للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، ثُمَّ التَّنْعِيمِ وَهِيَ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ تَلِي الْجِعْرَانَةَ فِي الْفَضْلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْجِعْرَانَةُ أَفْضَلَ مِنْ التَّنْعِيمِ لِبُعْدِهَا عَنْ مَكَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَلِاعْتِمَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا وَكَانَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَثُمِائَةِ نَبِيٍّ.

(ص) ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعِيدُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا وَقَعَا بِغَيْرِ شَرْطِهِمَا، وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا طَافَ وَسَعَى حَلَقَ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ أَيْضًا بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ وَيَفْتَدِي؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ حَلَقَ فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَأَهْدَى إنْ حَلَقَ) ، وَقَدْ تَسَامَحَ فِي إطْلَاقِ الْهَدْيِ عَلَى الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ الْحِلَاقَ لَا هَدْيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِيمَا يَتَرَفَّهُ بِهِ، أَوْ يُزِيلُ أَذًى وَالْحِلَاقُ يَتَرَفَّهُ بِهِ، وَقَدْ يُزِيلُ أَذًى.

(ص) وَإِلَّا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمُ وَقَرْنٌ وَذَاتُ عِرْقٍ (ش) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ لِمَنْ بِمَكَّةَ، وَمَا فِي حُكْمِهَا فِي الْحَجِّ مَكَّةُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مِيقَاتُهُ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَمَا فِي حُكْمِهَا فَلِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ وَرَاءَهَا وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالْفَاءِ تَصْغِيرٌ حَلْفَةَ مَاءٍ لِبَنِي جُشَمَ بِالْجِيمِ وَالشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى عَشْرِ، أَوْ تِسْعِ مَرَاحِلَ مِنْهَا وَمِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْ سِتَّةِ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَيُسَمَّى مَسْجِدُهُ بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَقَدْ خَرِبَ وَبِهَا بِئْرٌ يُسَمُّونَهَا الْعَوَامُّ بِئْرَ عَلِيٍّ تَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتَلَ بِهَا الْجِنَّ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ إلَيْهِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، وَلَا يُرْمَى بِهَا حَجَرٌ، وَلَا غَيْرُهُ كَمَا تَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ، وَالْجُحْفَةُ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، وَكَذَا الرُّومُ وَالتَّكْرُورُ وَهِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ قَرْيَةٌ خَرِبَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ عَلَى نَحْوِ خَمْسِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَثَمَانٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا قَالَ بَعْضٌ وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا بِذَلِكَ فِي زَمَانِهِ، وَإِنَّمَا أَجْحَفَهَا السَّيْلُ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ قَالَ آخَرُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إجْحَافٌ قَبْلَ هَذَا.

وَيَلَمْلَمُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مِيمٌ، وَيُقَالُ: أَلَمْلَمُ بِهَمْزَةٍ بَدَلُ الْبَاءِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَيُقَالُ يَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ بَدَلُ اللَّامَيْنِ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقَرْنٌ لِأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ وَيُقَالُ: قَرْنُ الْمَنَازِلِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ تِلْقَاءَ مَكَّةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا قَالُوا: وَهِيَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ لِمَكَّةَ.

وَذَاتُ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَالْمَشْرِقِ، وَمَنْ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَرْيَةٌ خَرِبَتْ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ يُقَالُ إنَّ بِنَاءَهَا تَحَوَّلَ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَيَتَحَرَّى الْقَرْيَةَ الْقَدِيمَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ (ص) وَمَسْكَنٌ دُونَهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْأَبْعَدِ لِمَكَّةَ مِنْ دَارِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ، وَتَأْخِيرُ إحْرَامِهِ مِنْهُ كَتَأْخِيرِ الْمِيقَاتِ فِي لُزُومِهِ الدَّمَ كَمَا يَأْتِي، وَمَسْكَنٌ بِالتَّنْوِينِ وَدُونَهَا صِفَةٌ لَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ لَا بِالْإِضَافَةِ، وَقَوْلُهُ: دُونَهَا أَيْ: لِجِهَةِ مَكَّةَ بِأَنْ يَكُونَ الْمِيقَاتُ خَلْفَ مَسْكَنِهِ لَا إلَى جِهَةِ الذَّاهِبِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: هِيَ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ) إنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمُ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ بِأُخْتِهِ عَائِشَةَ» لَهُ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ

(قَوْلُهُ وَقَرْنُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ: مَاءٌ لِبَنِي جُشَمَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ مَاءٍ.

(قَوْلُهُ عَلَى عَشْرٍ، أَوْ تِسْعٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَلَعَلَّهُ الظَّاهِرُ، أَوْ لِلشَّكِّ (قَوْلُهُ: عَلَى سَبْعَةٍ، أَوْ سِتَّةٍ إلَخْ) ، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ كَمَا أَفَادَهُ بَهْرَامُ فَهِيَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: قَاتَلَ بِهَا الْجِنَّ) أَيْ: قَاتَلَ الْجِنَّ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ وَرَاءَهُمْ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَنْدَلُسَ مُحَاذِيَةٌ لِلْمَغْرِبِ لَا وَرَاءَهُمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَرَاءَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ بِالْجَنُوبِ (قَوْلُهُ: أَنَّ هَذَا إلَخْ) أَيْ: إجْحَافُ السَّيْلِ الْبَاعِثِ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَأَجْحَفَهَا أَيْ: أَهْلَكَهَا.

(تَنْبِيهٌ) : إنْ أُرِيدَ بِيَلَمْلَمَ الْجَبَلُ فَمُنْصَرِفٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْبُقْعَةُ فَغَيْرُ مُنْصَرِفٍ بِخِلَافِ قَرْنٍ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْبُقْعَةِ يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَجْلِ سُكُونِ وَسَطِهِ (قَوْلُهُ: تِهَامَةَ) بِكَسْرِ التَّاءِ (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ) أَيْ: لَا قَرْنَ الثَّعَالِبِ (قَوْلُهُ: قَالُوا وَهِيَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إلَخْ) يُنَاقِضُهُ، قَوْلُهُ بَعْدُ: قَرْيَةٌ خَرِبَتْ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمَشْرِقِ إلَخْ) الْمَشْرِقُ يَشْمَلُ الْكُلَّ (قَوْلُهُ: وَمَسْكَنٌ دُونَهَا) أَيْ: كَقُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ وَمَرِّ الظَّهْرَانِ أَيْ: الْمُسَمَّى الْآنَ بِوَادِي فَاطِمَةَ أَيْ: فَمَسْكَنُهُ، أَوْ مَسْجِدُهُ مِيقَاتُهُ إنْ أَحْرَمَ مُفْرِدًا كَأَنْ قَرَنَ، أَوْ اعْتَمَرَ إنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بِالْحِلِّ فَإِنْ كَانَ بِالْحَرَمِ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ فَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مِنْ مَسْكَنِهِ دُونَهَا إلَى وَرَاءِ الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ مُرِيدَ الْإِحْرَامِ فَكَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ لِمَنْزِلِهِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ وَيَفْصِلُ فِي إحْرَامِهِ مِنْهُ حِينَئِذٍ كَمَا سَبَقَ.

(قَوْلُهُ بِالتَّنْوِينِ) أَيْ: وَدُونَهُ إلَّا أَنَّهُ بِالتَّنْوِينِ صِفَةٌ لِمَسْكَنٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ: وَمَسْكَنُ شَخْصٍ دُونَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ظَرْفٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ مَبْنِيٌّ إلَخْ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يُنْتِجُ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَتْحِ بَلْ يُنْتِجُ النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِقَوْلِهِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا إلَى جِهَةِ الذَّاهِبِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَيْ: لِجِهَةِ الْخَلَفِ الَّتِي هِيَ جِهَةُ الْأَقْطَارِ لَا جِهَةُ مَكَّةَ وَلَوْ قَالَ لَا إلَى جِهَةِ الْأَقْطَارِ لَكَانَ أَوْضَحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>