يُرِيدُ أَنْ يَبْتَدِئَ فِيهَا اعْتِكَافَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ صَحَّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (ص) وَصَحَّ إنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ (ش) بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الِاعْتِكَافِ يَوْمٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَحَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْذِرْ الِاعْتِكَافَ، أَمَّا النَّاذِرُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِلُزُومِ اللَّيَالِي لَهُ، وَعَبَّرَ بِالصِّحَّةِ دُونَ الْجَوَازِ لِيَصِيرَ مَفْهُومُهُ لَا يَصِحُّ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا مَعَ الْفَجْرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دُخُولِهِ قَبْلَهُ.
(ص) وَاعْتِكَافُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ (ش) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَيُكْرَهُ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَكْمَلُهُ عَشَرَةٌ وَيُكْرَهُ مَا فَوْقَهَا وَفِي كَرَاهَةِ مَا دُونَهَا قَوْلَانِ اهـ وَالثَّانِي أَنَّ أَقَلَّ الْمُسْتَحَبِّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَأَكْثَرُهُ شَهْرٌ وَيُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَيْهِ كَمَا يُكْرَهُ مَا نَقَصَ عَنْ الْعَشَرَةِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْأَقَلِّ تَظْهَرُ فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَدَخَلَ فِيهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ.
(ص) وَبِآخِرِ الْمَسْجِدِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي عَجْزِ الْمَسْجِدِ بِسُكُونِ الْجِيمِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِآخِرِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَعْتَكِفُ بِرَحْبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا دُونَهُ فِي الْفَضْلِ لِأَجْلِ إخْفَاءِ الْعِبَادَةِ وَلِبُعْدِهِ عَمَّنْ يَشْغَلُهُ بِالْحَدِيثِ.
(ص) وَبِرَمَضَانَ وَبِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الِاعْتِكَافِ يَوْمٌ) أَيْ: أَقَلَّ مَاهِيَّتِهِ لَا أَقَلَّ كَمَالِهِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ قَبْلَ الْغُرُوبِ) أَيْ: أَوْ مَعَهُ، حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَدُخُولُهُ قَاصِرٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْمَنْوِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَصَحَّ إنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَشَامِلٌ لِلْمَنْوِيِّ وَالْمَنْذُورِ مَعَ مُخَالَفَةِ النَّدْبِ فِي الْأَوَّلِ وَالْوَاجِبِ فِي الثَّانِي كَذَا فِي عب وَفِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّ إنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ مُرُورٌ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ أَقَلَّ الِاعْتِكَافِ يَوْمٌ وَإِنَّ مَنْ نَذَرَ يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ مَنْ نَذَرَ لَيْلَةً يَلْزَمُهُ يَوْمُهَا، وَمَنْ نَذَرَ يَوْمًا يَلْزَمُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، بَلْ حَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ سَحْنُونَ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ سَحْنُونَ لَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ عِنْدَ الْغُرُوبِ كَمَا صَرْحَا بِذَلِكَ وَالْمُؤَلِّفُ دَرَجَ عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْهُورِ مَتَى وَجَدَهُ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ إلَى أَنَّهُ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ وَخِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَقِيلَ لَيْلَةٌ بُدَاءَتُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَمَعْنَاهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَهَلْ يَكْتَفِي بِاعْتِبَارِ النَّهَارِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ قَبْلَهُ؟ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِالِاكْتِفَاءِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ: إذَا دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَحَكَاهُ سَنَدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ عَنْ سَحْنُونَ قَالَ يَلْزَمُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ اهـ
كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ) لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَقِيلَ وَلَيْلَةٌ وَأَكْمَلُهُ عَشَرَةٌ، وَفِي كَرَاهَةِ مَا دُونَهَا قَوْلَانِ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يَقُلْ وَيُكْرَهُ مَا فَوْقَهَا، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الَّذِي يَقُولُ: أَكْمَلُهُ عَشَرَةٌ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ مَا فَوْقَهَا وَقَوْلُهُ: وَفِي كَرَاهَةِ مَا دُونَهَا الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَقَلَّهُ عَشَرَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّوْضِيحِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ الدُّونِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، أَوْ يَوْمٌ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حِكَايَةَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ لَا يُنَاسِبُ مَا صَدَّرَ بِهِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَقِيلَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَكْمَلُهُ عَشَرَةٌ الْمُفِيدُ لِكَمَالِ الدُّونِ لَا كَرَاهَتِهِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَالْقَوْلَ الثَّانِيَ أَنَّ أَقَلَّ الْمُسْتَحَبِّ عَشَرَةٌ الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ هُوَ الْقَائِلُ بِكَرَاهَةِ الدُّونِ قَالَ فِيهَا: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَسَأَلْته عَنْهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ: أَقَلُّهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَبِهِ أَقُولُ اهـ.
وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ كَرِهَهُ فِيهَا وَقَالَ فِي غَيْرِهَا: لَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
وَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ، الْمُفِيدُ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ) يُقَالُ أَيْ: وَلَمْ يَزِدْ فَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ أَيْ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِزَ الْعَشَرَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عِبَادَةً وَقَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ اعْتِكَافُهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَنَا فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ اهـ.
فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ؟ قُلْت يُمْكِنُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ فَأَتَى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْوَسَطَ فَأَتَى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّهْرِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْأَقَلِّ) الْخِلَافُ أَيْ: الَّذِي هُوَ أَيْ: الْقَوْلُ بِأَنَّ أَقَلَّهُ عَشَرَةٌ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ، أَوْ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْقَوْلِ الثَّانِي الْمَحْذُوفِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَرَاهَةِ مَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي كَرَاهَةِ مَا دُونَهَا، وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْأَقَلِّ فَقِيلَ يَوْمٌ وَقِيلَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَالْمُرَادُ أَقَلُّ مُسْتَحَبٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ عج فَإِنْ قِيلَ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ مِنْ عَشَرَةٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ، وَلَوْ يَوْمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَعَ أَنَّهُ نَذَرَ مَكْرُوهًا قُلْت إنَّمَا لَزِمَهُ نَظَرًا لِلْفِعْلِ بِمُجَرَّدِهِ
(قَوْلُهُ بِسُكُونِ الْجِيمِ) غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَقَدْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَجْزُ مُثَلَّثَةٌ وَكَنَدُسٍ وَكَتِفٍ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ اهـ.
وَاقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى ضَمِّ الْجِيمِ (قَوْلُهُ: لِإِخْفَاءِ الْعِبَادَةِ)) يُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ نَدْبُ تَصْدِيرِهِ عِنْدَ انْعِكَاسِ الْأَمْرِ بِأَنْ يَكُونَ الصَّدْرُ خَالِيًا وَالْعَجْزُ مَشْغُولًا وَهُوَ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَبِرَمَضَانَ) أَيْ: وَنُدِبَ كَوْنُهُ بِرَمَضَانَ أَيْ: يُنْدَبُ الِاعْتِكَافُ، وَيُنْدَبُ كَوْنُهُ فِي رَمَضَانَ فَمَنْ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ فَقَدْ حَصَّلَ مُسْتَحَبَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَبِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ) فَمَنْ اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَقَدْ أَتَى بِثَلَاثِ مُسْتَحَبَّاتٍ