عَنْوَةً فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ بِلَالٌ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْهِ كَلَامًا فَزَعَمَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ دَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَتَلَاهُ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ غَنِمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَنَائِمَ وَأَرَاضِيَ فَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَسَمَ مِنْهَا إلَّا خَيْبَرَ وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ السَّلَفِ وَبِعِبَارَةٍ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ أَيْ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوَاتٍ مَا عَدَا أَرْضَ الدُّورِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ دُورَهُمْ تُقْسَمُ عَلَى حُكْمِ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تُقْسَمُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَأَرْضُهَا وَبُنْيَانُهَا وَقْفٌ وَلَكِنْ لَا يُؤْخَذُ لِلدُّورِ كِرَاءٌ فَلَيْسَتْ كَأَرْضِ الزِّرَاعَةِ، وَلَوْ قُسِمَتْ الْأَرْضُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا وَقْفٌ فَيَمْضِي حَيْثُ قَسَمَهَا مَنْ يَرَى قَسْمَهَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً.
(ص) وَخُمُسُ غَيْرِهَا إنْ أُوجِفَ عَلَيْهِ (ش) قَدْ عَلِمْت حُكْمَ الْأَرْضِ الْعَنْوَةِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَالِ وَالْكُرَاعِ أَيْ الْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخَمَّسُ أَيْ يَقْسِمُهُ الْإِمَامُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ الْخُمُسُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٤١] وَالْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَسْمُ الْأَرْبَعَةِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ إلَخْ لَكِنْ شَرْطُ التَّخْمِيسِ الْمَذْكُورِ الْإِيجَافُ عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ أَيْ الْإِبِلِ أَيْ يَكُونُ الْقِتَالُ سَبَبًا فِي أَخْذِهِ (ص) فَخَرَاجُهَا وَالْخُمُسُ وَالْجِزْيَةُ لِآلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ تُوقَفُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُقْسَمُ. وَأَمَّا خَرَاجُهَا إنْ أُقِرَّتْ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِهَا لِعِمَارَتِهَا أَوْ سُوقُوا عَلَى سَوَادِهَا وَالْخُمُسُ الَّذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَيْ الْخُمُسُ الْخَارِجُ بِالْقُرْعَةِ مِنْ غَنِيمَةٍ أَوْ رِكَازٍ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي نُدْرَتِهِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ وَالْفَيْءِ وَالْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ وَالصُّلْحِيَّةِ وَعُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخَرَاجِ أَرْضِ الصُّلْحِ مَحَلُّهُ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ فِي مَصَارِفِهِ بِاجْتِهَادِهِ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِآلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ يَصْرِفُ لِلْمَصَالِحِ أَيْ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْغَزْوِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَعَقْلِ الْجِرَاحِ وَتَزْوِيجِ الْأَعْزَبِ وَنَحْوِهِمْ وَأَشْعَرَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْفَيْءَ لَا يَلْزَمُ تَخْمِيسُهُ.
(ص) وَبُدِئَ بِمَنْ فِيهِمْ الْمَالُ وَنُقِلَ لِلْأَحْوَجِ الْأَكْثَرُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ عِنْدَ الْقَسْمِ لِلْفَيْءِ وَمَا فِي حُكْمِهِ يَبْدَأُ بِمَنْ جَبَى فِيهِمْ حَتَّى يَغْنَوْا غِنَى سَنَةٍ ثُمَّ يَنْقُلَ مَا فَضَلَ لِغَيْرِهِمْ أَوْ وُقِفَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا إذَا اسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرُ فُقَرَاءِ الْبَلَدِ أَكْثَرَ حَاجَةً فَإِنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْقَلِيلَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي جَبَى فِيهِمْ الْمَالَ ثُمَّ يَنْقُلُ الْأَكْثَرَ لِغَيْرِهِمْ، وَقَوْلُهُ وَنُقِلَ لِلْأَحْوَجِ وُجُوبًا الْأَكْثَرُ وَقَوْلُهُ وَبُدِئَ إلَخْ الْبُدَاءَةُ هُنَا بِالنِّسْبَةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُنَافِي الْبُدَاءَةَ لِآلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ ذَلِكَ فَالْبُدَاءَةُ بِآلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَقِيقِيَّةٌ.
(ص) وَنُفِلَ مِنْهُ السَّلَبُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ فَزَعَمَ) أَيْ فَقَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ زَعَمَ الَّتِي هِيَ مَطِيَّةُ الْكَذِبِ (قَوْلُهُ إلَّا خَيْبَرَ) لَعَلَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ لَمْ نَعْلَمْ بِهَا (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُؤْخَذُ لِلدُّورِ كِرَاءٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الدُّورَ وَقْفٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الدُّورَ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ فَإِذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَهَا فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا وَالْأَرْضُ بَاقِيَةٌ عَلَى وَقْفِيَّتِهَا.
(قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ إلَخْ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا.
(قَوْلُهُ إنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ) أَيْ قُوتِلَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا انْجَلَى الْعَدُوُّ بَعْدَ دُخُولِ الْجَيْشِ بِلَادَهُ (قَوْلُهُ أَوْ سُوقُوا عَلَى سَوَادِهَا) أَيْ جَعَلُوا مُسَاقَاةً عَلَى الْأَشْجَارِ فَالْمُرَادُ بِالسَّوَادِ الْأَشْجَارُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ لِعِمَارَتِهَا وَكَأَنَّهُ قَالَ لِعِمَارَتِهَا أَوْ لِلْمُسَاقَاةِ عَلَى سَوَادِهَا أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى إنْ أُقِرَّتْ، فَإِنْ قُلْت إذَا أُقِرَّتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا لِلْمُسَاقَاةِ عَلَى سَوَادِهَا فَأَيْنَ الْخَرَاجُ قُلْت يُرَادُ بِالْخَرَاجِ مَا يَشْمَلُ الثِّمَارَ الَّتِي عَلَى الْأَشْجَارِ (قَوْلُهُ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِآلِ النَّبِيِّ إلَخْ) وَيُوَفِّرُ نَصِيبَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ) أَيْ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَبْعَةٌ وَإِلَّا بُدِئَ بِالْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ أَيْ فَالتَّرْتِيبُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ (قَوْلُهُ وَعَقْلِ الْجِرَاحِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلَةٌ.
(قَوْلُهُ وَنَحْوِهِمْ) كَإِعَانَةِ مُحْتَاجٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَلَوْ احْتَاجَ لِجَمِيعِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبُدِئَ بِمَنْ إلَخْ) أَيْ وُجُوبًا أَيْ بَعْدَ آلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ بِمَنْ جَبَى فِيهِمْ) الْمَالَ أَيْ فِي بَلَدِهِمْ الْخَرَاجَ أَوْ الْخُمُسَ أَوْ الْجِزْيَةَ ك أَيْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ بَلْدَةٍ جُبِيَ بِهِ الْمَالُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ بَلَدٍ لَا الْمَدِينَةُ كَرَشِيدٍ وَإِسْكَنْدَرِيَّة مِنْ إقْلِيمِ مِصْرَ (قَوْلُهُ حَتَّى يَغْنَوْا غِنَى سَنَةٍ) قَالَ فِي ك وَتَقَدَّمَ فِي آلِهِ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ أَيْ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ وَبُدِئَ إلَخْ أَيْ بَعْدَ الْإِشْرَافِ (قَوْلُهُ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُ هَذَا أَيْ مَحَلُّ إعْطَائِهِمْ مَا يُغْنِيهِمْ غِنَى سَنَةٍ إذَا اسْتَوَتْ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْقَلِيلَ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْنَوْا بِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ حَتَّى يَغْنَوْا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.
(قَوْلُهُ وَنَفَلَ مِنْهُ السَّلَبَ) السَّلَبَ مَفْعُولُ نَفَلَ خِلَافًا لعب فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهُ مَزِيدٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَحَاصِلُ تَوْضِيحِ مَا فِي الْمَقَامِ الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ بَعْضِ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَدَلَّ عَلَيْهِ النَّفَلُ أَنَّ السَّلَبَ قِسْمَانِ كُلِّيٌّ وَجُزْئِيٌّ فَالْكُلِّيُّ هُوَ الْمُشَارُ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَالسَّلَبُ إذَا أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَيْهِ وَالْجُزْئِيُّ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَسَيْفٍ وَنَحْوِهِ يُعْطِيهِ لِلْمُقَاتِلِ وَكُلٌّ يُحْسَبُ مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْمُصَنِّفُ لَمَّا قَالَ السَّلَبُ فُهِمَ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُنْفَلُ إلَّا الْكُلِّيُّ وَلَا يُنْفَلُ الْجُزْئِيُّ فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَوْ حُذِفَ