وَهَدْيَ تَطَوُّعٍ إنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ (ش) أَشَارَ بِهَذَا إلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْهَدْيِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ، وَجَعَلَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ الْمَحَلِّ وَبَعْدَهُ، وَقِسْمٌ يُؤْكَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَقِسْمٌ يُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَا بَعْدَهُ، وَقِسْمٌ عَكْسُهُ فَالْأَوَّلُ نَذْرُ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنُ لَهُمْ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالنِّيَّةِ بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الْبَدَنَةُ نَذْرٌ لِلْمَسَاكِينِ كَانُوا مُعَيَّنِينَ أَمْ لَا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ بِهِ وَرَسُولِهِ وَمَأْمُورِهِمَا مِمَّنْ لَيْسَ مُسْتَحِقًّا الْأَكْلُ مِنْهُ سَوَاءٌ بَلَغَ الْمَحَلَّ وَهُوَ مَكَّةُ، أَوْ مِنًى أَمْ لَا، وَالثَّانِي كَهَدْيِ الْفَسَادِ أَوْ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ أَوْ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ، أَوْ تَرْكِ النُّزُولِ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، أَوْ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلًا، أَوْ مَبِيتِ مِنًى، أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ، أَوْ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ، أَوْ تَبْعِيضِ الْمَشْيِ فَيَأْكُلُ مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَ الْمَحَلِّ وَبَعْدَهُ وَإِذَا قُلْنَا لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ مِمَّنْ تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ أَوْ لَا، تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَمْ لَا وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِهْدَاءُ بِالْكُلِّ وَالْبَعْضِ بِلَا حَدٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَهُ سَنَدٌ، وَيُكْرَهُ لَهُ الْإِطْعَامُ، أَوْ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا لِلذِّمِّيِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّالِثُ نَذْرُ الْمَسَاكِينِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ لَهُمْ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ كَعَلَيَّ هَدْيٌ أَوْ بَدَنَةٌ لِلْمَسَاكِينِ وَالْفِدْيَةُ الْمَنْوِيُّ بِهَا الْهَدْيُ وَالْجَزَاءُ لِلصَّيْدِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ الْمَحَلِّ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْهَا وَيَأْكُلُ قَبْلَ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ، وَالرَّابِعُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَجِبْ لِشَيْءٍ فَيَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحَلِّ لَا إنْ عَطِبَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لَهُ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ ذَبْحُهُ فَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَمُوتَ فَيَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَبْحِهِ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ قَالَهُ سَنَدٌ، فَمُنِعَ مِنْ الْأَكْلِ لِاتِّهَامِهِ عَلَى عَطَبِهِ وَقَالَ: الْمَنْعُ تَعَبُّدًا فَقَوْلُهُ: عَيْنٌ سَيَأْتِي مَفْهُومُهُ صَرَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَأَمَّا النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ لَا بِقَيْدِ الْمَسَاكِينِ فَتَطَوُّعٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ لِغَيْرِ الْمَسَاكِينِ فَعَكْسُ الْجَمِيعِ.
(ص) فَتُلْقَى قِلَادَتُهُ بِدَمِهِ وَيُخَلَّى لِلنَّاسِ (ش) يَعْنِي أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَنْحَرُهُ وَيُلْقِي قِلَادَتَهُ وَخِطَامَهُ وَجِلَالَهُ وَيُخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ، وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَا بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ وَبَيْنَ النَّاسِ الشَّامِلِ لِلْفَقِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ عَامًّا فِي كُلِّ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِ الْفَقِيرِ وَقَوْلُهُ بِدَمِهِ هُوَ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ عَلَامَةٌ لِكَوْنِهَا هَدْيًا وَلِإِبَاحَةِ أَكْلِهَا وَلِئَلَّا تُبَاعَ وَقَوْلُهُ (كَرَسُولِهِ) تَشْبِيهٌ فِي أَنَّهُ يَنْحَرُهُ، أَوْ يَذْبَحُهُ وَيُلْقِي قِلَادَتَهُ بِدَمِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ التَّشْبِيهُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَحْكَامِ وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِيهَا: وَالْمَبْعُوثُ مَعَهُ الْهَدْيُ يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا مِنْ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ وَنَذْرِ الْمَسَاكِينِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا
ــ
[حاشية العدوي]
وَأَمَّا إذَا عَطِبَتْ قَبْلَ الْمَحَلِّ فَيَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدُ وَقَبْلُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ فَإِنْ قُلْت الْفِدْيَةُ الَّتِي لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا قَدْ قُلْت بِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا مُطْلَقًا وَاَلَّتِي جُعِلَتْ هَدْيًا يَأْكُلُ قَبْلُ لَا بَعْدُ قُلْت الَّتِي لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا لَا يَتَقَيَّدُ ذَبْحُهَا بِمَوْضِعٍ فَأَيُّ مَوْضِعٍ ذُبِحَتْ فِيهِ أَجْزَأَ وَقَدْ قُلْنَا إنَّهَا عِوَضٌ عَنْ التَّرَفُّهِ وَأَمَّا الَّتِي جُعِلَتْ هَدْيًا فَإِنَّهُ صَارَ لِمَوْضِعِ ذَبْحِهَا مَوْضِعٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ مَكَّةُ أَوْ مِنًى فَإِذَا عَطِبَتْ قَبْلَ الْمَحَلِّ يَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ فَجَازَ لَهُ الْأَكْلُ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَا بَعْدُ.
