للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ إذَا خَالَفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ وَقَعَتْ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا عَلَى الْمَشْهُورِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِعَمْدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] إذْ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَحَنِثْتُمْ وَالْحِنْثُ مُخَالَفَةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي النِّسْيَانِ كَحُصُولِهَا فِي الْعَمْدِ فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُمَا حُكْمًا وَلِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى إلْحَاقِ الْمُخْطِئِ بِالْعَامِدِ مِثَالُ الْجَهْلِ أَنْ يَعْتَقِدَ مَنْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ فِي وَقْتِ كَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمِثَالُ الْخَطَأِ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَيَدْخُلَهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُهَا هَذَا فِي الْفِعْلِ وَمِثَالُهُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَذْكُرُ فُلَانًا فَأَرَادَ ذِكْرَ غَيْرِهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ ذِكْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ غَلَطًا أَوْ لَا كَلَّمْت زَيْدًا فَكَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ عَمْرٌو.

(ص) وَبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ بَعْضَهُ كَقَوْلِهِ لَا آكُلُ رَغِيفًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَلَوْ لُقْمَةً وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِرِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمِيعِ وَلَا يَبِرُّ بِالْبَعْضِ فَإِذَا قَالَ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ مَثَلًا فَلَا يَكْفِي فِي بِرِّهِ إلَّا أَكْلُ جَمِيعِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَظَاهِرُ قَوْلُهُ وَبِالْبَعْضِ الْحِنْثُ وَلَوْ قَيَّدَ بِكُلٍّ فَقَالَ لَا آكُلُهُ كُلُّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ لَا الْكُلِّ فَيَتَعَلَّقُ بِالْأَجْزَاءِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْكُلِّيَّةُ هِيَ الْحُكْمُ عَلَى كُلٍّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فَرْدٌ كَكُلِّ رَجُلٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفَانِ غَالِبًا فَالْحُكْمُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الْكُلِّيَّةِ وَالْكُلُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ كَكُلِّ رَجُلٍ يَحْمِلُ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ فَهَذَا الْحُكْمُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الْكُلِّ دُونَ الْكُلِّيَّةِ فَقَوْلُهُ وَبِالْبَعْضِ أَيْ وَالصِّيغَةُ صِيغَةُ بِرٍّ وَقَوْلُهُ عَكْسُ الْبِرِّ أَيْ وَالصِّيغَةُ صِيغَةُ حِنْثٍ.

(ص) وَبِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي لَا آكُلُ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ بِشُرْبِ السَّوِيقِ وَاللَّبَنِ فِي قَوْلِهِ لَا آكُلُ لِأَنَّهُ أَكَلَ شَرْعًا وَلُغَةً، وَهَذَا إذَا قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِي بَطْنِهِ طَعَامٌ وَالسَّوِيقُ وَاللَّبَنُ طَعَامٌ وَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ فَلَا حِنْثَ اتِّفَاقًا.

(ص) لَا مَاءً (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا آكُلُ فَشَرِبَ مَاءً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ طَعَامًا شَرْعًا لِأَنَّ الْعُرْفَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ.

(ص) وَلَا بِتَسَحُّرٍ فِي لَا أَتَعَشَّى (ش) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّسَحُّرِ وَهُوَ الْأَكْلُ آخِرَ اللَّيْلِ فِي حَلِفِهِ لَا أَتَعَشَّى لِأَنَّ السُّحُورَ لَيْسَ بِعَشَاءٍ إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْغَدَاءِ.

(ص) وَذُوَاقٌ لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ (ش) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ كَذَا أَوْ لَا يَشْرَبَ شَرَابَ كَذَا فَذَاقَهُ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَا بُدَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ إلَيْهِ لِيَصِحَّ الْكَلَامُ وَمَعْنَاهُ وَلَا يَحْنَثُ بِكَذَا وَلَا بِذَوَاقِ شَيْءٍ لَمْ يَصِلْ لِجَوْفِهِ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّغَذِّي وَلَمْ يَحْصُلْ وَلَا بَعْضُهُ فَقَوْلُهُ وَذَوَاقٌ أَيْ مَذُوقٌ.

(ص) وَبِوُجُودِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) رَاجِعٌ لِلنِّسْيَانِ أَيْ خِلَافًا لِلسُّيُورِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَيُحْمَلُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ بِالنِّسْيَانِ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ وَإِلَّا فَرَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ) أَيْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَلِاتِّفَاقِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ مَثَّلَ الشَّارِحِ لِلْخَطَأِ بِمَا تَرَى وَأَمَّا النِّسْيَانُ كَمَنْ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَهَا نَاسِيًا لِلْحَلِفِ (قَوْلُهُ وَمِثَالُ الْخَطَأِ أَنْ يَحْلِفَ إلَخْ) فَهَذَا لَا يُقَالُ لَهُ نِسْيَانٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ خَطَأٌ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ لِشُهْرَةِ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الشُّهْرَةَ إذَا لَمْ يَسْبِقْ النَّفْيُ لَفْظَ كُلٍّ وَأَمَّا إذَا سَبَقَ النَّفْيُ لَفْظَ كُلٍّ فَلَيْسَتْ بِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ بَلْ بِمَعْنَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي (قَوْلُهُ الْكُلِّيَّةِ لَا الْكُلِّ) أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا نِيَّةَ لَهُ وَأَمَّا لَوْ نَوَى الْكُلَّ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ كَذَا قَرَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ (قَوْلُهُ فَيَتَعَلَّقُ بِالْإِجْزَاءِ) مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِهِ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ (قَوْلُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْمُوعِ) أَيْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ الْأَفْرَادِ فَإِذًا اسْتِعْمَالُ الْمَجْمُوعِ فِي الْبَعْضِ مَجَازٌ كَمَا أَفَادَهُ مَنْ حَقَّقَ مِنْ شُيُوخِنَا.

(تَنْبِيهٌ) : إنَّمَا حَنِثَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ دُونَ الْبِرِّ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ الْكُلِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ غَالِبًا أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْحِلِّ إلَى التَّحْرِيمِ يَكْفِي فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ وَمِنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْحِلِّ بِالْعَكْسِ فَالْعَقْدُ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُبَاحٌ وَتَذْهَبُ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ عَلَيْهَا وَلَا تَذْهَبُ حُرْمَةُ الْمَبْتُوتَةِ إلَّا بِمَجْمُوعِ أُمُورٍ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا الْمُحَلَّلُ وَوَطِئَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ بِشُرْبِ السَّوِيقِ) أَيْ فَالسَّوِيقُ يُوضَعُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يُشْرَبُ ذَلِكَ الْمَاءُ كَالْعَجِينِ الَّذِي يُذَابُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يُشْرَبُ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّضْيِيقَ بَلْ قَصَدَ مَدْلُولَ لَفْظِ أَكَلَ وَمِثْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ قَصْدُ شَيْءٍ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ طَعَامًا شَرْعًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَاءُ زَمْزَمَ طَعَامًا شَرْعًا أَيْ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَانْظُرْ عَلَى طَرْدِ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ جَوْفَهُ شَيْءٌ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ ك أَيْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ طَعَامًا أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ فِي الْغِذَاءِ وَالْقُوَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ يَكُونَ طَعَامًا.

(قَوْلُهُ وَلَا بِتَسَحُّرٍ فِي لَا أَتَعَشَّى) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ تَرْكَ الْأَكْلِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَبِتَسَحُّرٍ فَيَحْنَثُ.

(قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ إلَيْهِ) أَيْ الَّذِي هُوَ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَلَا بِذَوَاقِ شَيْءٍ لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ) مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَمَنْ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ شَيْءٌ لَمْ يُمْسِكْ بِخِلَافِ الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ التَّغَذِّي بِمَا يُشْغِلُ الْمَعِدَةَ وَالْوَاصِلُ لِلْحَلْقِ فَقَطْ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ (قَوْلُهُ أَيْ مَذُوقٍ) هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ أَوْ لَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>