بِالصَّوْمِ قَبْلَ حِنْثِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ يَمِينِ الْحِنْثِ الْمُؤَجَّلِ أَمَّا هُوَ فَلَا يُكَفِّرُهُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ أَجْزَأَتْ يَعْنِي الْكَفَّارَةَ أَنَّ هَذَا فِي يَمِينِ تُكَفَّرُ فَلَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا تُكَفِّرُ كَطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يَمْشِيَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَزِمَهُ فِعْلُهُ مَرَّةً أُخْرَى إذَا حَنِثَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ آخِرِ طَلْقَةٍ أَوْ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ انْتَهَى وَالصَّدَقَةُ كَالْعِتْقِ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ وَانْظُرْ تَلْخِيصَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَبِيرِ (ص) وَوَجَبَتْ بِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْحِنْثِ اتِّفَاقًا وَالْحِنْثُ فِي يَمِينِ الْبِرِّ بِالْفِعْلِ وَفِي يَمِينِ الْحِنْثِ بِعَدَمِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ) إلَى أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ مَحِلُّهُ إذَا حَنِثَ طَائِعًا أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ كَمَنْ حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّ زَيْدًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ فِيهِ لِمَانِعٍ حَصَلَ أَمَّا مَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ وَأُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا يَحْنَثُ كَمَنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ الْحَمَّامَ مَثَلًا فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ فَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ أَيْ مُطْلَقٍ بِأَنْ فَاتَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَانِعُ عَقْلِيًّا وَلَمْ يُفَرِّطْ كَمَا يَأْتِي أَوْ فِعْلُهُ فِي الْبِرِّ الْمُطْلَقِ طَوْعًا لَا أَنَّ فِعْلَهُ مُكْرَهًا فَلَا حِنْثَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ مَنْطُوقُهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ وَمَفْهُومُهُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحِنْثِ بِالْإِكْرَاهِ فِي يَمِينِ غَيْرِ الْبِرِّ أَنَّ يَمِينَ الْحِنْثِ الْحِنْثُ فِيهَا بِالتَّرْكِ وَيَمِينُ الْبِرِّ الْحِنْثُ فِيهَا بِالْفِعْلِ وَأَسْبَابُ التَّرْكِ كَثِيرَةٌ فَضَيَّقَ فِيهِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ يَمِينِ الْحِنْثِ الْمُؤَجَّلِ) أَيْ هَذَا فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الْحِنْثُ الْمُؤَجَّلُ فَلَا يُكَفِّرُ يُوَافِقُهُ مَا فِي الْمَوَّاقِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّقْلَ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ إنْ كَانَ بَرَّ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ حِنْثِهِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ وَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ وَنَصُّ التَّهْذِيبِ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يَمْشِيَ قَبْلَ الْحِنْثِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ بِرٍّ أَوْ صِيغَةَ حِنْثٍ مُطْلَقٍ وَأَمَّا مُقَيَّدٌ فَقَدْ عَرَفْته (قَوْلُهُ أَوْ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ أَوْ غَيْرِ عَبْدِ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا آخِرُ طَلْقَةٍ أَوْ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَمِثْلُهَا الثَّلَاثُ فَيُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ إلَخْ.
(أَقُولُ) حَاصِلُ مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ شَارِحِنَا أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِطَلَاقٍ بَالِغِ الْغَايَةِ أَمْ لَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ أَوْ عَلَى حِنْثٍ وَالْحِنْثُ إمَّا مُطْلَقٌ أَوْ مُقَيَّدٌ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ مُطْلَقٍ فَتُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ آخِرِ طَلْقَةٍ وَأَمَّا بِعِتْقِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِطَلَاقِ غَيْرِ بَالِغِ الْغَايَةِ فَلَا تُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ مُقَيَّدٍ فَلَا تُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا كَفَّرَتْ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا تُجْزِئُ فَيُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ وَانْظُرْ تَلْخِيصَ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَتَلْخِيصَهَا عَلَى مَا فِيهِ وَهَذَا كَلَامُ عج أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ بِالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ بِالطَّلَاقِ الْبَالِغِ غَايَتُهُ يُجْزِئُ مَا فَعَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْحِنْثِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينَ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ كَذَلِكَ أَوْ بِطَلَاقٍ لَمْ يَبْلُغْ الْغَايَةَ أَوْ بِصَوْمٍ أَوْ يَمْشِي فَإِنْ كَانَتْ يَمِينٌ أَوْ حِنْثٌ وَقَيَّدَهَا بِأَجَلٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلُ شَيْءٍ فِي هَذِهِ قَبْلَ الْحِنْثِ فِيهَا وَأَمَّا يَمِينُ الْحِنْثِ الَّتِي لَمْ يُعَيِّنْهَا بِأَجَلٍ فَإِنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ الْحِنْثُ فِيهَا يُجْزِئُهُ إلَّا يَمِينَ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْعَوْدِ وَلَوْ حَنِثَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ كَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ وَإِذَا عَمِلْت ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ اتِّبَاعُ النَّقْلِ وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شَارِحُنَا دُونَ كَلَامِ عج.
