للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا فَجَائِزٌ أَنْ يَأْكُلَ.

(ص) وَضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ بِأَخْذِ شَيْءٍ كَأَكْلِهِ مِنْ مَمْنُوعٍ بَدَلَهُ (ش) أَيْ وَضَمِنَ رَبُّ الْهَدْيِ بِأَمْرِهِ وَاحِدًا مُعَيَّنًا وَلَوْ فَقِيرًا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ، أَوْ أَكْلِهِ مِنْهُ بَدَلَهُ هَدْيًا كَامِلًا؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ مِنْهُ أَبْطَلَ إرَاقَةَ الدَّمِ فِيهِ فَوَجَبَ أَصْلُ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ إذْ لَا يَثْبُتُ بَعْضُ هَدْيٍ وَضَمَانُهُ لِلْبَدَلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ الرَّسُولِ وَهِيَ الصُّورَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِصَاحِبِهِ أَيْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَسْتَقِلُّ فِيهِ الرَّسُولُ بِالتَّعَدِّي، وَأَمَّا مَوْضِعٌ يَسْتَقِلُّ فِيهِ الرَّسُولُ بِالتَّعَدِّي فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَمَّا الرَّسُولُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أُمِرَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِثْمُ فَقَطْ وَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ قَدْرَ أَكْلِهِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا فَلَا ضَمَانَ وَلَا إثْمَ وَانْظُرْ إيضَاحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ (ص)

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا) حَاصِلُ ذَلِكَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُحْتَمَلُ إلَخْ الْمُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ قَالَ فِيهَا دَلِيلٌ لِمَا قَالَ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَيْ دَلِيلٌ لِبَعْضِهِ لَا كُلِّهِ إذْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ بَعْدَ الْمَحَلِّ كَرَبِّهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحَلِّ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ وَإِنْ كَانَ رَبُّهَا يَأْكُلُ مِنْهَا قَبْلَ الْمَحَلِّ إلَّا أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا قَبْلَ الْمَحَلِّ وَيُجْزِئُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يَجُوزُ لِرَبِّهِ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ فِي الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ رَبِّهِ إلَّا فِيمَا إذَا عَطِبَ الْوَاجِبُ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ لِتُهْمَتِهِ أَنْ يَكُونَ عَطِبَ بِسَبَبِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الثَّلَاثَةِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ الْمَحَلِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ لَا يَتَّهِمُهُ أَوْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْغُرْمِ إنْ اتَّهَمَهُ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْلَهُ مِنْهُ لَا يُمْنَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْعَطَبُ مِنْهُ، وَأَمَّا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَقَدْ عَلِمْته وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْأَكْلُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ قَبْلَ الْمَحَلِّ.

(قَوْلُهُ وَضَمِنَ إلَخْ) هَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابٌ لِسُؤَالٍ اقْتَضَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ عَلَى صَاحِبِهِ وَعَلَى رَسُولِهِ ابْتِدَاءً وَمَا الْحُكْمُ لَوْ وَقَعَ وَأَكَلَ رَبُّ الْهَدْيِ، أَوْ رَسُولُهُ: أَوْ أَمَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إنْسَانًا بِأَخْذِ شَيْءٍ أَوْ بِالْأَكْلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَقِيرًا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ) أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِأَخْذِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَدَلَهُ هَدْيًا كَامِلًا إذَا أَمَرَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَأَمَّا إنْ أَمَرَ مُسْتَحِقًّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَبَّ الْهَدْيِ إذَا أَمَرَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَدَلَهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَمَرَ مُسْتَحِقَّهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ أَمَرَ فِي غَيْرِ التَّطَوُّعِ فَإِنْ أَمَرَ مُسْتَحِقًّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَمَرَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ ضَمِنَ الْبَدَلَ (قَوْلُهُ بَدَلَهُ هَدْيًا كَامِلًا) أَيْ وَيَصِيرُ حُكْمُ مُبْدَلِهِ مِنْ الْمَنْعِ فَإِنْ أَكَلَ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْبَدَلِ فَانْظُرْ هَلْ يَضْمَنُ بَدَلَهُ هَدْيًا كَامِلًا أَيْضًا لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ، أَوْ قَدْرَ أَكْلِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ إذْ هُوَ مُنَزَّلٌ فَقَطْ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ وَضَمَانُهُ لِلْبَدَلِ فِي غَيْرِ صُورَةٍ) إنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ دَفْعًا لِاعْتِرَاضِ الْبِسَاطِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَضَمِنَ غَيْرُ الرَّسُولِ وَيُسْقِطُ لَفْظَةَ فِي؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي رَبِّ الْهَدْيِ لَا فِي الرَّسُولِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ وَغَيْرُ مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ هِيَ مَسْأَلَةُ رَبِّ الْهَدْيِ (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَمَرَ) أَيْ سَوَاءٌ أَمَرَ مُسْتَحِقًّا أَمْ لَا وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِثْمُ فَقَطْ أَيْ إذَا أَمَرَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَأَمَّا إذَا أَمَرَ مُسْتَحِقًّا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ قَدْرَ أَكْلِهِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا أَيْ فَفَرْقٌ بَيْنَ الْآمِرِ وَالْآكِلِ فَالْآمِرُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَالْآكِلُ يَضْمَنُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا فَلَا يَضْمَنُ وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ عج فَإِنَّهُ قَالَ.

وَأَكْلُهُ مِمَّا عَلَيْهِ حَرُمَا ... يُوجِبُ هَدْيًا كَامِلًا فَلْتَعْلَمَا

وَمِثْلُهُ إطْعَامُ مَنْ لَا يَسْتَحِقّ ... وَأَمْرُهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ يَلْتَحِقْ

كَأَمْرِهِ وَلَوْ لِمُسْتَحِقِّ ... بِالْأَخْذِ مِنْ تَطَوُّعٍ فَاسْتَبْقِ

وَيَغْرَمُ الرَّسُولُ قَدْرَ مَا أَكَلْ ... كَذَا إذَا أَخْذٌ بِأَمْرِهِ حَصَلْ

وَكَانَ كُلٌّ لَيْسَ أَهْلًا فَاعْرِفَا ... وَإِنْ يَكُنْ أَهْلًا فَغُرْمُهُ انْتَفَى

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مُسْتَحِقًّا فَلَا ضَمَانَ وَلَا إثْمَ) فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قَالَهُ عج لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهَا قَالَتْ وَإِنْ بَعَثَ بِهَا مَعَ رَجُلٍ فَعَطِبَتْ فَسَبِيلُ الرَّسُولِ سَبِيلُ صَاحِبِهَا لَوْ كَانَ مَعَهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا الرَّسُولُ اهـ فَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ.

(قَوْلُهُ وَانْظُرْ إيضَاحَ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا مُنِعَ رَبُّهُ مِنْ أَكْلِهِ قَبْلَ بُلُوغِ مَحَلِّهِ وَبَعْدَهُ، أَوْ قَبْلَهُ فَقَطْ أَوْ بَعْدَهُ فَقَطْ إذَا أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَدَلَهُ هَدْيًا كَامِلًا إلَّا فِي الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ لِلْمَسَاكِينِ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ يَضْمَنُ قَدْرَ أَكْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِذَا أَمَرَ رَبُّهُ غَيْرَهُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ، أَوْ بِأَكْلِهِ مِنْهُ فَأَخَذَ أَوْ أَكَلَ وَكَانَ الْمَأْمُورُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ فَإِنَّ رَبَّهُ يَضْمَنُ هَدْيًا كَامِلًا إلَّا فِي الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ لِلْمَسَاكِينِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى ضَمَانِ قَدْرِ أَكْلِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ الْمَذْكُورَ أَخَفُّ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْجَارِيَانِ فِي أَكْلِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِالْأَكْلِ، أَوْ بِالْأَخْذِ مُسْتَحِقًّا بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَقِيرًا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، أَوْ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ هَدْيًا كَامِلًا وَهُوَ الْمُرْتَضَى عِنْدَهُمْ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ الَّذِي عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ مُخَالِفٌ لِبَاقِي مَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا مُسْتَحِقًّا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَضْمَنُ فِي غَيْرِهِ يَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْعَ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ مُعَلَّلٌ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْقَوْلَيْنِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ مُتَّهَمٌ فِي عَطَبِهِ؛ لِحُصُولِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>