للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ مَوْعُودٌ مِنْ رَبِّهِ بِالْعِصْمَةِ بِخِلَافِ أُمَّتِهِ إذَا زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى الضِّعْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْفِرَارُ.

(ص) وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا أَنْ يُغَيِّرَ الْمُنْكَرَ بِغَيْرِ شَرْطٍ مِنْ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَظَنِّ التَّأْثِيرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إظْهَارُ الْإِنْكَارِ وَلَا يَسْقُطُ لِكَوْنِ الْمُرْتَكِبِ يَزِيدُهُ الْإِنْكَارُ إغْرَاءً بِخِلَافِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَكِبُ كَافِرًا صَرِيحًا أَوْ مُنَافِقًا وَيُشَارِكُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَالْوَاجِبِ عَلَيْنَا لِأَجْلِهِ شَرَعَ فِي قِسْمَيْ الْحَرَامِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْنَا لِأَجْلِهِ فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (ص) وَحُرْمَةِ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ (ش) يَعْنِي وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَتَيْنِ أَيْ الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ صِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ لِإِنْبَائِهَا عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ قَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣] وَأَمْوَالُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مِنْ الصَّفِيِّ وَالْهَدِيَّةِ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ وَخُمُسِ الْخُمُسِ وَتَقَدَّمَ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّ الْآلُ إنْ لَمْ يُعْطَوْا مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَضَرَّ بِهِمْ الْفَقْرُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَنَّ إعْطَاءَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ قَالَهُ ح قُلْت وَتَقَدَّمَ عَنْ شَارِحِ الْمُوَطَّإِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعْطَوْنَ مِنْهَا إذَا بَلَغُوا إلَى حَاجَةٍ يُبَاحُ لَهُمْ فِيهَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ.

(ص) وَأَكْلِهِ كَثُومٍ (ش) أَيْ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا رَائِحَتُهُ كَرِيهَةٌ مِنْ ثُومٍ وَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ وَفُجْلٍ؛ لِأَنَّهُ يُنَاجِي الْمَلَائِكَةَ. وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي حُكْمِ الْمَطْبُوخِ كَالْبَصَلِ الْمَنْقُوعِ فِي الْخَلِّ حَتَّى تَذْهَبَ رَائِحَتُهُ كَذَلِكَ.

(ص) أَوْ مُتَّكِئًا (ش) يَعْنِي وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا وَهُوَ التَّقَعْدُدُ فِي الْجُلُوسِ كَالْمُتَرَبِّعِ فَإِنَّ الْجُلُوسَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ يَسْتَدْعِي الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الْأَكْلِ وَإِنَّمَا كَانَ جُلُوسُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَكْلِ جُلُوسَ الْمُسْتَوْفِزِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُتَّكِئًا مَنْصُوبٌ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَثُومٍ.

(ص) وَإِمْسَاكِ كَارِهَتِهِ (ش) يَعْنِي وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا كَرِهَتْ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ نِكَاحَهُ لِغَيْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِخَبَرِ «الْعَائِذَةِ الْقَائِلَةِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمَعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ زَادَ فِي الْأُنْمُوذَجِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا انْتَهَى وَقَوْلُنَا لِغَيْرَةِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِذَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَتَبَيَّنَ مِنْهُ بِمُجَرَّدِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ مَوْعُودٌ مِنْ رَبِّهِ بِالْعِصْمَةِ) أَيْ مِنْ الْقَتْلِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ شُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُك إلَخْ كَانَ بَعْدَ الشَّجِّ وَنَحْوِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ فِي التَّعْلِيلِ إنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ وَأَشْجَعُ النَّاسِ وَفِي الْمُصَابَرَةِ إظْهَارٌ لِذَلِكَ وَفِي عَدَمِهَا انْخِفَاضٌ لِشَأْنِهِ وَتَحْقِيرٌ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ أَنْ يُغَيِّرَ الْمُنْكَرَ) ، وَلَوْ صَغِيرَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ) ؛ لِأَنَّهُ السُّلْطَانُ الْأَكْبَرُ وَالْخَلِيفَةُ الْأَعْظَمُ وَالْكُلُّ دُونَهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَرِينَةَ كَوْنِ الْإِنْكَارِ يَزِيدُ إغْرَاءً لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَقَوْلُهُ صَرِيحًا أَيْ ظَاهِرًا.

(قَوْلُهُ عَلَى آلِهِ) وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِمَوَالِي آلِهِ كَمَوَالِيهِ عَلَى الرَّاجِحِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فِي الْخَاصَّةِ بِهِ فَيَحْرُمُ أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يَحْرُمُ وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ صَدَقَاتِ الْأَعْيَانِ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ دُونَ الْعَامَّةِ كَالْمَسَاجِدِ وَمِيَاهِ الْآبَارِ (قَوْلُهُ مِنْ الصَّفِيِّ) أَيْ مِنْ صَفِيِّ الْمَغْنَمِ وَهُوَ مَا يُرِيدُ أَخْذَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قِسْمِهَا وَمِنْهُ كَانَتْ صَفِيَّةُ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ) . وَأَمَّا فِي الْغَزْوِ فَهِيَ لِلْجَيْشِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ إذَا بَلَغُوا إلَخْ) قَالَ عب وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَقَلُ مِنْ حُرْمَةٍ إلَى حِلٍّ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّ شَيْخَنَا السَّلْمُونِيَّ نَقَلَ لَنَا عَنْ الشَّيْخِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَهُوَ لَمْ يَصِلْ إلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ (أَقُولُ) وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ مِنْ الْقَوَاعِدِ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ فَأَخْذُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْلَى مِنْ إهَانَتِهِمْ فِي الْخِدْمَةِ خُصُوصًا أَهْلَ الذِّمَّةِ كَمَا شُوهِدَ وَفِي السُّؤَالِ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ قُلْت وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت النَّصَّ أَنَّهُ قَدْ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ.

(قَوْلُهُ كَثُومٍ) بِضَمِّ الثَّاءِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُنَاجِي الْمَلَائِكَةَ) أَيْ يُكَلِّمُ الْمَلَائِكَةَ وَهُمْ يَكْرَهُونَ الرَّوَائِحَ الْكَرِيهَةَ (قَوْلُهُ. وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ إلَخْ) كَمَا وَقَعَ لَهُ أَكْلُ طَعَامٍ طُبِخَ بِبَصَلٍ كَمَا فِي الشَّيْخِ سَالِمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْقُوعَ فِي الْخَلِّ لَمْ يَقَعْ.

(قَوْلُهُ التَّقَعْدُدُ) أَيْ التَّمَكُّنُ وَقَوْلُهُ كَالْمُتَرَبِّعِ تَمْثِيلٌ وَقَوْلُهُ مُتَّكِئًا مَائِلًا عَلَى شِقٍّ كَمَا لِلْفَاكِهَانِيِّ وَقِيلَ مُسْتَنِدًا كَمَا فِي الشَّيْخِ أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ لِشِقٍّ (قَوْلُهُ جُلُوسَ الْمُسْتَوْفِزِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ اسْتَوْفَزَ فِي قَعْدَتِهِ قَعَدَ مُنْتَصِبًا غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ وَهُوَ أَحْسَنُ الْجِلْسَاتِ ثُمَّ الْجِثِيُّ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَظُهُورُ الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ نَصْبُ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَالْقُعُودُ عَلَى الْيُسْرَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الِاتِّكَاءَ التَّرَبُّعُ كَمَا فِي شَرْحِ شب.

(قَوْلُهُ لِغَيْرَةٍ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَقَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِهَا كَتَعْلِيمٍ كَالْمِثَالِ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ، فَإِنْ قُلْت إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لِنِكَاحِهِ؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ حَيْثُ قُلْنَ لَهَا إنَّهُ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ قُلْت يُرَادُ كَرَاهِيَةٌ، وَلَوْ صُورَةً وَالْكَرَاهِيَةُ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ قَوْلِهَا ذَلِكَ، وَلَوْ بِالتَّعْلِيمِ (قَوْلُهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك) أَيْ أَتَحَصَّنُ بِاَللَّهِ مِنْك (قَوْلُهُ لَقَدْ اسْتَعَذْت بِمَعَاذٍ) ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَوْ اسْمُ مَكَان مِنْ عَاذَ الثُّلَاثِيِّ أَيْ اسْتَعَذْت بِعِيَاذٍ عَظِيمٍ أَوْ بِمَحَلِّ الْعِيَاذِ هَذَا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَإِلَّا فَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَحَلِّ وَضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بِضَمِّ الْمِيمِ قَائِلًا أَيْ بِاَلَّذِي يُعَاذُ بِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَعَاذَ الْغَيْرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ} [آل عمران: ٣٦] وَاقْتَصَرَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْفَتْحِ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعَاذُ الْمَصْدَرُ وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ أَيْ لَقَدْ لَجَأْت إلَى مَلْجَأٍ وَلُذْت بِمَلَاذٍ (قَوْلُهُ الْحَقِي بِأَهْلِك) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَفَتْحِ الْحَاءِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ لَحِقَ الثُّلَاثِيِّ وَأَجَازَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فَتْحَ الْهَمْزَةِ وَكَسْرَ الْحَاءِ أَمْرٌ مِنْ أَلْحَقَ الرُّبَاعِيِّ لُغَةٌ فِي لَحِقَ يُقَالُ لَحِقْته وَأَلْحَقْته بِمَعْنَى تَبِعْته وَأَتْبَعْته أَفَادَهُ مُحَشِّي تت قَالَ الْمُنَاوِيُّ رَوَى أَنْ نِسَاءً لَقَّنَّهَا أَنْ تَقُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>