إلَى مَكَّةَ (ص) وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوْ مَرَّ (ش) مَدْخُولُ الْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُبْتَدَإِ، وَهُوَ ذُو مِنْ قَوْلِهِ: ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] فَإِنَّهَا مَفْعُولٌ، وَقَوْلُهُ: حَاذَى أَيْ: سَامَتَ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَكَانَ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ إلَخْ وَالْمَكَانُ الَّذِي حَاذَى فِيهِ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَرَّ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمِيقَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْهُ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتَ فَيُحْرِمُ مِنْهُ (ص) وَلَوْ بِبَحْرٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ، وَلَا يُؤَخِّرُ إلَى الْبَرِّ وَظَاهِرُهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِبَحْرِ الْقُلْزُمِ، أَوْ بَحْرِ عَيْذَابَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِلتَّفْصِيلِ سَنَدٌ، وَلَمَّا أَوْجَبَ الْجُمْهُورُ إحْرَامَ مَنْ مَرَّ بِغَيْرِ مِيقَاتِهِ مِنْهُ عُمُومًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» .
وَاسْتَثْنَى أَهْلُ الْمَذْهَبِ مَنْ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةَ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَا يَجِبُ إحْرَامُهُ مِنْهَا لِمُرُورِهِ عَلَى مِيقَاتِهِ بَعْدُ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (ص) إلَّا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ مِيقَاتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالشَّامِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالْمِصْرِيِّ فَإِنَّهُ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْهُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى مِيقَاتِهِ الَّذِي هُوَ الْجُحْفَةُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَهُوَ أَوْلَى) ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْمِصْرِيَّ وَشِبْهَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمُرُّ بِمِيقَاتِهِ، أَوْ يُحَاذِيَهُ وَلِهَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَمُرَّ بِهِ، وَلَا أَنْ يُحَاذِيَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ كَمَا يَجِبُ إحْرَامُ النَّجْدِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْيَمَنِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ سِوَى الْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالشَّامِيِّ إذَا مَرَّ بِالْحُلَيْفَةِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا إذْ لَا يَتَعَدَّوْنَهَا إلَى مِيقَاتٍ لَهُمْ (ص) ، وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ (ش) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ: فَهُوَ أَوْلَى أَيْ: وَإِحْرَامُ الْمِصْرِيِّ وَشِبْهِهِ مِنْ الْحُلَيْفَةِ أَوْلَى مِنْ التَّأْخِيرِ، وَإِنْ لِذَاتِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ رُجِيَ رَفْعُهُ عِنْدَ الْوُصُولِ إلَى الْجُحْفَةِ وَلَا تُؤَخِّرُ رَجَاءَ أَنْ تَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَ الْحُلَيْفَةِ أَفْضَلُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا تُقِيمُ فِي الْعِبَادَةِ أَيَّامًا قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَلَا يَفِي غُسْلُهَا بِفَضْلِ تَقْدِيمِ إحْرَامِهَا مِنْ مِيقَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
(ص) كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ أَيِّ مِيقَاتٍ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يُؤَخِّرَهُ لِآخِرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ لِلطَّاعَةِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْأَفْضَلُ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً إزَالَةُ شُعْثِهِ كَقَلْمِ ظُفْرٍ وَسِخٍ، وَحَلْقِ شَعْرٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِزَالَةِ شُعْثِهِ) أَيْ: مَا عَدَا الرَّأْسَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ بَقَاءُ شُعْثِهِ فِي الْحَجِّ ابْنُ بَشِيرٍ، وَيُلَبِّدُهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ لِيَلْتَصِقَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوَمَرَّ) وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا يُرِيدُ نُسُكًا فَمَرَّ بِمِيقَاتٍ، أَوْ حَاذَاهُ فَإِنْ تَعَدَّاهُ فَدَمٌ وَلَيْسَ كَالْمِصْرِيِّ يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِمِيقَاتِهِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَكِّيِّ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِمَكَّةَ لِئَلَّا يَدْخُلَهَا حَلَالًا مَعَ إرَادَتِهِ النُّسُكَ.