(قَوْلُهُ وَهَدْيَ تَطَوُّعٍ) أَيْ وَإِلَّا هَدْيَ تَطَوُّعٍ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ إنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَقَوْلُهُ قَبْلَ مَحَلِّهِ مُتَعَلِّقٌ بِعَطِبَ، وَأَمَّا عَدَمُ الْأَكْلِ فَهُوَ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ) فِي تت مَا يُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ لِلَّخْمِيِّ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ (قَوْلُهُ فَتَطَوُّعٌ) أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَإِذَا عَطِبَ بَعْدَ الْمَحَلِّ يَأْكُلُ مِنْهُ وَإِذَا عَطِبَ قَبْلُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ لِغَيْرِ الْمَسَاكِينِ فَعَكْسُ الْجَمِيعِ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَهُوَ مِنْ الْجَمِيعِ أَيْ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلُ وَبَعْدُ؛ وَإِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلُ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَهُ لِأَنَّ آكِلَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَهُوَ عَلَى سُنَّةِ الْهَدَايَا.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ عَامًّا فِي كُلِّ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِ الْفَقِيرِ) قَالَ عج هَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الشَّارِحِينَ وَهُوَ مَا لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا سَنَدٌ فَخَصَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ بِالْمُسْلِمِ الْفَقِيرِ وَإِذَا مَشَّيْنَاهُ عَلَى كَلَامِهِ فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ الْمُسْلِمُ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ هُوَ مَقْصُودٌ) أَيْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إلْقَاءُ الْقِلَادَةِ فَقَطْ بَلْ الْمَقْصُودُ الْأَمْرَانِ مَعًا (قَوْلُهُ وَذَلِكَ عَلَامَةٌ) أَيْ الْإِلْقَاءُ بِالدَّمِ عَلَامَةٌ لِكَوْنِهِ هَدْيًا وَقَوْلُهُ: وَلِإِبَاحَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِكَوْنِهَا هَدْيًا أَيْ وَعَلَامَةً لِإِبَاحَةِ أَكْلِهَا وَقَوْلُهُ وَلِئَلَّا تُبَاعَ أَيْ وَعَلَامَةٌ لِعَدَمِ الْبَيْعِ لَهَا وَلَا يُخْفَى أَنَّ عَدَمَ الْبَيْعِ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِهِ هَدْيًا.
(قَوْلُهُ تَشْبِيهٌ فِي أَنَّهُ يَنْحَرُهُ. . . إلَخْ) أَيْ أَنَّ رَسُولَهُ أَيْ صَاحِبِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ الَّذِي عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ مِثْلُ صَاحِبِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ قَبْلَ الْمَحَلِّ وَيَأْكُلُ بَعْدُ قَالَ عب تَشْبِيهٌ فِي أَنَّهُ يُزَكِّيهِ وَيُلْقِي قِلَادَتَهُ وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِسْكِينًا قَالَهُ تت قَالَ مُحَشِّيهِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ صَحِيحٍ حُكْمًا وَعَزْوًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْفَقِيرِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّسُولَ حُكْمُهُ حُكْمُ رَبِّهِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْأَكْلِ فَلَا وَجْهَ لِجَوَازِ أَكْلِهِ إنْ كَانَ مِسْكِينًا إذْ لَيْسَ لِلْمَسَاكِينِ فَقَطْ وَأَمَّا لِلثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ قَالَتْ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ لِلْمَسَاكِينِ فَقَطْ وَنَصُّهَا وَالْمَبْعُوثُ مَعَهُ الْهَدْيُ يَأْكُلُ مِنْهُ لَا مِنْ الْجَزَاءِ، أَوْ الْفِدْيَةِ، أَوْ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا فَجَائِزٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ اهـ.
وَوَجْهُهُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا هَدْيُ التَّطَوُّعِ فَلَمْ نَقُلْ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَتْ وَإِنْ بَعَثَ بِهَا مَعَ رَجُلٍ فَعَطِبَتْ فَسَبِيلُ الرَّسُولِ سَبِيلُ صَاحِبِهَا لَوْ كَانَ مَعَهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْفَقِيرِ صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ قَالَ فِيهَا) دَلِيلٌ لِمَا قَالَ إلَّا أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبَعْضِ فَقَطْ أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ وَالْفِدْيَةُ وَالْجَزَاءُ بَعْدَ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ وَالْفِدْيَةُ) أَيْ الَّتِي قَصَدَ بِهَا الْهَدْيَ وَقَوْلُهُ وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute