ثم ذكر كلام أحمد أنه لا يكون فقيها حتى يحفظ أربعمائة ألف حديث. قال: وظاهر هذا الكلام منه أنه لا يكون من أهل الاجتهاد إذا لم يحفظ هذا القدر، قال: وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتيا أو أن يكون أراد وصف أكمل الفقهاء فأما ما لا بد منه فالذي وصفنا ودل عليه قول أحمد أن الأصول التي يدور عنها العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن يكون ألفا أو ألفا ومائتين.
ثم ذكر عن ابن شاقلا أنه لما جلس للفتيا ذكر هذه المسألة، فقال له رجل: فأنت هو ذا تحفظ هذا القدر حتى هو ذا تفتي الناس؟ قال: فقلت له عافاك الله: إن كنت أنا لا أحفظ هذا المقدار فإني هو ذا أفتي للناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه.
قال القاضي: وليس هذا الكلام من أبي إسحاق مما يقتضي أنه كان يقلد أحمد فيما يفتي به؛ لأنه قد نص في بعض تعاليقه الدالة على منع الفتيا بغير علم قوله:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[٣٦/١٧] وقوله: {فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}[٦٦/٣] .
وذكر عن ابن بطة أنه لا يجوز له أن يفتي بما سمع من مفت، إنما يجوز أن يقلد لنفسه، فأما أن يقلد لغيره ويفتي به فلا.
ثم ذكر عن أبي حفص أنه سمع أبا علي النجاد أنه سمع الحسن بن زياد يقول: ما أعيب على رجل يحفظ لأحمد خمس مسائل استند إلى بعض سواري المسجد يفتي الناس بها.
قال القاضي: وهذا مبالغة منه في فضله.
[[صفة المستفتي]]
ثم قال القاضي: فأما صفة المستفتي فهو: العامي الذي ليس معه ما ذكرنا من آلة الاجتهاد، وذكر قول عبد الله: سألت أبي عن رجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختلاف الصحابة