للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمُرَادُ بِالْمُشْرِكِ الْكَافِرُ وَاللَّامُ فِي لِخِدْمَةٍ إمَّا بِمَعْنَى فِي وَإِمَّا بِمَعْنَى عَلَى.

(ص) وَإِرْسَالُ مُصْحَفٍ لَهُمْ وَسَفَرٌ بِهِ لِأَرْضِهِمْ كَمَرْأَةٍ إلَّا فِي جَيْشِ أَمْنٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نُرْسِلَ الْمُصْحَفَ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ خَشْيَةَ الْإِهَانَةِ وَأَيْضًا لَمْ يَتَحَرَّزُوا عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَمَسُّوهُ بِهَا وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ أَنْ نُرْسِلَ الْكِتَابَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فِيهِ الْآيَاتُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ نَدْعُوهُمْ بِذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نُسَافِرَ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْكُفْرِ، وَلَوْ كَانَ الْجَيْشُ آمِنًا خِيفَةَ أَنْ يَسْقُطَ مِنَّا وَلَا نَشْعُرُ بِهِ فَتَنَالُهُ الْإِهَانَةُ وَتَصْغِيرُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا السَّفَرُ بِالْمَرْأَةِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ مَعَ غَيْرِ جَيْشِ أَمْنٍ. وَأَمَّا مَعَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ السَّفَرُ بِهَا إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا تُنَبِّهُ عَنْ نَفْسِهَا وَالْمُصْحَفُ قَدْ يَسْقُطُ وَلَا يُشْعَرُ بِهِ وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَعُ بَيْنَ نِسَائِهِ إذَا غَزَا لِوُجُودِ الْأَمْنِ مَعَهُ» فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَأَمِنَ إمَّا اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ فِعْلُ مَاضٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَإِلَّا لَقَالَ كَحُرَّةٍ إلَخْ

(ص) وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ بَلَغَ عَدَدُهُمْ نِصْفَ عَدَدِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفِرَارُ حِينَئِذٍ، وَلَوْ فَرَّ الْإِمَامُ وَقَدْ كَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنَعَ الْفِرَارَ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: ١٦] الْآيَةَ ثُمَّ نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٥] وَقِيلَ لَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ بَلْ مُخَصِّصَةٌ لِتِلْكَ ثُمَّ نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: ٦٦] الْآيَةَ وَالْفِرَارُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَتَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِتَكَرُّرِ جِهَادِهِ وَعَدَمِ فِرَارِهِ اهـ غَيْرُ مَنْقُولٍ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ (وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا) وَاوُ الْحَالُ وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ أَيْ لَا إنْ نَقَصُوا عَنْ النِّصْفِ فَيَجُوزُ الْفِرَارُ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْمَفْهُومِ، فَإِنْ بَلَغَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا حَرُمَ الْفِرَارُ، وَإِنْ زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى الضِّعْفِ حَيْثُ لَمْ تَخْتَلِفْ كَلِمَتُهُمْ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ السِّلَاحُ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ جَازَ وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَدُوُّ بِمَحَلِّ مَدَدٍ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا اُعْتُبِرَ هَذَا فِيمَا إذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا اُعْتُبِرَ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ وَكَانُوا دُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا (ص) إلَّا تَحَرُّفًا وَتَحَيُّزًا إنْ خِيفَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْفِرَارَ حَرَامٌ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ إلَّا فِي حَقِّ الْمُتَحَرِّفِ لِلْقِتَالِ وَالْمُتَحَيِّزِ إلَى فِئَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِي حَقِّهِ الْفِرَارِ وَالْمُتَحَرِّفُ هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الْهَزِيمَةَ وَلَيْسَ هُوَ قَصْدَهُ فَإِنْ تَبِعَهُ الْعَدُوُّ رَجَعَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَهُوَ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَالْمُتَحَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَنْحَازُ إلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ فَيَتَقَوَّى بِهِ أَوْ إلَى فِئَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَحَيِّزُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا بَيِّنًا وَقُرْبَ الْمُنْحَازِ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُنْحَازُ أَمِيرَ الْجَيْشِ (ص) وَالْمُثْلَةُ (ش) يَعْنِي أَنْ الْمُثْلَةَ وَهِيَ النَّكَالُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَافِرِ حَرَامٌ عَلَيْنَا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَبْلَ الظَّفَرِ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْقَتْلِ.

