لِلْمُسْلِمِينَ خَالِيَةً مِنْهُمْ أَوْ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَوْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَّا مَالًا إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ كُلُّ مَا مُنِعَ وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَلَا حَدَّ) لِمُدَّةِ الْمُهَادَنَةِ بِطُولٍ أَوْ قِصَرٍ بَلْ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا يُطِيلُ لِمَا قَدْ يَحْدُثُ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَفِي عَدِّ هَذَا شَرْطًا نَظَرٌ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ وَلَا حَدَّ مُسْتَأْنَفَةٌ أَتَى بِهَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْمُهَادَنَةِ خِلَافًا لتت؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَنُدِبَ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) إلَى أَنَّهُ يَنْدُبُ عِنْدَ أَبِي عِمْرَانَ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ زِيَادَةِ قُوَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِهَا أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَبِعِبَارَةٍ يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ بِمَالٍ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ أَيْ، فَإِنْ تَضَمَّنَ عَقْدُ الْمُهَادَنَةِ شَرْطًا فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ بِسَبَبِ الْتِزَامِ مَالٍ نَدْفَعُهُ لَهُمْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَهُوَ أَمَسُّ بِقَوْلِهِ إلَّا لِخَوْفٍ وَيَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لِمَصْلَحَةٍ أَيْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ لَمْ تَجُزْ الْمُهَادَنَةُ، وَإِنْ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْعَدُوُّ لَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] .
(ص) ، وَإِنْ اسْتَشْعَرَ خِيَانَتَهُمْ نَبَذَهُ وَأَنْذَرَهُمْ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُنَا أَنْ نُوَفِّيَ لَهُمْ بِمَا اشْتَرَطُوا عَلَيْنَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إلَّا أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ الْخَوَنَةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ عَهْدَهُمْ أَيْ يَطْرَحُهُ وَيَنْقُضُهُ وَيُنْذِرُهُمْ وَيُعْلِمُهُمْ بِأَنَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ وَأَنَّهُ مُقَاتِلُهُمْ إنْ قِيلَ كَيْفَ يُنْقَضُ الْعَهْدُ الْمُتَيَقَّنُ بِالْخَوْفِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ قِيلَ إذَا ظَهَرَتْ آثَارُ الْخِيَانَةِ وَدَلَائِلُهَا وَجَبَ نَبْذُهُ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمَهْلَكَةِ بِالتَّمَادِي وَسَقَطَ الْيَقِينُ هُنَا بِالظَّنِّ لِلضَّرُورَةِ.
(ص) وَوَجَبَ الْوَفَاءُ، وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِشُرُوطِهِمْ الصَّحِيحَةِ الَّتِي اشْتَرَطُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَطُوا أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا مِنْ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُوَفِّي لَهُمْ بِذَلِكَ وَفَاءً بِالْعَهْدِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُنَّ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] فَقَوْلُهُ وَوَجَبَ أَيْ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِمَا أَجَزْنَاهُمْ وَشَارَطْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِرَدِّ رَهَائِنَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا حَيْثُ وَقَعَ اشْتِرَاطُ رَدِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الرَّدِّ إنْ أَسْلَمُوا وَقَوْلُهُ، وَلَوْ أَسْلَمُوا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَنَا عِنْدَهُمْ رَهَائِنُ وَتَمَسَّكُوا بِهِمْ نُرَدُّ إلَيْهِمْ رَهَائِنُهُمْ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا عِنْدَهُمْ رَهَائِنُ أَوْ لَنَا عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَحْبِسُوهُمْ لِرَدِّ رَهَائِنِهِمْ فَلَا تُرَدُّ لَهُمْ رَهَائِنُهُمْ حَيْثُ أَسْلَمُوا ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ، وَلَوْ أَسْلَمُوا لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِيمَا سَبَقَ سَابِقٌ عَلَى الشَّرْطِ وَهُنَا بَعْدَهُ أَيْ، وَلَوْ أَسْلَمُوا فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ لَوْ لِلْمُسْتَقْبَلِ أَوْ مَا سَبَقَ فِي الْبَقَاءِ وَهَذَا فِي الرَّدِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ الْبَقَاءُ لِجَوَازِ فِرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ فِدَائِهِ وَقَوْلُهُ (كَمَنْ أَسْلَمَ) أَيْ كَشَرْطِ رَدِّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَيْسَ رَهْنًا فَإِنَّهُ يُوَفَّى بِهِ كَانَ إسْلَامُهُ سَابِقًا عَلَى الشَّرْطِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يُعَارَضُ قَوْلُهُ إنْ خَلَا إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ فِي الْبَقَاءِ وَهَذَا فِي الرَّدِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ الْبَقَاءُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ، وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا وَأَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَأَنَّ رَسُولًا) نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِنَّمَا بَالَغَ عَلَى الرَّسُولِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الشَّرْطِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ خَالِيَةٌ مِنْهُمْ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ أَيْ إذَا كَانَتْ قَرْيَةً خَالِيَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا تَحْتَ يَدِ الْكُفَّارِ أَيْ بِحَيْثُ يَسْكُنُونَ فِيهَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فَاسِدًا (قَوْلُهُ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُمْ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا لِخَوْفٍ مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ خَلَا إلَخْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَلِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ أَيْ إلَّا لِتَوَقُّعِ خَوْفٍ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا مَعَ حُصُولِ الْأَمْنِ الْآنَ (قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ) أَيْ وَاجِبٌ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَنُدِبَ أَنْ لَا تَزِيدَ (قَوْلُهُ وَفِي عَدِّ هَذَا شَرْطِ اُنْظُرْ) وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا بُدَّ مِنْ تَبْيِينِ مُدَّةٍ وَلَا حَدَّ فِيمَا يُعَيَّنُ فَتَظْهَرُ الشَّرْطِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُمْ عَلَيْنَا دَفْعَ الْمَالِ شَرْطًا فَاسِدًا (أَقُولُ) وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَنْطُوقِ وَالْمَعْنَى إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ أَوْ دَفْعِ مَالٍ مِنَّا لَهُمْ وَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَفْهُومِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَالْمَعْنَى فَإِنْ لَمْ تَخْلُ عَنْ كَشَرْطٍ فَسَدَتْ، وَلَوْ مَعَ مَالٍ يَدْفَعُهُ الْعَدُوُّ لَنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ أَمَسُّ بِقَوْلِهِ إلَّا لِخَوْفٍ) بِخِلَافِ رُجُوعِهِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِمَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَمَسَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ يَدْفَعُهُ الْعَدُوُّ إلَيْنَا إلَّا لِخَوْفٍ مَعَ أَنَّ الْخَوْفَ مَصْلَحَةٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَشْعَرَ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ تُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ ظَنَّ، وَلَوْ غَيْرَ قَوِيٍّ وَعِبَارَةُ عب تَبَعًا لعج أَيْ ظَنَّ ظَنًّا قَوِيًّا قَائِلًا، فَإِنْ تَحَقَّقَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَهُ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ فَكُلٌّ مِنْ النَّبْذِ وَالْإِنْذَارِ وَاجِبٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ شَارِحِنَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِشْعَارِ مُطْلَقُ الظَّنِّ وَكَلَامُ عج يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا فَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَلَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ رَدِّ الْمُسْلِمِ إلَيْهِمْ بِالْوُجُوهِ السَّابِقَةِ كَانَ مُظَنَّةَ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ فَمَا يَفْعَلُ فِيهِ أَيُتْرَكُ فِي أَيْدِيهِمْ فَذَكَرَ جَوَابَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْلَمُوا) هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ شب وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ، وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ غَيْرَ مُفِيدَةٍ لِلْخِلَافِ أَتَى بِلَوْ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ أَسْلَمُوا اهـ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَنَّ لِلْخِلَافِ غَيْرِ الْمَذْهَبِيِّ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ لِلْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ رَدًّا عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ وَرَهَائِنُ جَمْعُ رَهِينٍ أَوْ رَهِينَةٍ اهـ (قَوْلُهُ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا) الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي حَبْسِ الرَّهَائِنِ لَا فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ (قَوْلُهُ مُقَيَّدٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا تَقْيِيدٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كَمَنْ أَسْلَمَ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُوفِي بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا عِنْدَهُمْ رَهَائِنُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّ لَهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَنُوفِي بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَنَرُدُّ كُلَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا، وَلَوْ كَانَ رَسُولًا مِنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute