للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدِهِمَا الْكَائِنِ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَمَّا الْجُنُونُ الْحَادِثُ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، فَإِنَّهُ أَيْضًا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَسْتَغْرِقَ كُلَّ الْأَوْقَاتِ، بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وَلَوْ حَصَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَيُفِيقُ فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَصْرُوعَ تَخَافُهُ النُّفُوسُ وَتَنْفِرُ مِنْهُ.

(ص) وَأَجَلًا فِيهِ وَفِي بَرَصٍ وَجُذَامٍ رُجِيَ بُرْؤُهُمَا سَنَةً.

(ش) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ، أَيْ: وَأَجَّلَا فِي الْجُنُونِ وَفِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ؛ حَيْثُ رُجِيَ بُرْءُ مَنْ ذَكَرَ سَنَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْ هَذِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا فِيمَا حَدَثَ بَعْدَهُ لَا سِيَّمَا نُسْخَةَ أَجَلًا بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ، فَإِنْ قُلْتَ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ: مَا مَوْقِعُ أَجَلًا. قُلْتُ: هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْخِيَارِ أَجَلًا فِيهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: بُرْؤُهَا، بِضَمِيرِ الْمُفْرَدَةِ الْمُؤَنَّثَةِ، فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ اعْتِمَادُهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَاتٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ التَّأْجِيلَ فِي الْجُنُونِ، وَلَوْ عُدِمُ رَجَاءُ الْبُرْءِ؛ لِأَنَّ بُرْأَهُ أَرْجَى مِنْ بُرْءِ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ تَثْنِيَةِ ضَمِيرِ بُرْؤُهُمَا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذِهِ النُّسْخَةِ بِجَعْلِ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ عَائِدًا عَلَى الزَّوْجَيْنِ، فَلَا يُنَافِي شُمُولَهُ لِلثَّلَاثَةِ وَيُوَافِقُ عِبَارَةَ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ عَاتٍ، وَعَلَيْهِ فَإِسْنَادُ بُرْءٍ إِلَى الزَّوْجَيْنِ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ، وَإِلَى الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ مَجَازِيٌّ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ، تَأَمَّلْ.

(ص) وَبِغَيْرِهَا إِنْ شَرَطَ السَّلَامَة.

(ش) أَيْ: وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِغَيْرِ الْعُيُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ سَوَادٍ وَقَرَعٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَصِغَرٍ وَكِبَرٍ مِمَّا يَعُدُّ عَيْبًا عُرْفًا إِنْ شَرَطَ السَّلَامَةَ، سَوَاءٌ عَيَّنَ مَا شَرَطَ السَّلَامَةَ مِنْهُ، أَوْ قَالَ: مِنَ الْعُيُوبِ، أَوْ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَلَا يُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى عُيُوبٍ تُرَدُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ لِشُمُولِهِ لِغَيْرِهَا أَيْضًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ شَرْطِ السَّلَامَةِ إِذَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُيُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ نَحْوِ السَّوَادِ وَالْقَرَعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهَا إِلَّا بِالشَّرْطِ، وَمَا تَقَدَّمَ يُرَدُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ أَنَّ تِلْكَ الْعُيُوبَ مِمَّا تَعَافُهَا النُّفُوسُ، وَتُنْقِصُ الِاسْتِمْتَاعَ، أَوْ لِأَنَّهَا تَسْرِي إِلَى الْوَلَدِ، أَوْ لِأَنَّ الْجُذَامَ أَوِ الْجُنُونَ شَدِيدٌ لَا يُسْتَطَاعُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ، وَالْبَرَصُ وَعَيْبُ الْفَرْجِ مِمَّا يَخْفَى، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعُيُوبِ فَالْغَالِبُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مِمَّا لَا يَخْفَى فَغَيْرُ الْمُشْتَرِطِ مُفَرِّطٌ فِي اسْتِعْلَامٍ ذَلِكَ، وَإِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ السَّلَامَةَ مِنْ عَيْبٍ لَا يُرَدُّ بِهِ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا شَرَطَهُ، فَإِنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِمَّا أَنْ يَرْضَى وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ، أَوْ يُفَارِقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ رُدَّتْ لِصَدَاقِ مِثْلِهَا، وَسَقَطَ عَنْهُ مَا زَادَهُ لِأَجْلِ مَا اشْتَرَطَهُ، أَيْ: مَا لَمْ يَكُنْ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنَ الْمُسَمَّى، وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا زَادَهُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِ؛ حَيْثُ زَادَ عَلَيْهِ: وَلَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ، فَلَيْسَ كَالْعَيْبِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.

(ص) وَلَوْ بِوَصْفِ الْوَلِيِّ عِنْدَ الْخِطْبَةِ.

(ش) الْخِطْبَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ: وَهِيَ الْتِمَاسُ النِّكَاحِ، وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي أَنَّ الزَّوْجَ لَهُ رَدُّ الزَّوْجَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ إِذَا وَجَدَهَا عَلَى خِلَافِ مَا وَصَفَهَا لَهُ وَلَيُّهَا أَوْ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ، وَسَوَاءٌ صَدَرَ سُؤَالٌ مِنَ الزَّوْجِ أَوْ لَا، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّخْمِيِّ.

(ص) وَفِي الرَّدِّ إِنْ شَرَطَ الصِّحَّةَ تَرَدُّدٌ.

(ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُوَثِّقَ إِذَا كَتَبَ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجُنُونُ الْحَادِثُ لِأَحَدِهِمَا) ظَاهِرُهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُخَصُّ بِالْحَادِثِ بِالرَّجُلِ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ لَا مَا حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلَا خِيَارَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا حَدَثَ قَبْلَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ لِكُلٍّ الْخِيَارُ فِي صَاحِبِهِ، وَأَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، أَوِ الْحَادِثُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِالرَّجُلِ ثَبَتَ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِالْمَرْأَةِ فَلَا خِيَارَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَبِجُنُونِهِمَا، أَيْ: يُرَدُّ بِسَبَبِ الْجُنُونِ، أَيِ: الْقَدِيمِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَيْ: لَهَا الْخِيَارُ بِجُنُونِهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ بِجُنُونِهَا وَجُنُونِهِمَا جَمِيعًا أَوْلَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ: "قَبْلَ الدُّخُولِ ... إِلَخْ"، فَهُوَ مَعْمُولُ الْمَحْذُوفِ، أَيْ: وَإِنْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْخِيَارُ دُونَهُ، قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ الْحَذْفِ، فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: " قَبْلَ الدُّخُولِ

إِلَخْ"، مِنْ جُمْلَةِ الْغَايَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: "وَلَهَا ... إِلَخْ".

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَصْرُوعَ تَخَافُهُ النُّفُوسُ) ، هَذَا يُفِيدُ الرَّدَّ بِالَّذِي عِنْدَنَا بِمِصْرَ يُصْرَعُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا.

(قَوْلُهُ: سَنَةً) ، أَيْ: قَمَرِيَّةً إِنْ كَانَ حُرًّا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَيُؤَجَّلُ نِصْفَهَا، وَالتَّأْجِيلُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي صِحَّتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِِ.

(قَوْلُهُ: فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ ... إِلَخْ) ، أَيْ: لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الَّذِي طَرَأَ بَعْدَ الْعَقْدِ.

(قَوْلُهُ: إِنْ شَرَطَ السَّلَامَةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعُرْفَ لَيْسَ كَالشَّرْطِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَعْلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَبْوَابِ أَنَّهُ كَالشَّرْطِ أَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ سَوَادٍ وَكِبَرٍ) ، أَيْ: وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُعَدُّ عَيْبًا عُرْفًا وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُحْمَلُ الثَّانِي) ، أَيِ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ مِنَ الْعُيُوبِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ. (قَوْلُهُ: مِمَّا تَعَافُهُ النُّفُوسُ) كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوَ لأَنَّهَا تَسْرِي إِلَى الْوَلَدِ) ، أَيْ: وَهُوَ الْجُذَامُ فَقَطْ فِيمَا يَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّ الْجُذَامَ وَالْجُنُونَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَرَصَ لَيْسَ مِثَلَهُمَا مَعَ أَنَّهُ مِثَلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ.

(قَوْلُهُ: مُفَرِّطٌ فِي اسْتِعْلَامٍ) ، أَيْ: فِي طَلَبِ عِلْمِ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ "فِي " لِلسَّبَبِيَّةِ، فَيُقَدَّرُ مُضَافٌ، أَيْ: بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِعْلَامٍ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ) ، أَيْ: فَلَا رَدَّ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّ لَهَا مِنِ الْجِهَازِ كَذَا، وَمِنَ الْمَالِ كَذَا.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْخِطْبَةِ) ، أَيْ: مِنَ الزَّوْجِ أَوْ وَلَيّهِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا عِنْد اللَّخْمِيِّ) ، وَصَدَرَ بِهَا فِي تَوْضِيحِهِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا صَدَرَ الْوَصْفُ ابْتِدَاءً مِنَ الْوَاصِفِ، وَإِنْ صَدَرَ سُؤَالٌ مِنَ الزَّوْجِ فَيُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ الرَّدَّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصْلُحُ شُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ "لَوْ" يُشِيرُ بِهَا إِلَى الْخِلَافِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ "لَوْ" بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ.

(قَوْلُهُ: إِذَا كَتَبَ ... إِلَخْ) ، أَيْ: فَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ الْكِتَابَةُ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الرَّدِّ يُعَلَّلُ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَلْفِيقِ الْمُوَثِّقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>