للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشَاوِرَ ذَوِي الْأَحْلَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْآرَاءِ وَالْحُرُوبِ وَالْمُهِمَّاتِ لَا فِي الشَّرَائِعِ تَطْيِيبًا لِخَوَاطِرِهِمْ وَتَأْلِيفًا لَهُمْ لَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ عِلْمًا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ بَلْ عَلَى الْوُلَاةِ مُشَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ وَفِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَوُجُوهِ الْكُتَّابِ وَالْعُمَّالِ وَالْوُزَرَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَعِمَارَتِهَا كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ فَالْخُصُوصِيَّةُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَوْنُهُ كَامِلَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُشَاوَرَةُ.

(ص) وَقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ (ش) يَعْنِي وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ. وَأَمَّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْوُلَاةِ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ الْمَيِّتِ بَلْ الْحَيُّ كَذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ» أَيْ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَإِلَيَّ كِفَايَةُ عِيَالِهِ ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا نَاسِخٌ لِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْقَرَافِيُّ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَبْسِ عَنْ الْجَنَّةِ بِالدَّيْنِ مَنْسُوخَةٌ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى السُّلْطَانِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ الْفُتُوحَاتُ.

(ص) وَإِثْبَاتِ عَمَلِهِ (ش) أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ إذَا عَمِلَ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَهُ وَيُدَاوِمَ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَقْطَعُهُ حَتَّى يُعَدَّ تَارِكَهُ لَهُ بِالْمَرَّةِ لَا الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يَتْرُكُهُ وَيَتْرُكُهُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَفْعَلُهُ وَوَرَدَ أَيْضًا كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ.

(ص) وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ (ش) يَعْنِي وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَابِرَ الْعَدُوَّ الْكَثِيرَ الزَّائِدَ عَلَى الضِّعْفِ، وَلَوْ أَهْلَ الْأَرْضِ

ــ

[حاشية العدوي]

مَا فَعَلْت الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ جَوَابًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ فَعَلْته وَانْظُرْهُ ثُمَّ مَعْنَى وُجُوبِ إجَابَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى أُمَّتِهِ إجَابَتَهُ إذَا نَادَى أَحَدًا مِنْهُمْ فِي صَلَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِأَبِي وَانْظُرْ بَعْدَهَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ خِلَافًا لِمَا فِي عب.

(قَوْلُهُ الْأَحْلَامِ) جَمْعُ حِلْمٍ الْأَنَاةُ وَالْعَقْلُ أَيْ ذَوِي الْعُقُولِ الْكَامِلَةِ (قَوْلُهُ الْآرَاءِ) جَمْعُ رَأْيٍ مَا يَرَاهُ الشَّخْصُ (قَوْلُهُ وَالْحُرُوبِ) وَالْمَعْنَى فِي الرَّأْيِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَا فِي الشَّرَائِعِ) لَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ مُشَاوَرَتُهُ فِي الْأَذَانِ وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَحْيِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ بِالْمُشَاوَرَةِ إذْ قِصَّتُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ أَوْ الْأُولَى قَوْلَانِ رَجَّحَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الثَّانِيَ. وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْمُشَاوَرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] فَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ بَلْ عَلَى الْوُلَاةِ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ عَدُّهُ فِي الْخَصَائِصِ (قَوْلُهُ وَفِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ وَوُجُوهِ الْكُتَّابِ) أَيْ مَحَامِلِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ وَالْعُمَّالِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْوُلَاةِ جَمْعُ عَامِلٍ وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي يُرْسِلُهُ السُّلْطَانُ فِي الْبَلَدِ يَقْبِضُ خَرَاجَهَا مَثَلًا (قَوْلُهُ وَعِمَارَتِهَا إلَخْ) أَيْ عِمَارَةِ الْعِبَادِ أَيْ عِمَارَةِ بِلَادِ الْعِبَادِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ عِمَارَةُ مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَيْ اسْتِمْرَارُهَا وَدَوَامُهَا (قَوْلُهُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ (قَوْلُهُ فَالْخُصُوصِيَّةُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) أَيْ فَقَوْلُهُ أَوَّلًا وَلَا خُصُوصِيَّةَ إلَخْ أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ كَامِلَ الْعِلْمِ. وَأَمَّا لَوْ نَظَرَ لِذَلِكَ فَالْخُصُوصِيَّةُ بَاقِيَةٌ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَذْكُرَهُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمُتَقَدِّمِ.

(قَوْلُهُ فَيُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْوُلَاةِ) أَيْ إذَا عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَتَدَايُنِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أَوْ فِيهَا وَتَابَ مِنْهَا (قَوْلُهُ أَوْ ضَيَاعًا) أَيْ عِيَالًا وَهُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ (قَوْلُهُ فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلتَّفَنُّنِ. وَأَمَّا كِفَايَةُ الْعِيَالِ فَوَاجِبَةٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى السُّلْطَانِ) وَسَيِّدُ السَّلَاطِينِ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَقْضِيهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ السَّلَاطِينِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَدْرَ الْعِبَارَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي أَوَّلًا عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَكَانَ الْمَيِّتُ يُحْبَسُ عَنْ الْجَنَّةِ لِذَلِكَ فَلَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ صَارَ الْمَيِّتُ لَا يُحْبَسُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُفَادُ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِكَوْنِ الْقَضَاءِ وَاجِبًا عَلَى السُّلْطَانِ وَلَا سُلْطَانَ إلَّا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَقْضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَشَارَ لِلْقَوْلَيْنِ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَطَوُّعًا وَهَلْ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ خَالِصِ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى الْأَخِيرِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ ذَهَبَ الْقَرَافِيُّ حَيْثُ قَالَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ أَنَّهُ يَقْضِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَوْلُهُ عَلَيَّ قَضَاؤُهُ أَيْ مِمَّا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْغَنَائِمِ وَالصَّدَقَاتِ قَالَ وَهَذَا يَلْزَمُ الْمُتَوَلِّيَ لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَقُّ الْمَيِّتِ فِي بَيْتِ الْمَالِ يَفِي بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَيَسْقُطُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ قَالَ الْحَطَّابُ وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي هَذَا الدَّيْنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَوَجْهُ الْخُصُوصِيَّةِ ظَاهِرٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ حِينَئِذٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ (قَوْلُهُ أَنْ تُفْتَحَ الْفُتُوحَاتُ) جَمْعُ فَتْحٍ أَيْ فَتْحُ بِلَادِ الْكُفَّارِ وَالْإِتْيَانِ بِأَمْوَالِهِمْ.

(قَوْلُهُ أَيْ لَا يَقْطَعُهُ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ ظَاهِرٍ تَقْدِيرُهُ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ عَمَلُهُ الْخَاصُّ بِهِ كَمَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>