيرُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْجِوَارُ أَيْ: بِالضَّمِّ، وَقَدْ تُكْسَرُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَمُطْلَقِ الْجُوَارِ تَشْبِيهٌ تَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ أَحْكَامِ الِاعْتِكَافِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَيَلْزَمُهُ تَتَابُعُهُ إنْ نَوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَا عَدَمَهُ، وَإِنْ نَوَى عَدَمَ التَّتَابُعِ عُمِلَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْذُورًا، أَوْ مَنْوِيًّا وَيَلْزَمُ فِيهِ الصَّوْمُ وَيُفْعَلُ فِيهِ مَا يُفْعَلُ فِي الِاعْتِكَافِ وَيُمْنَعُ فِيهِ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَيُبْطِلُهُ مَا يُبْطِلُهُ وَيُبْنَى فِيهِ مَا يُبْنَى فِي الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ إلَخْ) أَيْ: فَالْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَالْجِوَارِ الْمُطْلَقِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مُطْلَقِ الْمَاءِ وَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ: لَا بِالنِّيَّةِ) الْمُنَاسِبُ لَا بِالدُّخُولِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُوجِبُ وَلَوْ فِي الْجُوَارِ الْمُطْلَقِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُوَارَ الْمُطْلَقَ إذَا نَوَى فِيهِ الْفِطْرَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا نَذَرَهُ بِاللَّفْظِ لَا بِالدُّخُولِ كَمَا أَنَّ الْمُقَيَّدَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا نَذَرَهُ بِاللَّفْظِ بِأَنْ قَالَ نَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَاوِرَ الْمَسْجِدَ نَهَارًا أَيْ: أَوْ لَيْلَةً، وَأَمَّا إذَا نَوَى مُجَاوَرَةَ الْمَسْجِدِ أَيَّامًا وَنَوَى الْفِطْرَ، أَوْ نَوَى الْمَسْجِدَ نَهَارًا، أَوْ لَيْلًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ (قَوْلُهُ كَالْمُقَيَّدِ) أَيْ: أَنَّ الْمُقَيَّدَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِاللَّفْظِ أَيْ: بِنَذْرِهِ لَا بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُرَادُ لِمَعْنَاهُ) أَيْ: وَهَذَا فِي مَعْنَى الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ لَمْ يُسَمَّ اعْتِكَافًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَارَةً يُسَمَّى اعْتِكَافًا وَتَارَةً يُسَمَّى جِوَارًا وَتَارَةً لَا يُسَمَّى شَيْئًا وَإِنَّمَا يَنْوِي مُلَازَمَةَ الْمَسْجِدِ لِلْعِبَادَةِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ حُكْمُهَا وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ يُطَالَبُ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ نَوَى) أَيْ: وَلَمْ يَنْذِرْ أَيْ: وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ فَيَكُونُ كَالِاعْتِكَافِ وَالْجِوَارِ الْمَنْذُورَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ) الْمُنَاسِبُ: وَلَا يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفِي يَوْمِ دُخُولِهِ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute