للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَى ذَلِكَ وَاثِقًا بِإِقْدَارِ الْكَرِيمِ الْمَالِكِ

وَهَا أَنَا أَشْرَعُ فِي الْمُرَادِ رَاقِمًا لِلشَّرْحِ (ش) وَلِلْأَصْلِ (ص) فَأَقُولُ وَمِنْ اللَّهِ أَسْتَمِدُّ عَلَى حُصُولِ الْمَأْمُولِ (ص) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (ش) افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِافْتِتَاحِ الْكِتَابِ بِهَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ أَوْ أَجْذَمُ» أَيْ نَاقِصٌ وَقَلِيلُ الْبَرَكَةِ وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَاثِقًا) حَالٌ مِنْ التَّاءِ فِي أَجَبْت وَقَوْلُهُ بِإِقْدَارِ أَيْ بِكَوْنِهِ يُقَدِّرُنِي أَيْ يُعْطِينِي قَدْرَهُ أَيْ لَا وَاثِقًا بِعِلْمِي وَفَهْمِي (قَوْلُهُ الْكَرِيمِ الْمَالِكِ) لَمَّا كَانَ الْإِقْدَارُ الْمَذْكُورُ نِعْمَةً وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ كَرِيمٍ مَالِكٍ لَا مِنْ خِلَافِهِ مِمَّنْ عُدِمَ فِيهِ الْوَصْفَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ

(قَوْلُهُ وَهَا أَنَا أَشْرَعُ إلَخْ) فِيهِ شُذُوذٌ حَيْثُ أَدْخَلَ هَا التَّنْبِيه وَلَيْسَ الْخَبَرُ اسْمَ إشَارَةٍ (قَوْلُهُ رَاقِمًا) حَالٌ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَعْمُولُهُ ص وش أَيْ رَاقِمًا عَلَامَةَ الشَّرْحِ ش مُخْتَصَرَةً مِنْ لَفْظِ الشَّارِحِ وص مُخْتَصَرَةٌ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَالظَّاهِرُ قِرَاءَتُهُ بِالْمُسَمَّى لَا بِالِاسْمِ وَفَعَلَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْكَتَبَةِ فِي ثَمَنِ الْمِدَادِ الْأَحْمَرِ (قَوْلُهُ فَأَقُولُ) مَقُولُ الْقَوْلِ افْتَتَحَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْمُولَهُ ص إلَخْ أَيْ فَأَقُولُ الْمُصَنِّفُ قَالَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَالْمُصَنِّفُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَقَوْلُهُ وَمِنْ اللَّهِ أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي أَسْتَمِدُّ مِنْ اللَّهِ أَيْ لَا أَطْلُبُ الْمَدَدَ إلَّا مِنْ اللَّهِ، وَهُوَ الْفَهْمُ الصَّائِبُ (قَوْلُهُ عَلَى حُصُولِ الْمَأْمُولِ) أَيْ لِأَجْلِ حُصُولِ الْمَأْمُولِ أَوْ أَنَّهُ ضَمَّنَ اسْتَمَدَّ مَعْنَى التَّقَوِّي (قَوْلُهُ بِالْبَسْمَلَةِ) هِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ بَسْمَلَ إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قَوْلِهِ اقْتِدَاءً) أَيْ لِأَجْلِ الِاقْتِدَاءِ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اُبْتُدِئَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ عَلَى مَذْهَبِنَا وَالْكِتَابُ هُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ كَتَبَ (قَوْلُهُ الْعَزِيزِ) أَيْ الْعَدِيمِ الْمِثَالِ فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ التَّنْزِيهِ أَوْ الْقَوِيِّ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ كُلَّ مَنْ يُرِيدُ مُعَارَضَتَهُ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَالْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ) جَمْعُ أَثَرٍ وَالْأَثَرُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْوِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ الصَّحَابِيِّ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فَقَوْلُهُ النَّبَوِيَّةِ نِسْبَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَصَّصَةً.

(تَنْبِيهٌ) : قَوْلُهُ وَالْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ أَيْ وَعَمَلًا بِالْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى حَدِّ

عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

أَيْ وَسَقَيْتهَا إذْ الْآثَارُ النَّبَوِيَّةُ يُنَاسِبُهَا الْعَمَلُ لَا الِاقْتِدَاءُ وَقَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ أَيْ وَعَمَلًا بِمُقْتَضَى إجْمَاعِهِمْ الْفِعْلِيِّ (قَوْلُهُ لِافْتِتَاحِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ اقْتِدَاءً إلَخْ.

وَقَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَالْآثَارِ وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ أَبْتَرُ وَأَقْطَعُ وَأَجْذَمُ أَوْ أَرَادَ جِنْسَ الْآثَارِ الْمُتَحَقِّقِ فِي وَاحِدٍ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ مَا يَرْجِعُ لِلْإِجْمَاعِ فَيَقُولُ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا (قَوْلُهُ ذِي بَالٍ إلَخْ) أَيْ حَالٍ يَهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا أَوْ قَلْبٍ تَشْبِيهًا بِذِي قَلْبٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ أَعْنِي ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ، وَهُوَ هُنَا الْأَمْرُ وَشَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهُوَ هُنَا الْقَلْبُ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِشَرَفِهِ كَأَنَّهُ مَلَكَ قَلْبَ صَاحِبِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ وَقَالَ ذِي وَلَمْ يَقُلْ كُلُّ أَمْرٍ صَاحِبُ بَالٍ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِذِي أَبْلَغَ مِنْ الْوَصْفِ بِصَاحِبٍ فَإِنَّ ذِي تُضَافُ لِلتَّابِعِ فَتَكُونُ هِيَ الْمَتْبُوعَةُ وَصَاحِبُ يُضَافُ إلَى الْمَتْبُوعِ فَيَكُونُ تَابِعًا تَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا تَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَمَّا ذُو فَتَقُولُ ذُو الْمَالِ وَذُو الْفَرَسِ فَتَجِدُ الْأَوَّلَ مَتْبُوعًا (قَوْلُهُ لَا يُبْدَأُ فِيهِ) أَيْ لَا يُبْدَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ فِيهِ فَالْبَاءُ صِلَةُ يُبْدَأُ وَفِيهِ نَائِبُ الْفَاعِلِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَيَكُونُ كَرِوَايَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَأُورِدُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ تَعُمُّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى كُلُّ أَمْرٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِجَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَهَذَا عَسِرٌ جِدًّا وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ النَّكِرَةُ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ تَعُمُّ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلْعُمُومِ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ.

وَالْقَرِينَةُ هَاهُنَا قَائِمَةٌ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ إذْ الْعُسْرُ مُنْتَفٍ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْفَاءُ وَالضَّمِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى الَّتِي هِيَ رِوَايَةُ أَبْتَرُ فَهِيَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» فَهِيَ بِبَاءَيْنِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَكَذَا رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ وَنَسَبَهُ لِلْخَطِيبِ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ» بِدُونِ الْفَاءِ وَالضَّمِيرِ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الرَّهَاوِيِّ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَجْذَمُ» وَالْأَبْتَرُ لُغَةً مَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ لَهُ وَالْأَقْطَعُ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا وَالْأَجْذَمُ لُغَةً مَنْ بِهِ الدَّاءُ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ مَنْ قُطِعَتْ أَصَابِعُ كَفَّيْهِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ مُسَاوِيًا لِأَقْطَعَ. وَأَمَّا الْقَامُوسُ فَقَدْ فَسَّرَهُ بِمَنْ بِهِ الدَّاءُ الْمَعْرُوفُ وَبِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَطْلَقَ كُلٌّ مِنْهَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَلَّتْ بَرَكَتُهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَوْ فُقِدَتْ كَمَا قَالَ آخَرُ تَشْبِيهًا لَهُ بِمَا فَقَدَ ذَنَبَهُ الَّذِي تَكْمُلُ بِهِ خِلْقَتُهُ أَوْ بِمَنْ فَقَدَ يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ يَعْتَمِدُ بِهِمَا فِي الْبَطْشِ وَمُحَاوَلَةُ التَّحْصِيلِ أَوْ بِمَنْ فَقَدْ أَصَابِعَهُ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَا يَرُومُ تَحْصِيلَهُ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ إمَّا مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ لِنَاقِصٍ وَقَلِيلِ الْبَرَكَةِ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي زَيْدٌ أَسَدٌ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ نَاقِصٌ وَقَلِيلُ الْبَرَكَةِ إمَّا أَنَّهُ الْمُسْتَعَارُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَإِمَّا حَاصِلُ الْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ اسْتِعَارَةً بِالْكِنَايَةِ فَنَقُولُ شَبَّهَ الَّذِي لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ بِالنَّاقِصِ الْخِلْقَةِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَطْلَقَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَلَى الْمُشَبَّهِ فَتَكُونُ اسْتِعَارَةً بِالْكِنَايَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ خُصُوصُ الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ الْبَتْرُ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ الْوَصْفِ الصِّفَةُ لَا الذَّاتُ مَعَ الصِّفَةِ.

(قَوْلُهُ وَقَلِيلُ الْبَرَكَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ نَاقِصٌ أَيْ الْمُرَادُ بِنُقْصَانِهِ قِلَّةُ بَرَكَتِهِ، وَإِنْ كَمُلَ حِسًّا (قَوْلُهُ وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ) أَيْ فَلَيْسَتْ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَلَا لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ الْبَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>