للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُؤَلِّفُ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ يَعُمُّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ التَّأْلِيفِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ افْتَتَحَ وَنَحْوِهِ لِإِيهَامِ قَصْرِ التَّبَرُّكِ عَلَى الِافْتِتَاحِ فَقَطْ وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ فَيَعُمُّ الصِّفَاتِ أَيْضًا وَالرَّحْمَنُ الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ كَمِّيَّةً أَوْ كَيْفِيَّةً وَالرَّحِيمُ الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا كَذَلِكَ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ اللَّهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ، ثُمَّ الثَّانِي لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الثَّالِثِ فَقَدَّمَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لَهُ كَالتَّتِمَّةِ

ــ

[حاشية العدوي]

فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ نَقُولُ إنَّ الْأَفْضَلَ جَعْلُهَا لِلْمُصَاحَبَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ؛ لِأَنَّ بَاءَ الِاسْتِعَانَةِ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ نَحْوَ كَتَبْت بِالْقَلَمِ فَجَعْلُهَا لِلِاسْتِعَانَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ آلَةٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَدَبِ عَلَى أَنَّ مَرْجِعَهَا لِلْأُولَى.

(قَوْلُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا جُعِلَتْ الْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ وَمِثْلُهَا الْمُصَاحَبَةُ تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُؤَلِّفُ مُسْتَعِينًا بِبِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَلْ الْحَالُ هُوَ الْمَحْذُوفُ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ أَوْ الْمَجْرُورُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ نَصْبٌ بِالْحَالِ الْمَحْذُوفِ لَا بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَعَلَى الثَّانِي مَحَلُّهُ نَصْبٌ مِنْ حَيْثُ الْمَفْعُولِيَّةُ بِالْحَالِ الْمَحْذُوفِ وَمِنْ حَيْثُ الْحَالِيَّةُ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُؤَلِّفُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِيَّةِ لَا الْمَفْعُولِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ كَأُصَنِّفُ (قَوْلُهُ مِنْ أَفْتَتِحُ وَنَحْوِهِ) أَيْ كَأَبْتَدِئُ (قَوْلُهُ لِإِيهَامِ قَصْرِ التَّبَرُّكِ) أَيْ إنَّ التَّعْبِيرَ بِأَفْتَتِحُ وَنَحْوِهِ يُوهِمُ أَيْ يُوقِعُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ عَلَى سَبِيلِ الرُّجْحَانِ قَصْرَ التَّبَرُّكِ لَا الطَّرْفِ الْمَرْجُوحِ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ إنَّهُ رَاجِحٌ مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَفْتَتِحُ لَا مَرْجُوحٌ.

(قَوْلُهُ وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ) أَيْ عَلَمُ شَخْصٍ لَا جِنْسٍ وَضَعَهُ مُسَمَّاهُ تَعَالَى عَلَى ذَاتِهِ أَوْ الْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ لَا التَّحْقِيقِيَّةِ أَوْ اعْلَمْ أَنَّهُ قَبْلَ دُخُولِ أَلْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْبُودِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لَكِنَّهُ قَبْلَ الْحَذْفِ وَالْإِدْغَامِ غَلَبَتُهُ تَحْقِيقِيَّةٌ وَبَعْدَهُمَا غَلَبَتُهُ تَقْدِيرِيَّةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْغَلَبَةَ التَّحْقِيقِيَّةَ اللَّفْظُ فِيهَا أُطْلِقَ بِالْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ مَا غَلَبَ فِيهِ مِنْ أَفْرَادِهِ وَالتَّقْدِيرِيَّة اللَّفْظُ فِيهَا يَصْلُحُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ مَا غَلَبَ فِيهِ مِنْ أَفْرَادِهِ

(قَوْلُهُ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ) أَيْ الَّذِي اقْتَضَتْ ذَاتُهُ وُجُودَهُ، فَإِنْ قُلْت هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الذَّاتَ غَيْرُ الْوُجُودِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ مِنْ أَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ عَيْنِهِ.

أَجَابَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَاتِهِ الْمُتَصَوَّرَةِ فِي الذِّهْنِ أَيْ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَبِوُجُودِهِ ذَاتُهُ الْخَارِجِيَّةُ أَيْ الَّتِي فِي الْوَاقِعِ أَيْ إنَّ ذَاتَهُ الْحَاضِرَةَ فِي الذِّهْنِ يَكْفِي تَصَوُّرُهَا فِي الْحُكْمِ بِكَوْنِهَا خَارِجِيَّةً وَهَذَا أَيْضًا رَدٌّ لِمَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ الذَّاتُ سَبَبًا لِلْوُجُودِ لَزِمَ تَقَدُّمُهَا عَلَيْهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا عَيْنُهُ هَذَا مَا كَتَبَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّاصِرِ (وَأَقُولُ) الْأَقْرَبُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ وُجُودُهُ الِانْتِفَاءَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَيَعُمُّ الصِّفَاتِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا عَمَّ الذَّاتَ، ثُمَّ أَقُولُ قَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ " الْوَاجِبِ الْوُجُودِ " مِنْ تَمَامِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَهُوَ رَأْيُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ تَعْيِينٌ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ وَإِلَّا وَرَدَ أَنَّ الذَّاتَ الْوَاجِبَ الْوُجُودِ كُلِّيٌّ فَلَا يَكُونُ الْمَوْضُوعُ لَهُ مُعَيَّنًا فَلَا يُفِيدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ التَّوْحِيدَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ عُمُومَهُ لِلصِّفَاتِ بِاعْتِبَارِ أَخْذِهَا تَعْيِينًا لِمَدْلُولِهِ لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا جُزْءًا مِنْهُ وَأَلْ فِي الصِّفَاتِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدَةِ إذْ الْمَأْخُوذُ تَعَيُّنًا لَيْسَ جَمِيعَ الصِّفَاتِ بَلْ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ وُجُوبُ الْوُجُودِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَلَوْ بِالِاسْتِلْزَامِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَيَصْدُقُ بِهَا كُلُّهَا إذْ وُجُوبُ الْوُجُودِ لَهُ فِي الْوَاقِعِ يَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْإِلَهِ وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِصِفَاتِهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ يَقُولُ مَدْلُولُهُ الذَّاتُ وَالصِّفَاتُ جَمِيعُ الصِّفَاتِ مَعَانٍ وَمَعْنَوِيَّةٌ وَسُلُوبٌ وَأَفْعَالٌ (قَوْلُهُ فَيَعُمُّ) مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ لِمَدْلُولِهِ.

(قَوْلُهُ الْمُنْعِمُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّحْمَنَ صِفَةُ فِعْلٍ، وَإِنْ فُسِّرَ بِمُرِيدِ الْإِنْعَامِ يَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ (قَوْلُهُ كَمِّيَّةً) أَيْ كَثْرَةَ أَفْرَادِ مَدْلُولِهِ التَّضَمُّنِيِّ وَعَظَمَتَهُ فِي نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ وَرَدَ كَمَا فِي ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ «رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا» فَرَحْمَنُ مَدْلُولُهُ التَّضَمُّنِيُّ الرَّحْمَةُ الْعَظِيمَةُ كَمْيَّةً وَكَيْفِيَّةً كَالْإِنْعَامِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَبِاعْتِبَارِ الْكَمْيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْإِنْعَامِ بِأَلْفِ جَدِيدٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا أَلْفًا، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جَدِيدًا لَا دِينَارًا يَكُونُ حَقِيرًا كَيْفِيَّةً فَيَكُونُ الْإِنْعَامُ بِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَدْلُولَ الرَّحِيمِ التَّضَمُّنِيِّ فَلَوْ أَنْعَمَ بِدِينَارٍ وَاحِدٍ فَالْإِنْعَامُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ وَهِيَ الدِّينَارِيَّةُ مَدْلُولُ الرَّحْمَنِ التَّضَمُّنِيُّ وَمِنْ حَيْثُ الْكَمْيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ وَاحِدًا فَقَطْ مَدْلُولُ الرَّحِيمِ التَّضَمُّنِيُّ فَلَوْ أَنْعَمَ بِجَدِيدٍ وَاحِدٍ فَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجَدِيدَ الْوَاحِدَ حَقِيرٌ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً فَالْإِنْعَامُ بِهِ مَدْلُولُ الرَّحِيمِ التَّضَمُّنِيُّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعِظَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا ضِدُّهُ مِنْ الْحَقَارَةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَظْهَرُ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا جِسَامٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَقَارَةَ تَكُونُ وَلَوْ نِسْبِيَّةً فَمَا أَعْطَى فِي الْجَنَّةِ لِوَاحِدٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ وَلَوْ عَظُمَ هُوَ حَقِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أَعْطَى لِلْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ كَيْفِيَّةً) أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ كَالْإِنْعَامِ بِأَلْفِ دِينَارٍ (قَوْلُهُ بِدَقَائِقِهَا) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ الْمُنْعِمُ بِدُونِ قَيْدِهَا.

(قَوْلُهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ) الَّتِي هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِالرَّحْمَةِ وَالذَّاتُ مُقَدَّمَةٌ تَعَقُّلًا عَلَى الصِّفَاتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَدْلُولَ لِلَفْظِ الْجَلَالَةِ الذَّاتُ فَقَطْ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ فَيُنَافِي ظَاهِرَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الثَّانِي) ، ثُمَّ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ وَقِسْ عَلَيْهِ نَظَائِرَهُ (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ أَيْ إنَّ رَحْمَنَ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ قَوْلُ جَمَاعَةِ مُسَيْلِمَةَ لَهُ رَحْمَنُ الْيَمَامَةِ وَقَوْلُهُمْ

سَمَوْت بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمَيْنِ أَبًا ... وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا

؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ عَلَى التَّحْقِيقِ إنَّمَا هُوَ الْمُعَرَّفُ دُونَ الْمُنَكَّرِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الثَّالِثِ) أَيْ إنَّ الثَّانِيَ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ مِنْ الثَّالِثِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ قَدَّمَ عَلَى الثَّالِثِ وَإِنَّمَا كَانَ الرَّحْمَنُ أَبْلَغَ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>