موضع؛ فإن الشافعي كان يبيح البيع والإجارة، وإسحاق يمنع منهما، وكانت الحجة مع الشافعي في جواز بيعها، ومع إسحاق في المنع من إجارتها.
وأما التخيير في الجارية فهو قول الشافعي، ولم أجده منقولا، لا عن أحمد ولا عن إسحاق، كما نقل عنهما التخيير في الغلام.
ولكن نقل عن الحسن بن حيَّ: أنها تخير إذا كانت كاعبا.
والتخيير في الغلام هو مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وإسحاق للحديث الوارد في ذلك حيث خير النبي - صلى الله عليه وسلم - غلاما بين أبويه، وهي قضية معينة، ولم يرد عنه نص عام في تخيير الولد مطلقا، والحديث الوارد في تخيير الجارية ضعيف مخالف لإجماعهم، والفرق بين تخيير الغلام والجارية أن هذا التخيير تخيير شهوة لا تخيير رأي ومصلحة كتخيير من يتصرف لغيره كالإمام والولي، فإن الإمام إذا خير في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء فعليه أن يختار الأصلح للمسلمين ثم قد يصيب ذلك الأصلح للمسلمين فيكون مصيبا في اجتهاده، حاكما بحكم الله، ويكون له أجران، وقد لا يصيبه فيثاب على استفراغ وسعه ولا يأثم بعجزه عن معرفة المصلحة كالذي ينزل أهل حصن على حكمه، كما نزل بنو قريظة على حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما سأله فيهم بنو عبد الأشهل قال:"ألا ترضون أن أجعل الأمر إلى سيدكم سعد بن معاذ" فرضوا بذلك وطمع من كان يحب استبقاءهم أن سعد يحابيهم، لما كان بينه وبينهم في الجاهلية من الموالاة، فلما أتى سعد حكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات" وهذا يقتضي أنه لو حكم بغير ذلك لم يكن ذلك حكما لله في نفس الأمر، وإن كان لا بد من إنفاذه.