[[التوبة النصوح. إذا تاب ثم عاد. ومن ختم له بسوء]]
والتائب إذا كانت نيته خالصة محضة لم يشبها قصد آخر فإنه لا يعود إلى الذنب؛ فإنه إنما يعود لبقايا غش كانت في نفسه، وقد قيل: إنه قد يعود من تاب توبة نصوحا. وقد يقال: إن الأول أرجح؛ فإن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لم يسخطه أبدا والقلب إذا باشر حقيقة الإيمان لم يتركه.
وهذا أصل تنازع فيه الناس، وهو: أنه من ختم له بسوء: هل يقال إنه كان في أصل عمله غش فعاد إليه، أو كان عمله الأول خالصا لا غش فيه ثم انقلب وانتكس؟ على قولين والتوبة من هذا.
والاستقراء يدل على أنه إذا خلص الإيمان إلى القلب لم يرجع عنه؛ ولكن قد يحصل له اضطراب، ويلقى الشيطان في قلبه وساوس وخطرات ويوجِدُ فيه هما، وأمثال ذلك كما شكى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه فقالوا: إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة أو يخر من السماء أحب إليه من أن يتكلم به. فقال:«أوقد وجدتموه» ؟ فقالوا: نعم. فقال:«ذلك صريح الإيمان» . وقال:«الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» والحديث في مسلم. فكراهة هذه الوساوس هي صريح الإيمان.
والتائب في نفسه مع الهم والوساوس والميل مع كراهته لذلك، ويقول في قلبه ما لا يخرجه ذلك عن كونه توبة نصوحا. قال الإمام أحمد: الهم همان: هم خطرات، وهم إصرار؛ وكان هم يوسف هم خطرات، فترك ما هم به لله، فكتبه الله له حسنة ولم يكتب عليه سيئة، وكان هم امرأة العزيز هم إصرار فكذبت، وأرادت، وظلمت لأجل مرادها.
وقد تنازع الناس في العزم الجازم هل يؤخذ به بدون العمل؟ على قولين.