(قَوْلُهُ: ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ) أَيْ: يَقَعُ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ حَيْثُ لَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ فَيُقَدَّرُ لَهُ عَامِلٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَأَنْ يُحْرِمَ حَيْثُ حَاذَى إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّذِي حَاذَى فِيهِ) أَيْ: سَامَتْ مَنْ بَعْدُ بِمُقَابَلَةٍ، أَوْ مُيَامَنَةٍ، أَوْ مُيَاسَرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ مَرَّ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ بِبَحْرٍ مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ: حَاذَى وَاحِدٌ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: عَيْذَابَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ ثُمَّ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ بَاءٌ كَذَا فِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ، وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِيدَانُ بِنُونٍ بَعْدَ الْأَلْفِ، وَلَيْسَ فَوْقَ الدَّالِ نُقْطَةٌ وَلَكِنْ فِي الْبَدْرِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَقَالَ عِيدَانُ بِمُهْمَلَةٍ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِتَفْصِيلِ سَنَدٍ) مُقْتَضَى كَلَامِ جَمْعٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَلَامُ سَنَدٍ وَهُوَ تَقْيِيدُهُ بِبَحْرِ الْقُلْزُمِ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ مِصْرَ حَيْثُ يُحَاذِي الْجُحْفَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ إلَى الْبَرِّ لَزِمَهُ الْهَدْيُ، وَأَمَّا بَحْرُ عَيْذَابَ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِمُحَاذَاتِهِ الْمِيقَاتَ أَيْ: الَّذِي هُوَ الْجُحْفَةُ لِأَنَّ فِيهِ خَوْفًا وَخَطَرًا مِنْ أَنْ تَرُدَّهُ الرِّيحُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِثْلُهُ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِهِ الْإِحْرَامَ إلَى الْبَرِّ فِي الْبَحْرِ قَالَهُ الْحَطَّابُ.
(قَوْلُهُ: هُنَّ لَهُمْ) فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» قَالَ الْقَاضِي كَذَا جَاءَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ يَعْنِي: بِالتَّأْنِيثِ فِي لَهُنَّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ هُنَّ لَهُمْ يَعْنِي: بِالتَّذْكِيرِ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَهُ أَهْلُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَالْأَقْطَارِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ: الْمَدِينَةُ، وَالشَّامُ، وَالْيُمْنُ، وَنَجْدٌ أَيْ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِهَذِهِ الْأَقْطَارِ وَالْمُرَادُ لِأَهْلِهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ أَوْلَى) الْأَوْلَى الْوَاوُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا كَمِصْرِيٍّ مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ شَيْءٌ آخَرُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: رَجَاءَ أَنْ تَغْتَسِلَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْحَائِضَ تَغْتَسِلُ غُسْلَ الْإِحْرَامِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَلَا تُؤَخِّرُ رَجَاءَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى
(قَوْلُهُ: مِنْ أَيِّ مِيقَاتٍ) أَيْ: إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا، أَوْ فِنَائِهِ لَا مِنْ أَوَّلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ عج وَيَدْخُلُ فِي أَوَّلِهِ الْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغٍ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَنُوفِيُّ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ دُخُولِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ كَقَلْمِ ظُفْرٍ) أَيْ: وَاكْتِحَالِهِ وَادِّهَانِهِ بِغَيْرِ مُطَيِّبٍ (قَوْلُهُ: وَيُلَبِّدُهُ بِصَمْغٍ) قَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالْعَسَلِ كَمَا فِي أَبِي دَاوُد قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِمُهْمَلَتَيْنِ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَسَلُ صَمْغُ الْعُرْفُطِ - بِالضَّمِّ - شَجَرٌ الْعِضَاهُ بِالْكَسْرِ أَعْظَمُ شَجَرٍ