(ص) وَحَمْلُ رَأْسٍ لِبَلَدٍ أَوْ وَالٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ حَمْلَ رَأْسِ الْكَافِرِ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ حَمْلُهَا إلَى الْوُلَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْوَالِي أَمِيرُ الْجَيْشِ.

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْمُشْرِكِ الْكَافِرُ) أَيْ مُطْلَقُ الْكَافِرِ لَا مَنْ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ خَاصَّةً.

(قَوْلُهُ خَشْيَةَ الْإِهَانَةِ) أَيْ بِوَضْعِهِ فِي الْأَرْضِ وَالْمَشْي عَلَيْهِ بِنِعَالِهِمْ (قَوْلُهُ فِيهِ الْآيَاتُ إلَخْ) يَتَعَارَضُ مَعْنَى الْجُزْءِ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا أَنَّ فِي شَرْحِ عب أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُصْحَفِ مَا قَابَلَ الْكِتَابَ الَّذِي فِيهِ كَالْآيَةِ وَيَنْبَغِي تَحْرِيمُ السَّفَرِ بِكُتُبِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَحُرْمَةِ مَا ذَكَرَ، وَلَوْ طَلَبَهُ الْمَلِكُ لِيَتَدَبَّرَهُ خَشْيَةَ الْإِهَانَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُصْحَفُ قَدْ يَسْقُطُ وَلَا نَشْعُرُ بِهِ) فَيَأْخُذُونَهُ فَتَحْصُلُ مِنْهُمْ إهَانَتُهُ.

(قَوْلُهُ وَفِرَارٌ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِتَالُ مُتَعَيِّنًا بِأَنْ كَانَ كِفَائِيًّا أَوْ مَنْدُوبًا كَاَلَّذِي يَأْتِي بَعْدَ قِيَامِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ) ، وَلَوْ شَكًّا أَوْ تَوَهُّمًا وَالْمُعْتَبَرُ هُنَا وَفِي الشَّرْطِ الْآتِي الْعُدَّةُ لَا الْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ هَذَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي اعْتِبَارِهِ الْقُوَّةَ وَالْجَلَدَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ بَلْ مُخَصِّصَةٍ) أَخَّرَهُ لِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْعَامِّ وَهُنَا لَا مُنَافَاةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ ذِكْرُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْخَاصِّ لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ.

(تَنْبِيهٌ) : تُخَصَّصُ الْحُرْمَةُ بِمَنْ فَرَّ أَوَّلًا مِنْ النِّصْفِ إنْ فَرَّ الْبَعْضُ ثُمَّ الْبَاقُونَ (قَوْلُهُ وَتَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ) أَيْ وَهِيَ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى الضِّعْفِ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْكُفَّارُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا (قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ تَخْتَلِفْ كَلِمَتُهُمْ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ وَإِلَّا جَازَ الْفِرَارُ حَيْثُ ظَنَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْعَدُوَّ يَقْتُلُهُمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَدُوُّ إلَخْ) وَكَذَا إنْ كَانَ لَا سِلَاحَ مَعَهُمْ (قَوْلُهُ إلَّا تَحَرُّفًا) اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ صُورَةُ فِرَارٍ وَمُنْقَطِعٌ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِرَارًا فِي الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمُنْحَازُ أَمِيرَ الْجَيْشِ) فَأَمِيرُ الْجَيْشِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِرَارُ، وَلَوْ أَدَّى إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَالْمُثْلَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَثَّلُوا بِالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَهِيَ النَّكَالُ) أَيْ تَشْوِيهُهُمْ بِالْقَتْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ حَمْلُهَا إلَى الْوُلَاةِ) ، وَلَوْ فِي الْبَلَدِ قَالَ فِي شب فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَمْلُ رَأْسِ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنْ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ فِيهِ شَرْعِيَّةٌ كَاطْمِئْنَانِ الْقُلُوبِ هُنَا بِالْجَزْمِ بِمَوْتِهِ فَقَدْ حُمِلَ رَأْسُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ لِلْمَدِينَةِ وَرَأْسُ أَبِي جَهْلٍ لِلْعَرِيشِ. وَأَمَّا حَمْلُهَا فِي الْبَلَدِ لَا لِلْوَالِي فَجَائِزٌ خِلَافَ الْبُغَاةِ فَلَا يَجُوزُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>