ولمّا سمع به أهل مكة.. خرج أكابرهم عنها، وتحدثت قريش بينها أنّ محمّدا في عسرة وجهد وشدة، فلمّا دخل صلى الله عليه وسلم المسجد.. رمل واضطبع بردائه، وأخرج عضده اليمنى، وهذا أول رمل واضطباع في الإسلام، ثمّ قال:«رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة» ثمّ استلم الركن، ثمّ أخذ يهرول، ويهرول أصحابه معه ثلاثة أطواف، ومشى سائرها.
قال ابن عباس: كان الناس يظنون أنّها ليست عليهم، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّما صنعها لهذا الحيّ من قريش؛ للّذي بلغه عنهم، حتى حجّ حجّة الوداع فلزمها، فمضت السّنّة بها، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلّا الإبقاء عليهم، وحين رأت قريش هذا الموقف الرائع الرهيب من الرسول الأعظم وأصحابه.. قالت قريش: هؤلاء الذين زعمتم أنّ الحمّى قد وهنتهم! لهؤلاء أجلد من كذا، وكذا، إنّهم لينفرون نفر الظبي؛ أي: الغزال.
قال ابن كثير: (روى البيهقي من غير وجه عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزّهري عن أنس قال: لمّا دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة في عمرة القضاء.. مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وهو آخذ بغرزه، وهو يقول:
خلّوا بني الكفّار عن سبيله ... قد نزّل الرّحمن في تنزيله