للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَهْلَ الْحَرْبِ وَحَيْثُ قَبِلَهَا الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ آحَادِ الْجَيْشِ هِيَ لَهُ أَوْ لِمَنْ أَتَتْ لَهُ خَاصَّةً إنْ كَانَتْ مِنْ بَعْضٍ لِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ مُكَافَأَةٍ وَسَوَاءٌ دَخَلَ بَلَدَهُمْ أَمْ لَا وَلَمَّا قَابَلَ الْبَعْضَ بِالطَّاغِيَةِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ غَيْرُ الطَّاغِيَةِ أَيْ الْمَلِكِ وَحِينَئِذٍ فَيُفِيدُ كَلَامُهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ لِقَرَابَةٍ فَهِيَ لَهُ سَوَاءٌ دَخَلَ بَلَدَهُمْ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَفْهُومٌ لِكَقَرَابَةٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ بَعْضِ لَا لِكَقَرَابَةٍ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ دُخُولِ بِلَادِ الْعَدُوِّ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَهِيَ فَيْءٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ لِلْجَيْشِ (ص) وَفَيْءٌ إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ إنْ لَمْ يُدْخَلْ بَلَدُهُ (ش) أَيْ وَالْهَدِيَّةُ فَيْءٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ دَخَلَ فَهِيَ لِلْجَيْشِ وَلَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَلِكُ قَرِيبًا لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرَ قَرِيبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ عَدَمِ مُرَاعَاةِ الْقَرَابَةِ فِي هَدِيَّةِ الْمَلِكِ لِكَوْنِ الْغَالِبِ فِيهَا الْخَوْفَ مِنْ الْإِمَامِ وَجَيْشِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَالطَّاغِيَةُ مَلِكُ الْكُفْرِ مُطْلَقًا كَانَ مِلْكَ الرُّومِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الطَّاغِيَةِ مَخْصُوصًا بِمَلِكِ الرُّومِ.

(ص) وَقِتَالُ رُومٍ وَتُرْكٍ (ش) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ إذْ الْقِتَالُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبِعِبَارَةٍ وَجَازَ بِرُجْحَانٍ قِتَالُ رُومٍ وَهُمْ مِنْ وَلَدِ الرُّومِ بْنِ عِيصُو بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَهُمْ الَّذِينَ تُسَمِّيهِمْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْإِفْرِنْجَ وَتُرْكٌ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ لَا كِتَابَ لَهُمْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقَاتَلُ بِكُلِّ حَالٍ لِقُوَّةِ الْفَرِيقَيْنِ أَمَّا ضُعَفَاءُ الْكُفَّارِ مِنْ الْقِبْطِ وَالْحَبَشَةِ فَيُقَاتَلُونَ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ إذَا أَبَوْا الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهُمْ لِسَفَالَتِهِمْ يَمِيلُونَ لِلرِّضَا بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَلَا أَمْنَ غَالِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ مَفْهُومُهُ أَنَّ قِتَالَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقِبْطِ وَالْحَبَشَةِ لَا يَجُوزُ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ.

(ص) وَاحْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِقُرْآنٍ وَبَعْثِ كِتَابٍ فِيهِ كَالْآيَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا جَادَلُونَا أَنْ نَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ إذَا أَمِنَا مِنْ سَبِّهِمْ لَهُ أَوْ لِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: ٦٤] وَيَجُوز أَيْضًا بَعْثُ الْكِتَابِ إلَى أَرْضُ الْحَرْبِ فِيهِ الْآيَاتُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ لِنَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الْكُفَّارِ مُطْلَقًا لَا بِخُصُوصِ كَوْنِهِمْ رُومًا وَتُرْكًا.

(ص) وَإِقْدَامُ الرَّجُلِ عَلَى كَثِيرٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِيُظْهِرَ شَجَاعَةً عَلَى الْأَظْهَرِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مَا زَادَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِيُقَاتِلَهُمْ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْكَثِيرِ أَيْ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَإِنْ عَلِمَ ذَهَابَ نَفْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُمَحِّضَ نِيَّتَهُ لِلَّهِ وَأَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْكِفَايَةَ وَأَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نِكَايَةٌ لَهُمْ. وَأَمَّا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يُظْهِرَ شَجَاعَةً مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْإِمَامِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إنْ كَانَ فِي الْكُفَّارِ مَنَعَةٌ وَقُوَّةٌ لَا إنْ ضَعُفُوا أَوْ أَشْرَفَ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِهِمْ فَقَصَدَ التَّوْهِينَ بِهَا (قَوْلُهُ وَحَيْثُ قَبِلَهَا الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ) مِنْ آحَادِ الْجَيْشِ (أَقُولُ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهْدِيَ إذَا كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ فَالْمُهْدَى لَهُ إمَّا الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِكَقَرَابَةٍ أَمْ لَا فَهَذِهِ أَرْبَعٌ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ بَلَدَهُ أَمْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَبْعَدُ كَوْنُهَا مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ لِغَيْرِ الْإِمَامِ لِغَيْرِ كَقَرَابَةٍ (قَوْلُهُ هِيَ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَفَيْءٌ إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَهُ) أَيْ إقْلِيمَهُ بِجَيْشِهِ لَا خُصُوصَ بَلَدِ الْمُلْكِ وَلَا فَرْقَ فِي هَاتَيْنِ أَعْنِي الْمَنْطُوقَ وَالْمَفْهُومَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَمْ لَا فَهَذِهِ أَرْبَعٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ لِبَعْضِ الْجَيْشِ فَهِيَ لَهُ إنْ كَانَتْ لِكَقَرَابَةٍ دَخَلَ الْإِمَامُ بَلَدَ الْعُدُوِّ أَمْ لَا لَا لِوَجَاهَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَفْصِلُ فِيهَا كَمَا لِلْإِمَامِ وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِمَامِ لِغَيْرِ الْإِمَامِ لَا لِكَقَرَابَةٍ.

(تَنْبِيهٌ) : اخْتِصَاصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَدِيَّةِ الْمُقَوْقَسِ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَبَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مَاتَ عَنْهَا وَاِتَّخَذَ مَارِيَةَ أُمَّ وَلَدٍ وَأَعْطَى حَسَّانًا سِيرِينَ مِنْ خَصَائِصِهِ بِمَهَابَتِهِ وَجَلَالَتِهِ.

(قَوْلُهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقَاتِلُ بِكُلِّ حَالٍ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ أَصْلُهُ لتت وَكُنْت اعْتَرَضْته بِأَنَّ الْكُفَّارَ كُلَّهُمْ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ يُدْعَوْنَ لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ لِلْجِزْيَةِ ثُمَّ يُقَاتَلُونَ لَا فَرْقَ بَيْنَ تُرْكٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ يُقَاتِلُ الرُّومَ وَالتُّرْكَ بِكُلِّ حَالٍ وَالْقِبْطَ وَالْحَبَشَةَ يُقَاتَلُونَ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ إذَا أَبَوْا الْإِسْلَامَ وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْمَغْرِبِ تَوَقَّفَ فِيهَا ثُمَّ وَجَدْت مُحَشِّيَ تت اعْتَرَضَهُ فَقَالَ لَمْ أَرَ مَنْ فَصَّلَ فِي قِتَالِهِمْ وَلَمْ أَدْرِ مَا الْوُجُوهُ الَّتِي يُقَاتَلُونَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَإِنْ أَرَادَ إذَا أَبَوْا الْإِسْلَامَ أَوْ الْجِزْيَةَ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمْ بَلْ كُلُّ الْكُفَّارِ ذَاكَ حُكْمُهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ فِي حَالِ قُوَّتِهِمْ فَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ إنَّ مَنْ ضَعُفَ مِنْ هَؤُلَاءِ يُتْرَكُ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ لَا بِجِزْيَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ الرُّومِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ قِتَالِهِمْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقِتَالُ نُوَبٍ وَتُرْكٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْمُرَادُ السُّودَانُ، وَإِنْ كَانَ النُّوبَةُ بِالضَّمِّ اسْمًا لِجِيلٍ مِنْهُمْ وَالْمُرَادُ بَعْضُ السُّودَانِ وَهُمْ الْحَبَشَةُ؛ لِأَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنْهُمْ فَيَكُونُ أَشَارَ بِذَلِكَ لِرَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْحَبَشَةِ وَالتُّرْكِ بِالْحَرْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ» وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِرْشَادِ وَأَنَّ قِتَالَ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْلَى أَوْ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُ تِلْكَ الْآثَارُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَوَجْهُ التَّخْصِيصِ مَا ذُكِرَ لَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَالصَّغَارِ) عَطْفٌ مُرَادِفٌ.

(قَوْلُهُ إذَا أَمِنَا مِنْ سَبِّهِمْ) أَيْ وَأَمِنَّا مِنْ إهَانَتِهِمْ لَهُ وَأَرَادَ بِالِاحْتِجَاجِ التِّلَاوَةَ عَلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ لَا الْمُحَاجَجَةَ الَّتِي يَقُولُ الْخَصْمُ بِالْحُجَّةِ فِيهَا (قَوْلُهُ فِيهِ الْآيَاتُ) ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ عَلَى الْأَظْهَرِ.

(قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِيُظْهِرَ شُجَاعَةً) الْعِبَارَةُ صَادِقَةٌ بِأَمْرَيْنِ لَكِنْ الْمُرَادُ قَصْدُ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ ذَهَابَ نَفْسِهِ) أَيْ إزْهَاقَ رُوحِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>