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُخْرِجُهَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ قَبْلَ حِنْثِهِ إذْ إخْرَاجُهَا لَهُ فِيهِ عَزْمُ الضِّدِّ وَهُوَ يَحْصُلُ بِهِ الْحِنْثُ قُلْت يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا مَعَ التَّرَدُّدِ فِي عَزْمِهِ عَلَى الضِّدِّ ثُمَّ يَجْزِمُ بِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ قَالَهُ عج وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي إجْزَائِهِ عَنْهَا مَعَ التَّرَدُّدِ وَصُورَةُ الطَّلَاقِ الْبَالِغِ الْغَايَةَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مُتَمِّمُهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ شَرْعِيٍّ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِطْلَاقُ التَّكْفِيرِ عَلَيْهَا مَجَازٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْعِصْمَةِ الْجَدِيدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا دُونَ الْغَايَةِ ثُمَّ عَادَتْ لَهُ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّهَا تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَلَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلَهَا حَنِثَ كَمَا فِي عب (قَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ) أَيْ أَوْ حَنِثَ مُكْرَهًا وَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ (قَوْلُهُ وَأُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ عَاقِلٍ كَدَابَّةٍ جَمَعَتْ بِرَاكِبِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهَا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى رَدِّهَا وَلَا عَلَى النُّزُولِ عَنْهَا.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ) سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ عَقْلِيًّا أَوْ عَادِيًّا أَيْ بِسِتَّةِ قُيُودٍ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ وَأَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِإِكْرَاهِهِ لَهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْإِكْرَاهُ شَرْعِيًّا وَأَنْ لَا يَكُونَ يَمِينُهُ لَا فِعْلُهُ طَائِعًا وَلَا مُكْرَهًا وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ ثَانِيًا طَائِعًا بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَلِفُ عَلَى شَخْصٍ هُوَ الْمُكْرَهُ لَهُ (قَوْلُهُ أَيْ مُطْلَق) وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبِرُّ مُقَيَّدًا كَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَبِرُّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِكْرَاهِ بَلْ يَحْصُلُ حَتَّى بِفَوَاتِ الزَّمَنِ قَالَهُ مُؤَلِّفُهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُفَرِّطْ) قَيَّدَ فِي الْمَفْهُومِ الَّذِي هُوَ إذَا كَانَ الْمَانِعُ عَقْلِيًّا أَيْ أَنْ صِيغَةَ الْحِنْثِ لَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالْمَانِعِ الْعَقْلِيِّ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ وَأَمَّا إذَا فَرَّطَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَتَقَدَّمَ تَمْثِيلُ الْمَانِعِ الْعَقْلِيِّ وَإِنْ شِئْت جَعَلْته حَالًا مِنْ الْمَانِعِ الْعَقْلِيِّ الْمَنْفِيِّ أَيْ وَلَمْ يَكُنْ الْمَانِعُ عَقْلِيًّا الْمُقَيَّدُ بِعَدَمِ التَّفْرِيطِ فَيَصْدُقُ الْمَنْطُوقُ بِصُورَةٍ أَيْضًا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ عَقْلِيًّا وَفَرَّطَ.
(قَوْلُهُ فَضَيَّقَ فِيهِ) أَيْ لِكَوْنِهِ حَلَفَ وَتَجَرَّأَ عَلَى شَيْءٍ أَسْبَابُ تَرْكِهِ كَثِيرَةٌ فَهُوَ دَاخِلٌ عَلَى التَّشْدِيدِ عَلَى نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ شَدَّدَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute