الْغَالِبَةِ بِهِ (ش) يَعْنِي: مِمَّا يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَكُونَ اعْتِكَافُهُ فِي رَمَضَانَ لِكَوْنِهِ سَيِّدَ الشُّهُورِ، وَتُضَاعَفُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ وَلِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ جُمْلَةً إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُفَرَّقًا عَلَى حَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي عِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانِ يُوقِظُ أَهْلَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِأَجْلِ طَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْغَالِبَةِ بِهِ» (ص) وَفِي كَوْنِهَا بِالْعَامِ، أَوْ بِرَمَضَانَ خِلَافٌ وَانْتَقَلَتْ (ش) يَعْنِي: أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ هَلْ هِيَ فِي جَمِيعِ الْعَامِ أَيْ: دَائِرَةٌ فِي جَمِيعِ لَيَالِيِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَوْ هِيَ خَاصَّةٌ بِرَمَضَانَ كُلِّهِ؟ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥] وَشَهَرَهُ ابْنُ غَلَّابٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْخِلَافِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا تَخْتَصُّ بِلَيْلَةٍ لَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْعَامِ فَتَكُونُ فِي عَامٍ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ مَثَلًا، وَفِي عَامٍ آخَرَ تَكُونُ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَى الثَّانِي فَتَكُونُ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ فِي عَامٍ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي آخَرَ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَفِي عَامٍ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ ثُمَّ بَيَّنَ مُعْتَقَدَهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْوَاوِ التَّرْتِيبُ فَالْعَدَدُ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى وَلِسَابِعَةٍ تَبْقَى وَلِخَامِسَةٍ تَبْقَى (وَ) حِينَئِذٍ (الْمُرَادُ) مِنْ الْحَدِيثِ (بِكَسَابِعَةٍ) ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا (مَا بَقِيَ) مِنْ الْعَشْرِ لَا مَا مَضَى مِنْهُ فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ: الْعَدَدُ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ وَالْمُرَادُ الْتَمِسُوهَا فِي الْخَامِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالتَّاسِعَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَقَوْلُهُ: مَا بَقِيَ خَبَرُ الْمُرَادِ، وَمَا فِيهِ وَاقِعَةٌ عَلَى عَدَدٍ أَيْ: وَالْمُرَادُ بِكَسَابِعَةٍ عَدَدٌ بَقِيَ أَيْ: بِسَبْعٍ بَقِيَتْ فِي نَحْوِ الْتَمِسُوهَا فِي سَابِعَةٍ وَهَكَذَا وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤَلِّفُ السَّابِعَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: الْغَالِبُ أَنَّهَا فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّ كَلِمَاتِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: ١] إلَى هِيَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ كَلِمَةً.
(ص) وَبَنَى بِزَوَالِ إغْمَاءٍ، أَوْ جُنُونٍ (ش) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ: وَبَنَى بِسَبَبِ زَوَالِ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ، وَأَنْ تَكُونَ لِلْإِلْصَاقِ أَيْ: بَنَى مُلَاصِقًا لِزَوَالِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ، قَوْلُهُ: بَعْدُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ: وَبَنَى مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ أَيْ: لَا مَعَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبْطِلَةِ لِلِاعْتِكَافِ كَالرِّدَّةِ وَنَحْوِهَا وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُعَيَّنَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَحَصَلَ لَهُ فِي أَثْنَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ إغْمَاءٌ، أَوْ جُنُونٌ، أَوْ مَرَضٌ شَدِيدٌ لَا يَجُوزُ مَعَهُ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ إذَا زَالَ عُذْرُهُ بَنَى عَلَى مَا كَانَ اعْتَكَفَ وَكَمَّلَ مَا نَذَرَهُ وَيَصِلُهُ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (ص) كَأَنْ مُنِعَ مِنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ، أَوْ عِيدٍ (ش) إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ الَّذِي يُبَاحُ مَعَهُ الْبِنَاءُ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ وَلِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي إلَخْ) هَذِهِ الْعِلَّةُ لَيْسَتْ هِيَ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ نُظِرَ لَهَا مِنْ حَيْثُ نُزُولُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَاَلَّتِي أَشَارَ لَهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ حَيْثُ حُصُولُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ بِسُكُونِ الدَّالِ، وَفَتْحُهَا جَائِزٌ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ إمَّا لِتَقْدِيرِ الْكَوَائِنِ فِيهَا مِنْ أَرْزَاقٍ وَغَيْرِهَا أَيْ: إظْهَارُهَا لِلْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِعِظَمِ قَدْرِهَا، أَوْ قَدْرِ الْقَائِمِ بِهَا (قَوْلُهُ: فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ يُعْتَبَرُ نَاقِصًا إلَخْ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَبَرُ الشَّهْرُ نَاقِصًا، أَوْ كَامِلًا فَمَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ يُعْتَبَرُ نَاقِصًا، وَإِمَّا عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ كَامِلًا فَالتَّاسِعَةُ لَيْلَةُ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ، وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ: اُطْلُبُوهَا فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى هِيَ لَيْلَةُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ فِي الْأَشْفَاعِ لَكِنَّهَا أَفْرَادٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَقِيَ وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ اعْتِبَارَهُ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ كَوْنُهُ مِنْ الشَّهْرِ وَلِمُوَافَقَتِهِ لِحَدِيثِ طَلَبِ الْتَمِسُوهَا فِي الْأَفْرَادِ فَالتَّاسِعَةُ أَنْ يَبْقَى تِسْعٌ وَالسَّابِعَةُ أَنْ يَبْقَى سَبْعٌ وَالْخَامِسَةُ أَنْ يَبْقَى خَمْسٌ وَهَذَا الْقَوْلُ تَفْسِيرُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤَلِّفُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْوَاوَ وَلَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ وَإِنَّ السَّابِعَةَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
(قَوْلُهُ: وَبَنَى بِزَوَالِ إغْمَاءٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَانِعَ إمَّا إغْمَاءٌ، أَوْ جُنُونٌ، أَوْ حَيْضٌ، أَوْ نِفَاسٌ، أَوْ مَرَضٌ وَالِاعْتِكَافُ إمَّا نَذْرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، أَوْ مُعَيَّنٌ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ تَطَوُّعٌ مُعَيَّنٌ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٌ فَهَذِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ إمَّا أَنْ تَطْرَأَ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ، أَوْ مُقَارِنَةً لَهُ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ فَصَارَتْ خَمْسًا وَسَبْعِينَ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَوَانِعُ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْمُطْلَقِ، أَوْ الْمُعَيَّنِ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ زَوَالِهَا طَرَأَتْ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ أَوْ قَارَنَتْ، أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ كَالْمُعَيَّنِ مِنْ غَيْرِهِ وَحَصَلَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلُ أَوْ قَارَنَ، أَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا بِقِسْمَيْهِ وَالْمَوَانِعُ الْخَمْسَةُ مَضْرُوبَةٌ فِي أَحْوَالِ الطُّرُوِّ الثَّلَاثَةِ فَلَا بِنَاءَ هَذَا حَاصِلُ الْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ فِيهَا الْبِنَاءُ أَيْضًا وَهِيَ: الْفِطْرُ نَاسِيًا فِي الِاعْتِكَافِ بِأَقْسَامِهِ الْخَمْسَةِ فَالْجُمْلَةُ ثَمَانُونَ وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ كَمَا قَالُوا الْإِتْيَانُ بِبَدَلِ مَا حَصَلَ فِيهِ الْمَانِعُ، سَوَاءٌ كَانَ مَا يَأْتِي بِهِ قَضَاءً عَمَّا مَنَعَ صَوْمَهُ كَأَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ زَمَنِهِ كَرَمَضَانَ، وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالنَّذْرِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ أَوْ مُعَيَّنَةٍ مِنْ رَمَضَانَ) وَكَذَا مُعَيَّنَةٍ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ وَطَرَأَ الْمَانِعُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي ذَلِكَ النَّذْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute